لماذا لا تستطيع حماس تحقيق الانتصار..!!

يتساءل الكثيرون عن سبب تأخر النصر في المعركة المستمرة منذ اكثر من 60 على العدو الصهيوني، رغم أن المعركة تدور بين الايمان والكفر، او على الاقل بين صاحب الاحق الابلج وبين الظالم البين..!!
ونسمع كثير من التبريرات لعدم تحقق النصر من قبيل دعم القوى الغربية لكيان العدو بالمال والسلاح والقرارات الدولية. الخ, باعتباره القاعدة العسكرية المتقدمة للإمبريالية الغربية في قلب الشرق الاوسط.
ومن قبيل ان موازين القوى على الارض لا تسمح بتحقيق هذا الانتصار على العدو الصهيوني نظرا لوجود انظمة عربية تشكل طوقا خانقا على المقاومة الفلسطينية نظرا لتوافق مصالح هذه الانظمة مع مصالح العدو والقوى الغربية، وتعارضها مع مصالح المقاومة.
ومن قبيل انه اذا التقى المسلم والكافر في ميدان المعركة وقد اشتركا في المعاصي والذنوب والمظالم فان الغلبة للأقوى وليس للأتقى.
ومن قبيل ان الله تعالى يأمر عباده بان يقاتلوا العدو صفا واحدا لتحقيق الانتصار وان الفرقة تشكل عنوانا محققا للهزيمة، وان حالنا الان من الفرقة والتشرذم الاسلامي والعربي بل والفلسطيني لا يحقق هذا الشرط من شروط تحقيق الانتصار.
وعليه فهناك اسباب ذاتية واسباب خارجية تمنع حماس وكانت تمنع من سبقها من حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية من تحقيق الانتصار على عدو الامة والشعب.
ومن الاسباب الخارجية ما ذكرنا لكن هناك من الاسباب الذاتية التي تمنع تحقيق أي انتصار على العدو الصهيوني -حتى وان حققنا النصر في جولة هنا او هناك من قبل حركة حماس التي تردد في ادبياتها انها حركة اسلامية اسمى غايتها هو السعي لتحرير فلسطين من اجل اقامة الخلافة الاسلامية الراشدة الموعودة في كثير من الاحاديث والبشارات النبوية.
حيث تقول حماس انها الفئة المؤمنة المذكورة في الحديث المشهور"لا تزال طائفة من أمتي...الخ".
لكن المتأمل لواقع حركة حماس التي تعتبر رأس حربة جماعة الاخوان المسلمين المحاربة على ارض فلسطين نيابة عن الامة بأسرها، يرى انها لا تحقق في نفسها احد شروط الانتصار التي رأيناها في معارك المسلمين الاولى مثل معركة بدر وغيرها من معارك المسلمين حيث كانت الغلبة فيها للأتقى وليس للأقوى.
ومن الأمور التي يرى المراقبون انها تقدح في هذه الدعوى وتؤخر النصر على يد حركة حماس ما يلي:
ان حركة حماس التي نشأت في الارضي الفلسطينية وتحديدا في غزة لم تنشا بهدف التحرير ذلك ان الاحاديث النبوية التي تستند اليها حماس تؤكد بان تحرير فلسطين لا يأتي من داخل فلسطين بل بزحف جيش اسلامي من شرقي نهر الاردن، لذلك ترى حماس في نفسها جرس ايقاظ الامة وشعلة المقاومة الباقية امام نواظر الامة حتى تفيق وتستعيد مقومات النصر من جديد.
ان حركة حماس كحركة مقاومة والتي عانت طويلا من ملاحقة الاحتلال، ثم من ملاحقة السلطة الفلسطينية لها ومن اتهاماها بالإرهاب، رأت في المشاركة السياسية فرصة لشرعنة نفسها ولحماية المقاومة ولنفي تهمة الارهاب عنها، ولتقديم نموذج من الحكم الاسلامي النظيف مقارنة بالصورة الفاسدة التي تركتها فتح في حكمها للسلطة على مدار اكثر من 12 عاما.
ان حركة حماس وخلافا للتوقعات خلعت قميص السلطة عن حركة فتح لترتديه هو نفسه بذات الرقع والثقوب والتمزيق والعور الذي اعتراه طوال سنوات طويلة، ولم يختلف تقريبا سوى صورة مرتديه الاول حليق اللحية والاخر بلحية.
فعلى صعيد القوانين التي احتكم اليها الفريقان فتح وحماس في حكمهما  بقيت كما هي، علما بانها تستند الى قوانين استعمارية او مصرية او اردنية لا تحقق العدالة للمواطن، ولم تستطع حماس في ظل تعطل عمل التشريعي تغيير هذه القوانين وان حصل فقد كانت عملية بطيئة جدا ولا تستند الى اجماع شعبي او قانوني.
وعلى صعيد الانظمة التي حكمت العمل الحكومي فقد بقيت كما هي فاستخدمتها حماس في توظيف القادة والمسؤولين للعشرات من الابناء والاقارب والمقربين.
كما استخدمتها حماس ليحصل المسؤولين فيها على رواتب حكومية مرتفعة في ظل وضع اقتصادي منهار، وليحصلوا على سيارات فارهة في ظل تعمق ازمة وحدة الفقر بين الناس، وليحصلوا على امتيازات في تخصيص الاراضي لجمعياتها ومؤسساتها وبعض مسؤوليها في ظل توسع ظاهرة البطالة..الخ.
هذه الانظمة وتلك القوانين شكلت وبفعل التراكم الزمني الذي استمر نحو 7 سنوات حتى الان حاجزا باعد تدريجيا بين رجالات حماس كفكر وكممارسة وكسلوك لتجسيد الحكم الرشيد وبين الناس الذين باتوا يرون في حماس امتداد لحكم جبري آخر جسدته حركة فتح بقيادة ياسر عرفات ومن بعده محمود عباس.
وعليه فقد رأت حماس  في عمليات المقاومة مخرجا كلما وصلت الامور الى عنق الزجاجة،  فمثلا وبعد نحو 6 أشهر فقط من فوز حماس بانتخابات السلطة 2006م وبعد رفض مختلف القوى والفصائل الفلسطينية المشاركة في حكومة حماس لجأت حماس لتنفيذ عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط، وفي نهاية عام 2008م وبعد انسداد افق رفع الحصار كما الحوار مع فتح وتنامي حدة الردح الاعلامي لجأت حماس لاطلاق اكثر من 100 صاروخ على العدو لتستدعي حرب الفرقان لتدخل غزة في مأساة العويل التي جرت على غزة مئات قوافل المساعدات التي عمل البعض الشاذ من السراق والفاسدون من المسؤولين وأبنائهم على توظيفها للتربح والاغتناء.
ومنذ حرب الفرقان حتى حرب الايام الثمانية كانت حماس بصدد تكوين قوة مقاومة حقيقية الا ان حرب السجيل فاجأت حماس التي لم تكن مستعدة كما يجب، كما فاجأت "اسرائيل" فكان النظام المصري الجديد ملجأ لممارسة نفوذه لايقاف هذه الحرب التي تفاجأ كيان العدو من حجم الرد الذي اتبعته حماس على اغتيال قائدها احمد الجعبري وبوصول صواريخها حتى القدس وتل ابيب.
اذا فعمليات المقاومة شكلت مخرجا مستمرا لمآزق حماس السياسية والاقتصادية، وما زالت المقاومة تشكل ذات المخرج حيث يتوقع المراقبون ان تكون حماس وفي ظل وصول امورها السياسية والاقتصادية لعنق الزجاجة  اعطت بالفعل الامر لمقاتليها في الميدان لتنفيذ عمليات اختطاف جنود متقنة، مع استعدادها التام لردة الفعل الصهيونية في ظل تعدد الوسائل القتالية لدى كتائب القسام بدءا من الصواريخ التي طالت مدياتها مرورا بمضادات الدروع والعبوات ذات الفعالية الكبيرة، مرورا بسلاح الانفاق والتهديدات باجتياح للمستوطنات المحاذية للقطاع وربما ليس انتهاءا بالطائرات المفخخة القادرة على ضرب تجمعات العدو في العمق الصهيوني فضلا عن قواعد التحكم والسيطرة.  
قد تستطيع حماس أن تحقق نصرا محدودا عسكريا في الجولة المقبلة ربما قبل ان يخرج جالوت الصهيوني بآلته الباطشة التي لن تستطيع حجارة حماس قتله في هذه المرحلة على الاقل الامر الذي قد يجر على غزة بطشا صهيونيا غير مسبوق ربما.
قد لا يستطيع العدو القضاء على حماس في الجولة القادمة، لكن سواء انتصرت حماس او ضُربت حماس فلن تختلف نظرة الناس في قطاع غزة على الاقل لها بما تمثله من نموذج غير مقبول للحكم الرشيد المأمول حيث بات حكم حماس يشكل امتداد او على الاقل صورة اخرى من صور الحكم الجبري  الذي بدأ ما يسمى بالربيع العربي بإزاحته عن المشهد في عدد من البلدان.
 تحكي لنا حكم التاريخ ان عمرو بن العاص وقف طويلا امام حصون الرومان في مصر عاجزا عن فتحها لتخلفهم عن تطبيق سنة واحدة من سنن النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم هي سنة السواك، فهل يستطيع ان يحقق النصر من تعلقت في رقابهم كثير من مظالم العباد وكثير من حقوق الشعب وكثير من مقدرات واموال الناس التي يتمتع بها افراد وكوادر وقادة حماس دون الشعب.
وللتأكيد فقط نحن هنا لا نهاجم حماس كفكر اسلامي وكمبادئ لا غبار عليها، كما اننا هنا مع حماس المقاومة كخيار أثبت نجاعته وجدواه قلبا وقالبا، لكننا في ذات الوقت لسنا مع كثير من سلوكيات وقرارات وتصرفات كثير من مسؤولي وقادة حماس التي تخالف تلك المبادئ التي تربينا عليها في مدرسة حماس فضلا عن مخالفتها لما شببنا وشبنا عليه من نماذج وقدوات.   
يمكن لحماس ان تسرع بفرص احراز النصر الكبير على العدو الصهيوني وذلك :
بتطبيق القولة المشهورة والمعتمدة في أدبيات حماس "أقم دولة الاسلام في صدرك تقم على أرضك"، الأمر الذي يستلزم هزة داخلية للتخلص من كثير من المظاهر الفاسدة ومن السلوكيات الغريبة ومن القرارات غير العاقلة ومن كثير من الوصوليون والمتسلقون الذين كانوا في القاع في زمن المحنة وسرعان ما صعدوا على اكتاف حماس عندما أضحت في السلطة فشوهوا صورتها.
التخلص من النظرة الحزبية المقيتة التي لا يرى فيها بعض قادة حماس في الميدان الا حماس ويعتبرون الاخرون مجرد صراصير لا قيمة ولا وزن لها ،الأمر الذي يستلزم اعادة النظر في استراتيجية العمل الوطني الشامل ، فحماس بصفتها الحكومة القائمة عليها ان تتوصل مع باقي القوى والفصائل الى تعاقد وطني مختلف عما ورثته من فتح ومن منظمة التحرير والذي لم يعد صالحا لإدارة الصراع في المرحلة المقبلة.
ان تجنيد الكل الوطني في معركة التحرير القادمة تستلزم ان لا تحارب حماس العدو الصهيوني وحدها مهما بلغت قوة حماس، وان تعمل حماس كما وعدت ابان دعايتها الانتخابية في 2006م بتوحيد فصائل المقاومة في جبهة واحدة وبغرفة عمليات واحدة وبقيادة اركان واحدة وبقرار واحد للسلم كما للحرب.
وكي يتحقق ذلك على حماس التراجع خطوة او اثنتين للوراء لإفساح المجال لدخول آخرين لساحة صنع القرار والمشاركة في الحكم لا من منطلق المنة بل من منطلق الشراكة.
ان تعيد حماس النظر في كثير من دوائرها ومؤسساتها التنظيمية والنقابية التي اصابها الترهل ولم تعد قادرة على مواكبة تطور فكر الاجيال الصاعدة التي رأينا الكثير منهم في مهرجان انطلاقة فتح العام الماضي ليس حبا في فتح ولكن ربما كرها او جهلا بحماس التي لم تبذل الجهد المطلوب لا للتعريف بنفسها ولا لاستيعاب الاجيال الصاعدة عبر مؤسسات مواكبة لتطور التفكير المختلف وللتحولات التي يعج بها المحيط.
ان يكون انفتاح حماس على الاخر سواء الاخر الفلسطيني او الاخر العربي او الاخر الاوروبي والامريكي ليس موسميا تمليه الظروف السياسية في وقت ما وتدفعه لأسفل قائمة الاولويات في وقت آخر، وخيرا فعلت حماس بتعيين صحفية ناطقة باسم الحكومة باللغة الانجليزية، ورغم اهمية الخطوة الا انها ستبقى قاصرة وضعيفة وعاجزة عن تحقيق الغرض المطلوب ما لم يرفد هذا التوجه بدائرة متكاملة الكفاءات والقدرات والامكانات للوصول الى عقل صانع القرار الاجنبي، وللعب على وتر النفسية الصهيونية التي تمتلك عشرات الناطقين بمختلف لغات العالم.
يقولون ان الاعلام بات يمثل نصف المعركة ان لم يكن أكثر، غير أن المراقب يرى الضعف والترهل يلازمان الاعلام الحمساوي رغم امتلاكه كثير من الادوات وعوامل القوة الا ان اسلوب ادارة هذه الادوات والوسائل يعتبر اسلوب ركيك فهو كآلة قادرة على انتاج مليون عبوة في اليوم فيما لا ينتج العامل عليها سوى مائة الف فقط.
الامر الذي يستلزم اتخاد كثير من الخطوات للحد من كون صحف حماس كالرسالة كنشرة تنظيمية داخلية، وصحيفة فلسطين كنشرة اعلامية لغزة فقط، وفضائية الأقصى كتلفزيون محليي، واخراج كثير من مواقعها الالكترونية من زنازين الروتين والتقليدية والانكفاء الداخلي.
الأمر الذي لابد سينعكس حسن استخدام للفرص الكثيرة لدى هذا الاعلام والتي كان آخرها صفقة وفاء الاحرار والمحررين الذين ما زالوا مجهولين بعملياتهم وبطولاتهم لغالبية ابناء شعبنا خصوصا الجيل الصاعد.
كي تقرب حماس موعد النصر الموعود ليس عليها سوى اعادة النظر في بعض الاجراءات والقرارات والتوجهات وتغيير طريقة وزاوية النظر الى الامور وطريقة تشغيل واستخدام بعض المؤسسات والادوات باتجاه تحقيق الاهداف المنشودة.
 

كتبه: عبد الله عزام
2-11-2013م