أكذوبة "يسار صهيوني"

بقلم: علي بدوان

تبدو الحالة الداخلية لحزب العمل "الإسرائيلي" والأحزاب والقوى المحسوبة على ما يسمى بأحزاب "اليسار الصهيوني" ككل ومنذ سنوات طويلة أكثر تعقيداً من حال حزب الليكود وأحزاب اليمين، نتيجة وصولها إلى شفير الهاوية والإفلاس الداخلي في الوسط اليهودي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فضلاً عن سقوط مصداقيتها عند الجمهور الليبرالي الصهيوني بعد سلسلة الهزائم التي لحقت بتلك الأحزاب، وحالة التخبط التي عاشتها وتعيشها، وخصوصاً مع الانتكاسات التي أصابت عملية التسوية ذاتها على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية مع الدولة العبرية الصهيونية. فقد باتت في حقيقة الأمر قوى متراجعة في حضورها داخل الوسط اليهودي في "إسرائيل" وداخل أوساط المستوطنين في مستعمرات القدس والضفة الغربية، حيث تمايلت قطاعات منها جيئة وذهاباً مع تمايل السياسات والانتقالات بين وداخل صفوف الأحزاب ذاتها، وتفاقمت أزماتها مع انسداد أفق التسوية على المسار التفاوضي الفلسطيني/"الإسرائيلي".

ويمكن للمراقب تتبع العواصف الداخلية التي ضربت مؤسسات وهيئات حزب العمل "الإسرائيلي"، وهي عواصف لم تنقطع طيلة السنوات الماضية، داخل أقدم حزب "إسرائيلي" يُقدم نفسه باعتباره الحزب الأساسي لقوى "اليسار الصهيوني"، ويتوقع لأزماته أن تأخذ مداها إلى حين من الزمن، حيث يتوقع أن تعود التفاعلات لتتصاعد داخل قيادة الحزب وفي ميدان القاعدة المؤلفة لها والتي يربو عديدها إلى نحو (114) ألف عضو، خاصة وأن التناقضات الطبقية أولاً، والتناقضات بين مجموعتي الإشكناز (أمراء الحزب) والسفارديم (دخلاء الحزب) ثانياً بدأت تتشبع داخل الحزب، الذي كان دائماً حزباً للإشكناز (اليهود الغربيين الأوروبيين) وحزباً لإقصاء الشرقيين، فضلاً عن فقدان الحزب للبرنامج السياسي، وصعوبة الوصول إلى تحقيق رسالة برنامجية موحدة له تجاه القضايا والعناوين السياسية المطروحة وتعقيدات التسوية مع الجانب الفلسطيني على ضوء الانقسام الراهن بين تياراته.

في هذا السياق فإن الحال الداخلية لما يسمى باليسار الصهيوني يرثى لها، فالتفكك والتباين بين أطرافه ذات المنابت الفكرية والحزبية المختلفة قائماً بقوة. فمثلاً هناك، تياراً مؤثراً داخل أحزاب "اليسار الصهيوني" يتماهى مع عتاة اليمين الصهيوني، وعبر عن قناعاته بوضوح حين شارك رئيس الوزراء الأسبق أيهود اولمرت في عدوانه الفاشي على قطاع غزة أواخر 2008 وأوائل 2009 حين كشف العدوان في حينها، سياسة النفاق التي دأب على ممارستها "أحزاب اليسار الصهيوني" خصوصاً منها الحزب المسمى بحزب العمل "الإسرائيلي"، كما كشف العدوان الصهيوني في حينها زيف الإدعاءات السلامية التي طالما تشدق بها قادة حزب العمل، وهي الإدعاءات التي طالما خدعت البعض من صناع القرار السياسي في المنظومة السياسية الدولية، بينما حقيقة الوقائع على الأرض تشي بشيء آخر.

ومن المنطقي القول بأن تماهى ما يسمى بأحزاب "اليسار الصهيوني" لا يعني البتة بأن التجمع الإستيطاني اليهودي على أرض فلسطين التاريخية عبارة عن كتلة هامدة جامدة، لا تخضع لعملية التغيير ولو البطء مع الزمن. فالتجمع اليهودي الاستيطاني داخل حدود الكيان الاسرائيلي في فلسطين المحتلة عام 1948، وداخل المستعمرات المقامة فوق الأرض المحتلة

عام 1967، يخضع بالضرورة لعوامل التغيير ومنطق جدلية الواقع في صيرورته، وللحراك اليومي في ظل تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط، واكتظاظ روافع الدفع والإحجام في التفاصيل اليومية، وتالياً يمكن تفسير انطلاق أصوات ودعوات البعض القليل من أطياف "اليسار الصهيوني" وانبعاثها من داخل الخارطة السياسية "الإسرائيلية"، وتبنيها لحركات "السلام والاحتجاج" في "إسرائيل" والتي يعلو صوتها من حين لآخر، رغم أنها ما زالت إلى الآن فاقدة للرؤيا البعيدة، وتبقى فاقدة لمصداقيتها ما لم تتبن موقفاً واضحاً يلتزم بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ويلتزم بمبدأ إنهاء الاحتلال. فالخلاف والتنازع بين القوى والحركات السياسية المنضوية تحت أعمدة الفكرة الصهيونية ومنها أحزاب "اليسار الصهيوني" لا يتعلق بالأهداف العليا، وإنما بوسائل اجتراح الأهداف وترتيب الأولويات على مراحل تاريخية وأساليب مخاطبة الآخرين وحدود بناء التحالفات معهم.

وعلى هذا، فإن التحولات التي جرت وتجري في المنطقة منذ بدء عملية التسوية عام 1991 والتي تركت آثارها داخل المجتمع "الإسرائيلي" وتحديداً داخل التجمع اليهودي، أدت إلى تغيير متواصل في ترتيب نسق الاصطفافات والإئتلافات الحزبية "الإسرائيلية" أكثر من مرة على امتداد العقدين الماضيين، لكنها لم تصب الجوهري فيها.

وبالإجمال، لا يمكن التعويل على دور نافذ أو مؤثر لما يسمى "قوى اليسار الإسرائيلي" تجاه القيام بأي دور إيجابي على صعيد إعادة النظر بصيغة العملية السياسية التسووية على المسار الفلسطيني/"الإسرائيلي". فالتباينات كبيرة بين صفوفه وبين أفراده تجاه قضايا التسوية ومستقبل الحل مع الطرف الفلسطيني، فبعض هذا اليسار يرفض عودة القدس الشرقية للسيادة العربية الفلسطينية، ويرفض بالمطلق حق اللاجئين بالعودة.

وخلاصة القول إن ما يسمى باليسار الإسرائيلي ينظر إلى قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرار 242 باعتباره أساسا للتفاوض وليس قرارا للتنفيذ. وإن الكيان الفلسطيني العتيد ينبغي أن يولد وفق مواصفات "إسرائيلية". ومن هنا، إن الدور المستقبلي لما يسمى بـ "اليسار الإسرائيلي" بشقيه المكون من أحزاب اليسار الصهيوني والأحزاب المختلطة والعربية بالنسبة لقضايا وعناوين التسوية مع الطرف الفلسطيني، وإمكانية الدفع نحو التماثل مع الشرعية الدولية يتوقف على عدة عوامل تحتاج لشرح مستفيض.

 

تاريخ الخميس  7/11/2013

صحيفة الوطن العمانية

بقلم علي بدوان