لماذا أحبك؟ِ

بقلم: نائل خضر

ان كانت الكلمة قول مفرد بالاصطلاح، واللفظ الدال على معنى حيث لا يدل جزؤه على جزء معناه. فالكلمة اسم وفعل وحرف. أي أن الحرف لا يحمل معنى الا اذا اجتمع مع غيره من الحروف ليكون هناك كلمة لها دلالة، أي أن الاجتماع قوة تجمع بين قوى الأفراد لانتاج ما هو رائع. ولعل أشعة الشمس البيضاء- رغم بياضها- فهي جمع من الوان الطيف السبعة، اندمجت سويا لتكون لمعان الضوء الأبيض على قطرة ماء تجدها على طرف ورقة لشجرة تكاد تنطق حين تلوح من رياح الشرق تشدها حاملة بخار الماء من فوق البحار وتدور على أنفاسها الحياة. فسبحان الله، شمس وضوء ونبات ورياح وانسان ونظام شديد الترتيب. هو لا يبعد كثيرا عن فحوى اللغة لأنها ما يعبر به الكائن الحي عن محيطه، وفي حال البشر فهي عما في داخله وعن الذي سبق واذا استشرق المستقبل أيضا. فاللغة كالنظام الطبيعي، عفوية بنظام خلاب يدخل في قلب المتكلم قوة اللفظ وفي قلب السامع عظمة الوصف.

 وصلة

الاسم يا سادة هو ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الازمنة الثلاثة، أي ما يميز بعلامة. أي ترى كل خلق حولك فتجد له وصفا لتعبر عما رأيت للاخرين، أو أنك تصف حالا كائنا، أو تصف الموجود للتعبير عن الغائب، أو أنك تنجم القادم، مع العلم أن ما وراء ظهرك غيب، وجهلك به هو دليل على ادراكك لمفهوم " الغيب " أي حققت الحروف مجتمعة معنى الكلمة بالتالي صار هناك في الكلمة حدث ومعنى ودلالة. فالحدث مرتبط ب"الفعل" والمعنى متربط بالوصف والدلالة بالفحوى أو القصد. ولا يخرج الكلام عن ذلك، وهذا ما يميز البشر- أي الدلالة.

وعرفنا ان الكلام هو قول مفيد مقصود، وبه الحدث والمعنى والدلالة. لذا أقول ان المنطق هو فعل ودل على معنى في نفسه مقترنا بالزمن، وكل وصمة فيه تحمل الاسم الذي يدل على فعله. فقد عرفنا منه ما تعنيه الأصول وفروعها، ثم الدليل واثاره وما له من خصائص لننظر بها على النظام. ولأن الفعل يلزمه بالمعنى فاعل، فقد برع الفاعل في أداء فعله، وصار أساس المنطق تصدير الأصول وسرد الفروع على اختلافها، والقصد أن اللغة أصول وفروع كالنظام الطبيعي، وهكذا حياة البشر. ووجه الشبه هو الترتيب، أي ان وجد النظام على سجيته، صقل اللسان على السجية الصحيحة. وهنا اذكر ملكة المكان وأثره في القاطنين فيه. وأمثل:

تحدث العرب العربية واستخدموا المفردات للتعبير عن بيئتهم الصحراوية، فحفظت البيئة الصحراوية أبصارهم- فهي حادة- وأجسادهم - فهي جلدة- وكذلك ألسنتهم وهي ما شكلت لغتهم وأسلوب حياتهم. وهذا من أثر البيئة على اللسان.

وتجد حين تدرس مجتمعات أخرى غربية أن لسانهم وتعبيره عن لسان حالهم مرتبطان، حيث لا نجد حروف الاستعلاء كثيرة، وتكاد تفقد حروف القلقلة، وأثرها رجعي على نمط الحياة، تجد نفوسهم ضعيفة- عواطفهم غلابة، أو أنهم ليسوا أهل عزم أغلب الظن. وهذا من أثر اللسان على البيئة في ظاهره وليس في أصله. فالأصول حددها من هوا فوق البشر- سبحانه وتعالى. ونحن نصف الحال ولا نفسر دليل الحال، أي الحال واضح والدليل واضح وعلينا وصفه وليس تفسيره لأن في تفسير الدليل- الخلقي خاصة- من اللبس والبعد عن " المعنى"، أي ان هدف الكلام بأشكاله كما أسلفت حصول الفائدة وليس تفسير الفائدة. أما الخوض في تفسير الدليل فلأهل المعرفة بالأصول على اختلاف الفروع.

تحليل

وخلاصة الأمر، أننا نعيش كالحروف تجتمع مع غيرها لتشكل معنى مختلف، ونحن البشر نجتمع جماعات لنشكل هدف مختلف وكلام مختلف.

وكذلك الفرد، تعرف سماته حين يعاشر الاخرين، فيتعلم منهم ويتعلموا منه. فمثلا، يستخدم الشخص عبارات وتصرفات في بيته مختلفة عما اذا كان في مكان عمله، وهذا بسبب ملكة المكان والعقل واللسان مجتمعة. على أي حال، أن الانسان لا يكتسب الخبرة في الحياة الا باحتكاكه بالاخرين، فالناس كالحروف. والا ما كان هناك مجتمع وما كان هناك هدف للغة!

ثم  أصل قولي بمثال كلمة " أحبكِ" من لسان الرجل الى أذن المرأة. نلحظ الانطباق بالضم على أول الكلمة، وفي دفئ اللفظ وهو دليل على دفء القلب، ثم الحاء وهو حرف ناعم رقيق يصل الدفء بالقوة، فالباء تأتي لفضح المشاعر تدفق قوي من القلب بتناغم ناعم، حتى تنتهي بكاف تلمس فيها الحياء وفيها من الرغبة الشديدة، وهي مكسورة تدل على الرقة بعد التدفق القوي، فأشير أن الترتيب هو لتحقيق تكامل فلكل حرف وقع فالنفس يثير بها المعنى والدلالة للكلمة. فلو لم تكن " أحبك" لكانت كلمة أخرى بها نفس الدلالة. ولكن الأربعة حروف أدت المعنى بكل خصائصه. وهذا واقع الأمر، أن الحب يبدأ بنظرة فيصبح احساس مرهف ورقيق، ثم يتطور فيرتبط الشخصان بقوة، ثم يحصل العشق وهو أسمى درجات الحب، وهو أيضا ما يعبر عنه باتصال الارواح عن اتصال الاجساد بالجماع.

وان كانت من لسان المرأة للرجل فهي مفتوحة الاخر، لتدل على الانفتاح والتسليم والانصياع، وبها من الاعتراف بخشونة الرجل.

فوصلت الحروف حين اجتماعها المعاني والاحاسيس وليس فقط الوصف الموجود.

 

نائل خضر