نتانياهو وحق العودة ووعد بلفور

بقلم: رشيد شاهين

في ظل حالة التردي العربي وحالة "الموات" الفلسطيني، ليس غريبا أن يصرح رئيس وزراء دولة الاغتصاب بنيامين نتانياهو في ذكرى وعد بلفور، بما صرح به حول ضرورة "تنازل الفلسطينيين عن حق العودة للاجئين" وهو لم يكتف بذلك بل أضاف إن عليهم التنازل عن " مطالبهم الوطنية الأخرى"، وكذلك مطالبتهم بالاعتراف "بحق اليهود" في إقامة دولة لهم فيما أسماه "وطنهم".

 

تصريحات نتانياهو هذه جاءت كما يبدو في الرد على كل الذين يحاولون الترويج للصيغ المختلفة و"طروحات" ما يسمى بالسلام مع كيان الاحتلال، وهي تأتي للتأكيد على ان قيادة دولة الاحتلال غير آبهة بأي ردود أفعال قد تصدر من هنا أو هناك، لأنها باتت تعلم ان كل ذلك لا يعدو ان يكون "فقاعات" هواء ما تلبث ان تتلاشى، فمن يقود الكيان أصبح خبيرا في الذهنية العربية، ويعرف تماما ما هو أقصى ما يمكن تفعله أمة العربان، كما باتت ردود الفعل العالمية معروفة مسبقا فهي لن تختلف في أسوأ الأحوال عما كان يجري في الماضي سواء القريب أو البعيد.

 

هذه التصريحات تأتي بينما تجري مفاوضات يعتقد على نطاق واسع على المستوى الشعبي الفلسطيني انها مفاوضات عبثية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الخراب في البيت الفلسطيني، وهي تصريحات يجب على من يفاوض أن يأخذها بعين الاعتبار، لأنها تعبر عن العقلية الصهيونية الحقيقية التي اعتقدت منذ بزوغ الفكرة الصهيونية بأن فلسطين ارض بلا شعب.

 

ان "شطب مطالب الشعب الفلسطيني الوطنية" كما يريد رئيس وزراء الكيان، ليس سوى تأكيدا على أن ليس هنالك مجالا للعيش أو التعايش مع عقلية عنصرية ترفض الآخر، لا بل وتنفي وجوده، ولا تعترف بطموحاته الوطنية في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

 

هذه التصريحات وفي ظل العودة إلى المفاوضات "المرفوضة على مستوى الشارع" فلسطينيا، برغم عودتها الرسمية، هي التعبير الحقيقي عن العقلية الصهيونية التي يتم التعامل معها، والتي يحاول البعض إقناعنا إن هنالك إمكانية للتوصل إلى سلام ينهي الصراع معها.

 

الوعد "بلفور" الذي تحدث عنه رئيس وزراء دولة الكيان، بالنسبة للفلسطينيين، هو بالتأكيد مَثٌل كارثة إنسانية ووطنية، لكن هذا لا يعني نهاية التاريخ، فهو وعْدٌ تم منحه ممن لا يملك، لمن لا يستحق، وعلى هذا الأساس وبرغم ما ألحقه هذا من نتائج كارثية، إلا ان شعب فلسطين رَفَضَهُ منذ البداية وسيظل هذا الرفض كما هو عليه حتى تقوم الساعة.

 

إن غرور القوة الذي تحدث به نتانياهو لن يكون سوى المحرك لأبناء فلسطين لرفض ما يجري من مفاوضات وما قد تتمخض عنه من نتائج ستكون أمثر كارثية من وعد بلفور، وبقدر القوة التي يتمتع بها كيان الاغتصاب، فان شعب فلسطين لديه من القوة ما يعجز عن فهمه نتانياهو، الذي يمكنه ان يطوف في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أينما كانت ليعلم حجم تمسك هؤلاء بحقهم في العودة إلى ديارهم التي طردوا وهجروا منها، لا بل التي هجر منها الآباء والأجداد.

 

الفلسطينيون الذين يطالبهم نتانياهو بالتخلي عن حقهم بالعودة وعن طموحاتهم الوطنية، والذين يمكن ان يقبلوا بذلك، هؤلاء لا وجود لهم، وإن وجدوا فهم لا يمثلون شعب فلسطين، لأن الفلسطيني الحقيقي و"الاصيل" لا زال يتمسك بحقه بالعودة و بإقامة دولته المستقلة على أرض الآباء والأجداد، سواء تحقق ذلك اليوم أو بعد مائة عام.

 

فلسطين للفلسطينيين، كانت وستبقى، بغض النظر عن الأوهام الصهيونية وما يعتقد أتباعها. وهكذا، على نتانياهو ان يفكر بعيدا عن سراب القوة الذي يعتقد انه يمنحه النجاة من الهزيمة والغرق.