بعد يومين يبلغ الثمانين عاما.. هذه مناسبة تسعده.. فزوجته وعدته بكعكة عيد ميلاد يحبها.. وستزوره في الملجأ مع اولاده وأحفاده.. سيكون ملك الاحتفال ويشارك أصحابه وصاحباته من الملجأ في العيد.. سيكون أول من يقسم الكعكة بالسكين ثم تكمل زوجته تقسيمها وتوزيع الكعك على جميع الحاضرين.. ستحضر معها مشروبات وربما شوكولاتة، بالتأكيد سيشعلون له شمعة في وسط الكعكة، عندما يغنون له عيد ميلاد سعيد سينفخ على الشمعة "هوف" ويطفئها على صوت تصفيق الحاضرين له لأنه شاطر.
اليوم قالت له المشرفة على الملجأ انه بقي يومان للعيد.. الله ما اطول اليومان، دائما يقولون له بعد يومين، احدى العاملات قالت بتذمر انه سألها عشرين مرة اليوم وقالت بصوت غاضب "كفى"، غضب من تصرفها.. بالتأكيد لن يدعوها لحفلة ميلاده، لم يلقاها الا ساعة اعداد وجبة الفطور ، لماذا تكذب بقولها انه سألها عن موعد عيده اكثر من عشرين مرة ؟ سيشتكيها للمسؤول.. لكن المسؤول قال ان الشكوى سجلت وانه تحدث امس مع المساعدة ووبخها.. لكنه قدم الشكوى اليوم فكيف عرف المسؤول عن شكوته عن المساعدة قبل ان يشتكيها له؟
لماذا تجمد اليومان بلا حركة.. ومتى تحل اللحظة السعيدة؟ يشعر ان السعادة لن تسعه وهو يقضم من كعكته الشهية.
منذ استقر قبل سنوات في هذا الملجأ، شدت أنظاره زميلة معه متقدمة مثله في السن، لكنها من عنصر النساء القوي، كان معجبا برشاقتها في المشي السريع وشخصيتها المسيطرة على جميع الأصحاب والصاحبات في الملجأ، كثيرا ما جلست تستمع اليه وتبتسم مسرورة له، بالتأكيد من حديثه وقصصه، رغم انه لا يذكر ماذا قص لها، ويخاف ان يكون قد صارحها بحبه لها فتزعل زوجته ولا تحضر لزيارته مع الكعكة ويتوقف عمرة الى ما قبل الثمانين بيومين.
مع ذلك تلك المرأة كانت تعجبه، كان يتمنى لو يحصل منها على قبلة.. أو ربما أكثر من قبلة، فالرغبة باقية رغم ان الأداة تعطلت. الحق انها دائما تمسح بيدها على ما تبقى من شعرات رأسه.. وتساعده على الاستلقاء فوق سريره.. بل وتساعده على اختيار وجبة الأكل وأقصى أمانيه ان يحظى منها بقلبة.
بالطبع كانت على رأس مدعويه ليوم عيد ميلاده الثمانين الذي سيكون بعد يومين وقد طال اليومان بدون سبب مفهوم .
عندما راها قادمة نحوه وقف على ساقيه واقترب منها.. وهو يأمل بكل عام وانت بخير وقبلة.. قال لها:
- سيدتي، هل تعرفين بأن عيد ميلادي سيكون بعد يومين؟
- شيء جميل حقا.. يجب ان نحتفل كلنا بهذه المناسبة ونهنأك ونتمنى لك العمر المديد.
- لهذا جئت أدعوك الى عيدي بعد يومين.. هل ستحضرين..؟
- بالطبع.. بالطبع سأحضر وأجلب لك هدية بالمناسبة.. انه يوم سعيد.. وانت بالتأكيد تنتظر هذا اليوم لتأكل من كعكتك المفضلة التي ستحضرها زوجتك.. وستنفخ بكل قوتك لتطفي الشموع التي ستوضع على الكعكة وكلنا سنأكل ونغني لك.
- هل تعرفين كم سيصبح عمري؟
- انا مستعدة أن اراهن بأني أستطيع أن أعرف كم سيصبح عمرك بالضبط؟
- حقا كيف.. انا لم أقل لك؟
ضحكت السيدة التي يتمنى قبلة منها، شعر بفرح وراحة لأنه أسعدها بحديثه.. عاد يكرر:
- كيف ستعرفين عمري اذا لم أقل لك؟
- لدي القدرة على كشف المخفي.. تريد أن تراهن اني قادرة على معرفة عمرك؟
- على ماذا نراهن؟
- نراهن على قبلة، اذا لم أعرف انت تقبلني واذا عرفت انا أقبلك؟
تهدج صوته:
- ممتاز.. حقا ممتاز.. انا اوافق على الرهان.
شعر بانبساط وانه سيد الموقف. اذا لم تعرف كم عمره سيحصل هو على قبلة واذا عرفت كم عمره ستحصل هي على قبلة.. وهو لا يعرف ما الفرق ولكن بكلتا الحالتين لن يخسر.
- اذن كم عمري ؟
- آه.. وصلنا للسؤال الصعب.. انزل بنطالك.. وسأعرف كم عمرك سيكون بعد يومين؟
وبدون تردد فك حزام البنطال وأنزله.
نظرت اليه، ودارت حوله وهي تتأمله، ثم قالت له:
- عرفت.. سيكون عمرك ثمانين عاما بعد يومين.
تفاجأ من معرفتها:
- كيف عرفت؟
- انت بنفسك قلت لي قبل اسبوع عندما دعوتني أول مرة لعيد ميلادك.. وقلت انك تتمنى قبلة مني.. الآن ارفع بنطالك لتقبلني.
ومدت له خدها.
[email protected]