إغلاق الأنفاق ورفض البنوك بغزة قبول ودائع بالدولار الأمريكي !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

شهد الاقتصاد الغزي العديد من التغيرات خلال العقود السابقة منها وجود الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967)), مرورا بمرحلة السلطة الفلسطينية منذ العام 1994)), وانتهاء بأشد المراحل خطورة وهي مرحلة الانقسام ونشوء ظاهرة أنفاق التهريب على حدود مصر, فبعد أن كان للقطاع الزراعي والصناعي دورا في نمو الناتج المحلي خلال تلك العقود دخل الاقتصاد الغزي لمرحلة الاقتصاد الطفيلي غير المنتج ذو الطابع الاستهلاكي مع ظهور الأنفاق والتي جاءت

كنتيجة للحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة مع بداية العام 2006)) و بعد فوز حركة حماس بانتخابات المجلس التشريعي في 25 يناير 2006 وتشكيلها للحكومة, بدأ البحث عن بديل أخر للمعابر بسبب سياسات الاحتلال المتمثلة بالإغلاق المستمر للمعابر ومنع دخول مواد البناء والتشييد و مستلزمات العملية الإنتاجية والتي كانت سببا في اغلاق مئات المنشات الصناعية والتجارية والخدماتية ونقص كبير في السلع الاساسية والضرورية حيث تقلص عدد السلع المسموح بدخولها لغزة من ((9000 سلعة فقط ل ((30 سلعة وخلال فترة 2006-2008 شهد القطاع ازمة حقيقية وجاء البديل الأسوء على اقتصانا المحلي وهي الانفاق ومع بداية العام 2007 بدا حفر الانفاق وتزايدت حدتها بعد عام 2008 لتصل لقرابة( (1200 نفقا والتي شكلت شكلا من اشكال الاقتصاد المدمر والمشوه والطفيلي رغم حله لمشكلة إنسانية تتمثل بإدخال السلع الضرورية والتي من المفترض أن تصل للمستهلك الغزي بأسعار منخفضة وبجودة عالية, وعالعكس من ذلك انحرفت عن مسارها الحقيقي وشكلت سيفا مسلطا على رقاب الفقراء وذوي الدخول المنخفضة ومعدوي الدخول, حيث ارتفاع اسعار السلع لأضعاف سعرها بمصر, اضافة الى موجة الارتفاع الجنوني في الاسعار وخصوصا الاراضي والعقارات والتي كانت كنتيجة لعمليات غسيل الاموال حيث ان العائدات التي يحصل عليها تجار الانفاق لم تستثمر في قطاعات الاقتصاد الحقيقي وهي القطاعات المنتجة التي تضيف قيم حقيقية وتحل من مشكلة البطالة وتوفر احتياجات القطاع ولكن جاء الشكل الخاطئ للاستثمار حيث ركز اصحاب الانفاق على عمليات لتوظيف الاموال بدلا من استثمارها من خلال توظيفها في قنوات غير منتجة تمتثل في عمليات شراء وبيع الاراضي والعقارات ومعار ض السيارات والمولات الاستهلاكية الكبيرة والفنادق وبعض مؤسسات التمويل والصرافة وغيرها ويعود ذلك لحداثة هذه الفئة في ممارسة الانشطة الاقتصادية, والتي كانت سببا رئيسيا لخلق طبقة جديدة ثرية طفيلية قد يمتد نفوذها مستقبلا وتسيطر على اتخاد القرار الفلسطيني , حيث اشارت دراسة لجريدة الاقتصادية بغزة انه تم توظيف 2600) ) مليون دولار في مشروعات غير منتجة, وإن تلك الطبقة تكونت من (600) مليونير جديدة اي بواقع (3.5) مليون دولار للواحد وهذا يؤكد تشوه هذه الظاهرة وخطورتها حيث لم تستطيع علاج الفقر والبطالة وزادت من حدة التفاوت الموجود في الشرائح الاجتماعية . إلا أن معدلات النمو ظلت سالبة طوال الفترة 2008-2010 وهي ذروة الأنفاق، حيث تزايدت معدلات البطالة والفقر وتفاقمت أزمة السيولة، وتأثرت المؤسسات المالية والمصرفية سلبا، وتعاظم تأثير الاقتصاد غير الرسمي والخفي وما ترتب على ذلك من انتشار ظاهرة غسيل الأموال، وتعذر الحصول على إحصاءات رسمية عن الأنشطة الاقتصادية في القطاع.

فعلى الرغم من ضخامة حجم التهريب والذي تراوحت قيمته بين 800 مليون إلى مليار دولار سنويا.

ومع اغلاق الأنفاق بعد الأحداث الجارية بمصر فكان من الطبيعي ان تنفد مخازن التجار من السلع والتي سيحصلوا مقابلها على النقود وغالبا ونتيجة للاغلاق فتكونت لديهم ملايين الدولارات وكون غزة استهلاكية وبسبب التقلبات في الاسعار وحالة الركود بقطاع غزة والتي القت بظلالها على اسعار الاراضي والعقارات والتي تراجعت اسعارها بشكل محدود بعد سنوات من غسل الاموال القذرة بها نتيجة لعمليات التهريب والتي ارهقت اهالي القطاع طيلة فترة الأنفاق, فكان من الطبيعي ان يتم ايداع تلك الدولارات بالبنوك كملاذا اكثر امنا ولارتفاع سعر الفائدة عليها اكثر من الشيقل حيث وصلت الى ((0.46% نهاية ((2012 بعدما وصلت الى 3.02%)) نهاية (2007) ولذا يمكن القول بان حجم المعروض من الدولار قد ارتفع في البنوك بغزة وزاد الفائض لذى البنوك والتي لم تسطيع التخلص منها وكان السياسة المتبعة هو منع استقبال وديعة بالدولار لاسباب منها تكدس الدولار في البنوك والناتجة عن اغلاق الانفاق وعمليات البيع المستمرة للاصول التي تم غسلها خلال سنوات الانفاق الستة, والتوقعات السلبية والمتعلقة بتقلبات سعر صرفه وخصوصا مع اندلاع الازمة الاقتصادية والتي ما زالت تأرق الدول المتقدمة ( دول اقتصاد الازمة ) والتي تنذر بأزمة اكثر شدة من ازمتي الكساد العظيم ((1929 وازمة المالية العالمية ((2008 حيث ما زال العالم يعاني من الدولار وينخفض ثقته بها والاتجاه نحو ملاذات اكثرامنا.

وكذلك وبسبب اعتماد بنوك غزة على فائدة على الدولار تزيد عن الشيقل فمن الطبيعي ولعقلية وفلسفة البنك ان يرفض او ان يضع شروط كان يقوم بتقديم دولار بدلا من الشيقل او الدينار

كل ذلك يضع المصارف امام سؤال كبير ما هي الفائدة الحقيقة للاقتصاد الغزي من عملها وهل اصبحت فقط تبحث عن الربح وهل اقتصر دورها فقط على تقديم تسهيلات ائتمانية وقبول ودائع دون استثمارها في انشطة حقيقية يفتقر لها الاقتصاد الغزي, فأصبحت كالبطة العرجاء وبعين واحدة .

ودور سلطة النقد وعالرغم من المهنية العالية التي يتسم بها الا انه ما زال يفتقر للسياسات النقدية لذى فلا نجد له تدخلا مناسبا وعالعكس يغض النظر عن هروب تلك الاموال للخارج .

أما إسرائيليا و فيما يتعلق بسعر صرف الدولار مقابل الشيقل وبسبب اتباع البنك المركزي الاسرائيلي لسياسة سعر الصرف المدار والذي يضع حدود دنيا وعليا لسعر صرف الشيقل مقابل الدولار وبسبب شراء البنك المركزي الاسرائيلي للدولارات بشكل دوري للحفاظ على الاحتياطي من الدولار فهذا سينسحب على ارتفاع قيمة الشيقل وبالتالي تصبح الصادرات الاسرائيلة ارخص من قبل وتكون محفرا للدول الخارجية مما يؤدي الى ارتفاع حجم الصادرات تحسن في الميزان التجاري الاسرائيلي الذي حقق فائضا عام 2009) )رغم دخول العالم بازمة الركود الاقتصادي ومنذ ذلك الحين والبنك المركزي يضع سياسات تحافظ على مستويات معينة من الصادرات وهي محرك مهم لنمو الناتح المحلي الاسرائيلي وسعر صرف محدد وتتدخل باستمرار .

وهذا الارتفاع في قيمة الدولار مقابل الشيقل يضع الاقتصاد الاسرائيلي محطة اهتماما واسعة للاقتصاديين بالعالم وسيزيد من النمو الاقتصادي مع استمرار حالة الاستقرار الامني وانشغال دول الجوار بالاحتججاات القائمة وكذلك مشاريع السلام الاقتصادي الذي يروج له كيري والذي من المتوقع ان يؤخر الاستحقاقات السياسية لعدة سنوات تستطيع من خلالها اسرائيل من الاستمرار في الاستيطان والسيطرة على الموارد المحلية ونهب ما تبقى من ثروات إضافة لحجم الاكتشافات الجديدة من النفط والغاز على سواحل المتوسط فهذا سيزيد من حجم النمو الاقتصادي الاسرائيلي و بهذه الاكتشافات تنتهي بذلك المقولة القائلة (( اذا أردت أن تبحث عن النقط فاستني إسرائيل لانها لا يوجد بها سوى العقول)).

ومن مكامن قوة الاقتصاد الاسرائيلي واستقرار صرف الشيقل مقابل الدولار هو اعتماد البنك المركزي الاسرائيلي برئاسة ستانلي فيشر سياسة نقدية مغايرة للسياسات النقدية الثقليدية حيث اعتمدت تلك السياسة على تحقيق معدل نمو سنوي معين عبر التناسب بين النمو الحقيقي وبين معدل التضخم بحيث يرتفع الاول عندما ينخفض الثاني والعكس وان يظل معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الاسمي مستقرا .

وهذه السياسة كانت سببا رئيسيا لحالة الاستقرار النسبي لسعر صرف الشيقل مقابل الدولار وكانت سببا لتجنب وتعافي الاقتصاد الاسرائيلي من الازمة الاقتصادية العالمية ((2008 وحال دون ارتفاع القيمة الحقيقية للقروض والديون, ويمكن القول ان تعافي الاقتصاد الاسرائيلي من الازمات الاقتصادية لا يعني بالضرورة قوة ومتانة الاقتصاد الاسرائيلي والذي لا زال يعتمد الى حد كبير على المساعدات الخارجية التي إن توقفت ولو تدهور ت الاوضاع الأمنية فسيؤثر ذلك بالسلب على الاقتصاد الإسرائيلي .