ملف فى الذكرى التاسعة لاستشهاد الزعيم الخالد

ملف فى الذكرى التاسعة لاستشهاد الزعيم الخالد

عرفات الياسر

الافتتاحية

الياسر الفلسطيني

الثابت على الثابت

مراد السوداني

ذكراك الكاوية لافحة كبروق خضراء.. وأنت الباقي والحاضر بكامل إشعاعك الغامر.. لتمنح الوقت معناه، وتحوّل المكان إلى مكانة تنفتح على العناد البليغ والصمود الفذّ وشرارة التحدي العارم..

يا أبا عمّار .. غادرت هذه الفلسطين وتركت إرثاً من البطولات والفداء تعاظم حتى طفح بحر العطاء، وغمرنا الفعل حتى صرت أيقونة في كل بيت وطلقة بين الثائرين، وقلماً بيد شاعر، وحكاية على شفاه الجدّات وموالاً على بيادر القمح السماوي، ونشيداً يردّده الصغار وهم يعبرون أقواس النار.

ظلّ أبو عمار ثابتاً على الثابت.. لم تنل منه المنافي الناهبة.. عبر طرقاً موحشة، احتمل التقوّلات واصطبر على الظلم والظلموت، وعبر بقلب مضيء إلى هذه الفلسطين، أخذ من ممكنات السياسة ما يؤسّس لحلم الدولة.. فأرسى مفاهيم التأسيس، على الرغم من آلة الموت والدمار التي وزّعها النقيض الاحتلال على جسد البلاد وروحها.

وظلّ قريباً من الجماهير، ينحاز لقولتهم ووجدانهم الهادر.. ويشحذ هممهم بندائه الواثق:" ع القدس راايحين شهداء بالملايين". حتى صارت ثيمة السيرة والمسيرة في إشارة إلى القدس ، أول الحلم ومنتهاه...

وعندما أحكمت أطواق الحصار أنيابها الحديدية المسمومة على " المقاطعة" وشرعت في التهديم، أثبت الشهيد ياسر عرفات، قدرة استثنائية على المواجهة، حدث كل ذلك أمام عيني العدالة العربية والعالمية النائمة.. والتي تركت فارس المقاطعة ومن معه يواجهون قدرهم في الدفاع عن سقف الأمة العربية.. ويسطّرون في كتاب المواجهة والتحدي فضاءً يليق بالكبار والثائرين الذين يحفرون اسمهم واسم بلادهم على شجر الشمس.

أشعل شمعة الصبر وامتشق بندقيته التي التقتطها كاميرات الصحافة في تأكيد لا يقبل الالتباس، إصراره على الشهادة، في إعلان اشتباك مع هذا العدو الذي حاصره ياسر عرفات وجمهرة المقاتلين معه بثبات مكين أدهش العالم وكشف القناع عن أوجه القتلة العابرين.

تحوّلت " المقاطعة" إلى قنطرة نزال وقلعة مواجهة استدرجت الوعي الكوني إلى أتونها .. وأجبر الجميع على الالتفات إلى أسطورة الجبارين في أرض كنعان سليلي عوج بن عناق.

هذا هو ياسر عرفات الذي تمسك بالمقاومة حتى اللحظة الأخيرة ورفض الاشتراطات الشوهاء ومشارط التهديد الذابحة، وأعلى سياق المنازلة كلمّا هبّت رياح العصف الكيّادة، واشتدّ لفحها.

في صموده الأسطوري الدرس الأتم والأعلى.. ثبّت الشهيد ياسر عرفات الثبات وشماً أبدياً في معركة التحرير، رافضاً الانكسار والسقوط في لحظة السقوط والتردي.. هذا هو دور البطل التاريخي، فهو صائد للحظة التي يوقف الزمن عندها كجوهر أنقى بحجم الكون واتساع الحلم، لحظة يتكثّف من خلالها مفهوم البطولة ويشعّ عالياً.

وياسر عرفات في رحيله يشبه أبطال الإغريق المحمولين على التراجيديا، توّدعهم البلاد بالغار والأقحوان وأغصان الزيتون فيتوهجون على ماء الحلم والحق والحقيقة..

طوبى لياسر عرفات الاسم الحركي لبلادنا

وطوبى لبلادنا التي حملت شهيدها إلى أربعة رياح الأرض ليظلّ قوس النار مشدوداً.. ونظل ثابتين على الثابت حتى التحرير الناجز لهذه الفلسطين المعاندة من الماء إلى الماء... حتى انتصار وصايا الشهيد.

مراد السوداني

****

صوت فلسطين

علي شكشك

ضجيج كبير وفضائيات ومكوك وطائرات، منظمات دولية، قوى كثيرة ومناورات، مؤتمرات ومباحثات ومبادلة زيارات، ماراثونات انتخابية وسباقات تسلح وسباقات هيمنة على آذان الخلق والوثائق والمرجعيات، رهانات على صورة العالم القادمة وخلقه على هوى القوى المتحكمة بأدوات البطش ووسائل الدمار وفنارات حشو الآذان بالكلام، ضجيج كبير،

لعلهم يقصدون إعادة خلقٍ جديد للإنسان، له خارطة جينية مختلفة يفصّلونها على هواهم ويصوغون ضميراً مختلفاً له وفق غرائزهم، فقد يكون ممكناً حينها ابتداع أحاسيس مغايرة للإنسان وردات فعلٍ مخالفة تجعل التعاطف واختلاج الضمير يميل للظالم بدلاً من نظام الإنسان المعروف حتى الآن والذي ينحاز بفطرته للمظلوم،

وبانتظار ذلك الإنجاز فإنهم سيقومون بدور الضحية، وسيحتكرونه، وسيبذلون كلَّ ما يستطيعون لتزوير الصورة، سيستخدمون كلَّ ما سبق ذكره من ضجيج وإعلام وأموال لتحويل الضحية إلى جلاد، وسيبذلون جهدأً أكبر لتقمص دور الضحية، سيخلقون صورةً مغايرة، وسيستميتون في إسكات صوت الضحية وإخراس صوت تاريخها، سينقلون معركة الإبادة إلى بعد زماني، وبعدٍ تراثيّ، وبعدٍ وثائقي، وسيخنقون فكرة الفلسطيني أو يحاولون، وسيكون ميدان المعركة النهائي هو وعي البشرية وخزانة عقلها ووجدان الإنسان،

سيكون صوتهم مشوباً بالضجيج والطائرات والمناورات والمحايلات والتهديد والوعيد والدمار والقنابل النووية والجرافات والفيتو في مجلس الأمن والحصار والمستوطنات وتغيير المعالم والضغوطات والمساومات والسجون والمعتقلات، وهي ذات الوسائل التي لا تزيد على أن توقظ الوعي وتراكم الذاكرة وتصقل الوجدان وتجلو الضمير،

من هنا حيوية أن يكون "صوتُ فلسطين"، الذي سيتسلح فقط ببساطة الحق وأنين الجرح ونبش الوعي وبراءة الوجدان، ذلك أن كل ضجيج القوة لن يستطبع أن يطال الضمير، بينما ليست فلسطين إلا هذا الضمير وليس صوتها إلا صوت هذا الضمير.

عرفات الغائب الحاضر

تسعة أعوام مرت على رحيل الزعيم الخالد ياسر عرفات بعد رحلة عطاء ثوري وسياسي متواصل ونضال عظيم، وكفاح كبير تركت بصماتها فى التاريخ المعاصر، وتسجلها مراكز الدراسات والأبحاث العالمية.

لقد تمكن عرفات أن يحفر فى التاريخ الحديث صفحات مشعه بعد أن قاد أطول ثورة عرفها التاريخ المعاصر؛ زاوج خلالها بين الفكر السياسي والثوري، مشكلاً بذلك الرقم الصعب في المعادلة السياسية العربية والإقليمية والدولية، ولا يختلف كثيرون على أنه شكل معادلة صعبة وضعت القضية الفلسطينية على سلم أولويات الاهتمام الإقليمي والدولي؛ مع حفاظه على الثوابت والحقوق والهوية الفلسطينية في ظل متغيرات سياسية ألمت بالمنطقة العربية.

إن الأحداث التي ألمت بالمنطقة العربية أدخلت القضية الفلسطينية في متاهات الخلافات العربية وأوصلتها إلى طريق مسدود أرغمه المشاركة في عملية السلام، فتمكن من ابتكار نوع من التماهي بين شخصية المناضل والسياسي المحنك، مع تصلب في المواقف كلما تعلق الأمر بالثوابت.

لا يختلف أحد على أن عرفات كان يمثل تجسيداً واقعياً لحلم الدولة الفلسطينية، لقد تمكن من مواجهة كل الصعاب، وانتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة تأسيس الدولة، لينشئ أول سلطة فلسطينية في التاريخ؛ بما جعله لاعباً سياسياً من طرازٍ رفيع في السياسة الشرق أوسطية والعالمية؛ ودفع الكثير من السياسيين لوصفه على أنه أحد أبرز الساسة العظام في العالم خلال القرن العشرين.

إن أهمية ذكرى عرفات، لا تشكل فحسب تقديساً للماضي؛ ولكنها تشكل تجربة يمكن الاستفادة منها لاستشراف المستقبل؛ اضافةَ إلى أن الشعب الفلسطيني يحتاج في هذه اللحظات الحرجة لإستلهام ذكرى عرفات من أجل ضمان حاضره ومستقبله؛ في سياق ما تشهده القضية من مخاطر جما؛ ومن انقسام عميق وخيبة أمل متكررة؛ في هذا السياق ينبغي إعادة صياغة الاستراتيجية للمحافظة على القضية الفلسطينية؛ بوصفها قضية وطنية تحررية لا تطغى عليها أي أولويات أخرى؛ وفي ذكرى عرفات وجب علينا أن نحذر من محاولة حرف مضمون القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني إلى أية مسارات أخرى مهما كانت وتحت أي مسميات.

لقد غاب عرفات جسداً لكنه باقياً حلماً ومنهجاً سياسياً ونظرية ثورية وتاريخاً من النضال والكفاح الطويل يهتدي ويسترشد به كافة شعوب العالم، ولا شك أن المؤرخين للصراع العربي الإسرائيلي، سوف يجدون أنفسهم دائماً مضطرين لتقسيم هذا الصراع إلى مرحلتين أساسيتين هما، ما قبل وما بعد رحيل عرفات.

في هذه الذكرى لا بدنا لنا أن نستذكر مواقف الجزائر الثابته والداعمه للقضية الفلسطينية ؛ وتقديمها المساعدة والعون لفلسطين على مدار السنوات؛ سواء كان ذلك في شقه السياسي أو المالي أو التكويني لبناء القدرات والكفاءات وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية.

لقد احتضنت الجزائر القضية الفلسطينية فى أصعب مراحل عمرها؛ فهي أول بلد عربي استجاب لنداء حركة فتح قبل انطلاقتها وافتتح مكتباً تمثيلياً لها باسم مكتب فلسطين عام 1964، ثم افتتح ممثلية ل م.ت.ف في  عام 1965. كما احتضنت القضية الفلسطينية وعقد كافة مجالسها الوطنية؛ وتحملت الجزائر مسؤولية جبهة الصمود والتصدي. وأنشأت إذاعة فلسطين ( صوت فلسطين ) عام 1970؛ الى جانب ذلك عملت على شحن الرأي العام الدولي للقضية خلال المؤتمر الرابع لحركة عدم الانحياز سنة 1973؛ والذي قال فيه الرئيس الراحل بومدين " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ". كما ورتب الجزائر زيارة الرئيس عرفات للأمم المتحدة عام 1974. وشاركت الجزائر مشاركة فعلية في الحروب العربية الاسرائيلية (1967/1973). اضافة لاحتضانها العديد من اللقاءات والمؤتمرات الخاصة بالقضية الفلسطينية 1983ـ1987ـ 8198. واحتضنت اعلان الدولة الفلسطينية عام 1988 فكانت أول دول تعترف بدوبة فلسطسن. وما زالت مواقفها ثابته تجاه القضية الفلسطينية سواء من حيث التزامها المالي تجاه السلطة الفلسطينية من أجل بناء مؤسسات الدولة، أو التزامها السياسي  ويؤشر موقفها الأخير ومساندتها لانضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو خير دلبل على ذلك.

إن الشعب الفلسطيني يشعر بالامتنان والاخلاص لدور الجزائر التاريخي في تقديم المساعدة والعون لفلسطين شعباً وثورة تحرر وسلطة وطنية، ونستغل هذه الذكرى لنعبر باسم فلسطين حكومةً وشعباً عن عميق امتناننا وشكرنا للجزائر الشقيقة حكومة وشعباً.

******

 

 

تسعة أعوام حسوما !

عزالدين خالد

اللجنة الإعلامية لإحياء ذكرى الشهيد القائد ياسر عرفات

قبل تسعة أعوام حسوما، رحل الزعيم ياسر عرفات، دون أن يغيب تأثيره في السياسة والحياة الفلسطينية، بخطها البياني المتعرج حتى الآن. وكيف يغيب؛ وقد كان أبو عمار الاسم الثاني لفلسطين، أو المعادل الموضوعي لها.

لقد كان هو أيضا، ذات العلامة الفارقة في التاريخ الفلسطيني الحديث، بوصفه نقطة الارتكاز التي اتكأت عليها الثورة الفلسطينية، في التشكل والانطلاق والعبور نحو استعادة الحق الفلسطيني المغتصب، بعد أن أتاه الاعتراف الدولي، طوعا وكرها.

لقد استطاع ياسر عرفات أن يخلق القواسم المشتركة، بين الشعب الفلسطيني الواقع تحت أسوأ احتلال الغائي تشهده البشرية المتجددة، وبين الشعوب المضطهدة الأخرى، التي تكافح من أجل حريتها وكرامتها واستقلالها في أنحاء العالم، لتتجلى عبقرية ياسر عرفات في نطاقها اللانهائي، حينما شملت قدرة منه مركبة، على استجلاب تأييد كافة القوى الوطنية المناضلة في العالم، سيما في القارة الإفريقية، رغم كل أنواع التناقضات.

فكأن ياسر عرفات أراد من البشرية أن تتحد على معنى واحد، وهو العدالة في مواجهة الظلم، والحرية في مواجهة الاستعباد، والكرامة في مواجهة الذل، والمشاركة في مواجهة الإقصاء .. الشيء الذي أعطى القضية الفلسطينية الزخم التضامني العالمي، في الحصول على دعم نضال وكفاح الشعب الفلسطيني، في مجابهة العنصرية الإسرائيلية القبيحة، التي تحلها القوة ولا تحرمها الغطرسة.

بقراءة واحدة، ونظرة سريعة، فإن نقطة قوة ياسر عرفات تتأبد في الحقيقة، أنه ظهر في الوقت الذي كانت فيه معظم الدول الاستعمارية تنهي احتلالاتها، للدول التي كانت تقع تحت الاحتلال، ليتسلم أبو عمار دوره التاريخي حينها، في إحدى فرص صناعة واختبار القيادات النادرة.

حينذاك كانت إسرائيل وحدها، تبدأ احتلالها لفلسطين، في رفض صريح من الأخيرة لطبيعة التطور التاريخي الإنساني، وانقلاب منها على منطق الحياة في القرن العشرين، والحادي والعشرين، وليس كله .. وما ذلك على أمة تتوحد بالشيء المستحيل !

*****

الشهيد الحى

شاهداً على دور الفرد في التاريخ, فقد كان يحمله ويكاد يدير دفته, يتحسس آلياته, كأنَّ التاريخ يسكنه بينما هو يسكن فقط في ضمير شعبه, ويحمله مع منافيه وطناً متحركاً وسكناً لهم أينما سكن, تلاحقه الأبصار أينما ولّى وجهه, في حصاراته التي لا تنتهي وتحليقه الذي لا ينثني, أجنحةً ونبضَ قلبٍ ووعداً متحرراً من قيود تقسيمات الزمان, فقد تحقق الوعد غداً في إشراقة الإيمان بثقة الوصول إلى ما ليس منه بدّ, فكيف للطارئين على النهار أن ينتصروا على من يملك التاريخ ويعزفه على أوتار شعبه لحن انتصار, رغم نشازاتٍ عابرةٍ ما زالت تشوش التاريخ وتفسد ألعاب الأطفال في طريقهم إلى روضاتهم الأولى وحليبهم الأول, بضعة جدارٍ عازل ومستوطنين وكهنةٍ يشرعون قتلهم بسلام, وحفنة قنابل نووية, ومدنٍ أقاموها على دفاتر مدارسهم, وأسماء استهجنوها للثغات ألسنة الطفولة, بينما هو ببساطةٍ ينبتُ معهم عشباً في سفح الكرمل, ويتجولُ في رائحة القرى القديمة والحواري العتيقة, ويهطل مع حبات المطر, ويتكاثف على أوراق الزيتون ندى, فمن ذا الذي يملك أن يمنع الندى والعشب من طقوس الصلاة, وأشبال العصافير أن تشرع أعلامها في الجليل, مثلهم زاهداً في رصانة التحاليل, ومثلهم واثقاً بالبراءة وأن صرخة الولادة أقدس من تصميم الأساطيل, وأنّ زهرةً من بينهم سترفعُ النشيد, ومثلهم يمشي على الصليب, ومثلهم يولدُ دوماً من جديد, ومثلهم ومثلهم,  كأنّ حبلاً ما يشدُّهم إلى ما وراء الوعيِ أو ما قبل برزخ الولادة, كانوا يرون ما لا يُرى, ولِذا فإنه ما زال واقفاً هناك يشير مثلهم إلى كلِّ الرواية, يقول مثلهم: "يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنّا لصادقون.

اللجنة الإعلامية لحركة فتح في الجزائر

*****

****

الغائب الحاضر فينا عرفات

 

يوسف الأستاذ

أمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين

سنوات قليلة مرت على رحيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات لكنها حملت في طياتها من أيام عجاف ما لم تحمله عقود من الزمن، لم نكن ندرك أن فراقه قد يترك فينا كل هذا الوجع لكنها إرادة الله وتداول الأيام.

لقد ترك عرفات فراغا شاسعا فهو لم يكن مجرد رئيس لسلطة وإنما تخطاها لمرحلة الرمزية التي لا يحظى بها سوى نفر قليل خلال قرن من الزمن، فقد كان بمثابة قائد وأب قد يختلف معه البعض حول بعض السياسيات ، لكن بالضرورة لا خلاف حوله.

اليوم بات الشعب الفلسطيني أكثر قدرة على التمييز بعد استكشافه لطبيعة التغيرات التي حملتها كل مرحلة، وقدرة وحنكة هذا القائد أو ذاك في جمع الناس حوله، والترفع عن صغائر الأمور، وتغليب العام على الخاص، والأوسع على الأضيق.

بعد مرور تسع سنوات على رحيل عرفات لم يعد مقبولا حالة الغموض التي تكتنف ظروف وملابسات استشهاده، وبات من الضرورة الملحة البحث والتنقيب وكشف التفاصيل، التي ينتظرها الشعب الفلسطيني على أحر من الجمر، فقناعة الفلسطينيين راسخة بأن عرفات لم يمت ميتة طبيعية، وأن أصابع الاتهام تتجه نحو المستفيد الأبرز (إسرائيل)، التي هددت وأعلنت مرارا عن نيتها التخلص من ذاك الرجل، بعد أن فشلت رهاناتهم في أن يقدم تنازلا واحدا عن ثوابت شعبه التي خطت بالدم.

تأتي الذكرى هذا العام ومازال الشعب الفلسطيني يعاني ويلات الانقسام البغيض الذي ألقى بظله الثقيل على كل مناحي حياتهم، ولم تعد تشفيه كل وصفات المصالحة التي اجتهد الأشقاء في صياغتها، وبينما تستمر هذه الحقبة الاستثنائية من تاريخ الشعب الفلسطيني تبرز حالة من الترهل التي أصابت الحالة الفلسطينية بمجملها، وترسخت حالة التعاطي اليومي كردود أفعال على القضايا والإشكالات الطارئة، بعيداً عن الرؤية الوطنية والنضالية الواضحة التي ترسم معالم المبادرة الفلسطينية على مختلف الصعد.

وبين هذا الكم الهائل من الإشكاليات التي تغلق الأفق، يأمل الفلسطينيون أن تكون ذكرى رحيل عرفات مدعاة للوحدة ورص الصفوف على المستوى الوطني العام والمتمثل في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى أن يستقيم حال الحركة الفلسطينية الرائدة والعمود الفقري للمشروع الوطني الفلسطيني، ألا وهي حركة فتح.

إن الوفاء لذكرى عرفات يتمثل في استعادة الهيبة والكرامة لفتح من خلال تغليب المصلحة العامة وتقديمها على كل المصالح والحسابات الصغيرة، وأن تعود وتضطلع بدور وطني فاعل يتناسب مع قوتها وتاريخها العريق.

 

*****

تأخر حزني عليه قليلاً

بقلم الشاعر الشهيد محمود درويش

 

تأخر حزني عليه قليلاً، لأني كغيري توقعت من سيد النجاة أن يعود إلينا هذه المرة أيضاً ببداية جديدة، لكن الزمن الجديد أقوى من شاعرية الأسطورة ومن سحر العنقاء. وللتأبين طقس دائم، يبدأ باستعمال فعل الماضي الناقص. كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة، إلى واقع تأسيسها المتعثر. لكن للأبطال التراجيديين قدراً يشاكسهم، ويتربص بخطوتهم الأخيرة نحو باب الوصول، ليحرمهم من الاحتفال بالنهاية السعيدة بعمر من الشقاء والتضحية، لأن الزارع في الحقول الوعرة لا يكون دائماً هو الحاصد. يعزينا في هذا المقام أن أفعال هذا القائد الخالد، الذي بلغ حد التماهي التام بين الشخصي والعام، قد أوصلت الرحلة الفلسطينية الدامية إلى أشد ساعات الليل حلكة، وهي الساعة التي تسبق الفجر، فجر الاستقلال المر، مهما تلكأ هذا الفجر، ومهما أقيمت أمامه أسوار الظلاميين العالية.

ويعزينا أيضاً أن بطل هذه الرحلة الطويلة، الذي ولد على هذه الأرض الشامخة، قد عاد إليها ليضع حجر الأساس للمستقبل، وليجد فيها راحته الأبدية، لتغتني أرض المزارات بمزار جديد.

الرموز أيضاً تتخاصم، كما يتخاصم التاريخ مع الخرافة، والواقع مع الأسطورة. لذلك كان ياسر عرفات، الواقعي إلى أقصى الحدود، في حاجة أحياناً إلى تطعيم خطابه بقليل من البعد الغيبي، لأن الآخرين أضافوا إلى الصراع على الحاضر صراعاً على الماضي، بمحو الحدود بين ما هو تاريخي وما هو خرافي، ولتجريد الفلسطيني من شرعية وجوده الوطني على هذه الأرض. لكن البحث عن الحاضر هو شغل الناس وشاغلهم، وهو ميدان عمل السياسة، وعمل القائد المتطلع إلى الغد.

أعاد ترميم الحكاية والرحلة، نجا من غارة على غرفة النوم في تونس، ونجا مرةً أخرى من سقوط طائرته في الصحراء الليبية، ونجا من آثار حرب الخليج الأولى، ونجا من صورة الإرهابي واستبدلها بصورة الحائز على جائزة نوبل للسلام، وحقق نبوءته التي سكنته طيلة العمر، عاد إلى أرض فلسطين، عاد إلى أرض ميعاده.

لو كانت تلك هي النهاية لانقلبت التراجيديا الإغريقية على شروطها. لكن شارون، العائد من ضواحي بيروت نادماً على ما لم يفعل، سيلاحق خصمه الكبير في رام الله، سيحاصره ثلاث سنوات، سيحول مقره أطلالاً، وسيسمم حياته بالحصار والعزلة، وسيحرمه من الموت كما يشتهي شهيداً في مقره. فإن شارون لا يحارب الشخص ولا يحارب نصه الوطني فحسب، بل يحارب إشعاع الرمز في الزمن، ويحارب أثر الأسطورة في ذاكرة الجماعة.

لكن ياسر عرفات، الذي يعي بعمق ما أعد لنفسه من مكانة في تاريخ العالم المعاصر، أشرف بنفسه على توفير وجع ضروري للفصل الأخير من أسطورته الحية، فطار إلى المنفى ليلقي عليه تحية وداع أسلم معها روحه. فالبطل التراجيدي لا يموت إلا في المنفى.

وفي طريق عودته المجازية، عرّج ذو الهوى المصري على مصر ليسدد لها دينه العاطفي. وعند عودته النهائية، التي لا منفى بعدها، ألقى النظرة الطويلة الأخيرة على الساحل الفلسطيني المغروز كسيف في خاصرة البحر، ثم نام، تدثر الجسد الخفيف بأرض الحلم الثقيل ونام، لا لينهض كصنم أو أيقونة، بل فكرةً حيةً تحرضنا على عبادة الوطن والحرية، وعلى الإصرار على ولادة الفجر بأيد شجاعة وذكية

****

جبل المحامل

عبد الكاظم العبودي

       عندما جسد الفنان التشكيلي الفلسطيني الكبير إسماعيل شموط، معاناة شعبنا الفلسطيني كانت لوحته "جمل المحامل" رؤية ثاقبة لشعب لم يحنِ ظهره إلا خشوعا لله الذي كرمه ببيت المقدس، أوحين ينحني وهو ينقل فوق ظهره تراب أرضه بمقدسها وأشجار زيتونها وجبالها مخلدة بأسماء فاكهة الجنة التي وردت في القرآن الكريم.

 ومهما طالت المسافات، وامتد زمن الشتات، فإن مسيرة جمل المحامل ستبقى في سِفر الخلود، تسجل في لوح الذاكرة الإنسانية أنها أكبر مسيرة مشاها شعب إلى مبتغاه، وفي حزامه علق مفاتيح بيته المقدسي.

والزمن مجبر أبدا على التوقف في رحاب القدس ومن حوله جبل المحامل منتظرا بكوفيته وعقاله وبلاغة وعده، ليقول لنا لم نرحل ولكن كنا نتريث بكم تحت ظلال جبل المحامل علها تحميكم من وهج الجحيم الصهيوني. ومهما طالت المسافات، وارتفعت جُدُر الفصل الهشة، فإنها لن تعزل المشهد القادم في راية أبي عمار ولن تعمي الرؤية من الأقاصي البعيدة لمشهد الوصول إلى حيث الأرض والإنسان والحضارة.

في عزم صاحب جبل المحامل نلوذ به، كلما حاصرتنا ريح صرصر عاتية، لنسمع منه سيمفونية الصبر" يا جبل ما يهزك ريح". هكذا  ظل صاحبه، رغم أثقال المسار وطوله برسم الخطى للعودة ويبلغنا يوما  في ساعة الصفر لحظة التسلق الحقيقية لنبلغ معه ذروة مجده على خطو براقنا الفلسطيني.

صاحب جبل المحامل آثر ان يكون ضريحه عند كل مقاطعة يتداول أصحابها تسيير المعركة عند سفوح الجبل أو فوق ذراه. عينه شاخصة نحونا، يتنفس بنا ويعيش أمله طالما أنه لم يختر من كل الأرض الكونية إلا مراحَهُ وحلمه ليرى سهولها ومنخفضاتها، وهو يعرف أن قمة جبل المحامل تضحك للشمس ساخرة من ألعاب الأقزام على سفحه.

 ورغم أنه كان يعرف أن أخفض نقطة على كوكبنا تغوص هناك بأرض البحر الميت، وهي تلفظ من أراد الوصول إليها غازيا, أبو عمار يعرف أن جبله يتوج الأرض كلها، وينزع تيجان الملوك والأباطرة. وهو يضع مرصده الوطني في أعلى نقطة هي ذروة أماني شعبنا، منذ لحظة ميلاد الفتح الحقيقي عندما استوزر مفتاح نصره في ليلة من ليالي معركة الكرامة، في ليلة فتح وعاصفة مُبينة، في وعد بالنصر يأتي من أعماق غور الأردن، ليس بعيدا عن البحر الميت، ومن بحر فلسطين المتلاطم، شرق المتوسط.

لو كان لي من حق المؤرخ أو الشاعر أو الباحث المستقبلي في قضية كفاح شعب فلسطين لما اخترت الليلة إلا عبارة الأزل لأختزل كل ما كتب عن ياسر عرفات وسيرته وجهاده، فأتذكره الليلة ككل ليالي فلسطين منارة وفنارا للعائدين، عبارة مجسدة في خلود صاحبها نتذكرها كلما اعترانا ضعف وشعرنا بالتردد والخوف من المجهول.

 وإذا كان لشموخ فلسطين وكفاح شعبها وقدسية أرضها من شاهد في غياب أبي عمار فهو جبالها وكرملها والتين والزيتون وطور سنين، وهو سمو ذكرها الخالد في الذكر الحكيم.  لكن علينا ان نعترف بجبل آخر في سورة الصبر الفلسطيني،  كان وسيبقى كالطود الشامخ لكل أحرار الأرض، إنه جبل المحامل، وباني هيكله الخالد، طوبة طوبة, أبو عمار, جمع أحجاره وتربته وتلقفها من أيدي الأطفال، وما تعفّر به التراب على جبهة فدائيي فلسطين.

 أليس هو باني جبل محاملنا في كل غزوة، وفي كل معركة كلما حاصرته الخطوب يقول: نحن لها: "ويا جبل ما يهزك ريح"، عليها تنكسر رياح الحقد والظلم والغزو ولا زال الجبل مبتسما من جاهلية الغزاة،  ومستهزئاً بهم بوجع ووجه أبي عمار.

جبل المحامل هو فلسطين كلها، ظل عصياً على الاقتلاع والاجتثاث والتعرية والترحيل وبناء الحُجُب من وراء جدر القطرية العربية والأممية الصهيونية، زاد من وزن جبل المحامل  عمقه وامتداد جذره إلى مركز الأرض، وتربعه على القطعة التي وضع الإله فيها صخرته المقدسة، حجراَ من نيازك المجرة والسماء، لكي تتزن فوقها كل أثقال الأرض وطبقاتها التكوينية والزلزالية، بها تستقر الأرض ومن فيها ومن حولها، وباهتزازها ترتجف زلازلَ وطوفانا، وتجتاح الكونَ الأعاصير,

 جبل المحامل يحضن رفات حامله، وليس له عنوان في ظهر المقاطعة للسلطات الدنيوية الزائلة، وكأن في رمزيته  وحضوره شيئا لم يكن في خلد أحد. كان مرسوما في ذهن القائد في الليالي الحالكة المُطبِقة على فلسطين وأهلها، حمله فوق ظهره محملا بعبء القضية كصندوق أسراره الأزلي، ليحكيها يوما للأجيال سورة فلسطين, فلربما أراد أن يختفي من المراسيم الشكلية في رواحه ومجيئه كرئيس للمؤقتة لكنه سيحضر مراسيم غلق المحتشد الفلسطيني يوما ويعلن بإيذان الصعود إلى مشهد الحشد الأخير,

 انه لازال يُشكل اللوحة التي يريدها شعبنا، لوحة مغطاة بالزيتون والحمام الذي يظلل في ليلة نوفمبرية ملاذ القائد الكبير واستراحته في الحرب والسلم في رام الله، حتى يُكتب لملائكة النصر حمل نعشه الأخير إلى القدس. ألم يقل عن ذلك ان القدس بالنسبة إليه على مرمى حجر, حجر هو الناطق الرسمي لثورتنا بعد أن تسكت العواصم,

في مساء الزيارات تطوف الأمهات والشهداء والأيتام والأشبال والأطفال "فتح مرت من هنا" وكلنا عاصفة، لغة ونشيدا في موطني موطني,

في ذكراه، انظروا شهابه وحضوره، حين وضع وجهه في محراب الأقصى وغطى الأرض الطيبة وذروة الجبل بكوفيته التي صارت  لنا وللأرض عنوانا.

******

صاحب الصحابة !

بقلم: تامر المصري

حينما كبرنا على كلمات الحقيقة، والكلمات البسيطة، وكل قوائم التمنيات، التي انتزعت فينا الجوارح، لصالح فكرة اسمها الدولة، في محيط وطن؛ ناعمة فيه أحلامنا، ودائمة فيه آلامنا، كاشتراط لا بد منه، استعدادا لخوض تجربة الاستقلال، المنبثقة من رحم الأمل والرجاء دون اتكال .. كان النمو العام للطموح الفلسطيني، يتدرج على خطى سيد السادة، وراعي مشروع الخلاص من براثن الاحتلال، وقاهر قهرنا المزروع في مصائرنا، أينما ولى الفلسطيني وجهة، في شتاته نحو جهات الكون الأربع، تحت ظل كوفية الياسر في صعود المؤمنين خلفه، رجما لكل أنواع الشياطين، ثباتا من علياء عرفات الجبل.

لم يكن ياسر عرفات، في حياته وموته، إلا المعجزة الفلسطينية، التي ثبتت نفسها في غير سياق التشابه، لكل صنوف القادة والثوار، الذين شهدهم التحرر أو شهدوه، ليكون أبو عمار في تاريخنا، البداية المقدسية الاستثناء، والنهاية الكربلائية الاستعصاء، واختصار حكاية الزمن الفلسطيني في أمنية ثائر اعتادت على مداورة الحلم، حتى تعمم وصار مطلبا أمميا، ليخلق التبرير لكل أنواع المحاولة، التي ابتدعها استئناسا من وحي الثورة، عُلوا بالقضية وشأنها، رغم كل محاولات الإغراق التي أنجاه منها وأنجانا صدق السريرة، حينما أيدتها روح المطاولة، في وأدها لليأس، بشق طريق عند ردم أي طريق .. فسلكنا وعبرنا دون أن نبيد.

لقد رسم ياسر عرفات في وجوده، الحالة الجدلية الفلسطينية الدائمة، التي لا ينفك اثنان عن ذكرها، انسجاما أو تباينا، دون أن يهمل الحفاظ على مساحة توافق مع الجميع، باجتذاب الكل إلى القواسم المشتركة، رغم كل الأذى الذي كان فيه مستهدفا. ليبدو عرفات في حياته، القائد المُختَلَف معه، دون أن يختلف عليه، أو يجرؤ على ذلك أحد. وبعد الرحيل، استطاع ياسر عرفات، أن يؤكد فرضية لم نلمسها إلا بعد الغياب، وهي أننا لم نستثمر القائد الذي أدركنا أنه كان ضرورة، أو أننا لم نشعر بقيمة ذلك، حينما كان حيا. وهكذا يبقى أبو عمار أبجدية التمني الفلسطيني المتشكل في حروف اسمه، على خارطة ترقيط كوفيته وحدود عقال رأسه، بما يكفل تجسيد واقع الانعكاس النفسي، المشبع فلسطينيا، عزا وزهوا، خلف هيبة قامته المنتصبة، ليثري بذلك فينا الاعتزاز، إذا ما سألنا السائلون اللاحقون بعد سنين أو عقود، عن زمانية خلقنا، لنجيب فخرا، أننا قد وُلدنا في زمن ياسر عرفات.

لقد خضع شعبنا لترجمات مفصلية في تاريخنا الفلسطيني الحديث، كنا فيها أمام اختبارات قاسية، برسم انحصار الخيارات، في الموت أو الحياة، وتلك هي ثنائية الوجود واللاوجود، فاخترنا الحياة بكل صعابها وعسرها، برؤية عرفاتية خالصة، كان ورفاقه فيها، أول من حدد البوصلة وأوضح الاتجاه، وسلك الدروب، ووضع المقاربة بين ما كان وما سيكون، ففجر الثورة، والثورة بحد ذاتها مبادرة.

كانت مبادرة عرفات وطلائع الريادة القيادية الأولى، للحلم الفلسطيني المزمن على صبرنا ومطاولتنا، تقوم على ركائز كادت أن تُنسى منذ النكبة العربية الكبرى عام 1948م وحتى الانطلاقة، بالاعتماد على إنعاش الهوية الفلسطينية، بعد جمع أشلاء قرارها من جهات عدة، ليمثل ذلك الإنجاز الأكثر دفعا لنا بالثقة الذاتية، تأهبا لرفع أحمال القضية الفلسطينية كلها، ودفع أكلافها الباهظة، وصولا إلى التمثيل الوطني للمجموع الفلسطيني، في الدفاع عما صارت تسميته في عهد أبي عمار وصحبه المبادرين، بالمشروع الوطني الفلسطيني، والحفاظ على استقلالية قراره .. وتلك قصة أخرى، بذلنا من أجلها ما بذلنا.

تسع سنوات على رحيل الشهيد الخالد ياسر عرفات، الذي أسقط رحيله كل عبارات السوء والتجني التي طالته في حياته، حينما رفعه موته على النحو المعلوم، ليثبت أنه حالة الطُهر في التجربة، وحالة الامتثال الأعلى للمبادئ، وحالة الالتزام التفصيلي بالثوابت، وحالة الاقتدار في زمن العجز، وحالة الوفاء في أوقات التخلي والنكران، وحالة الحياة في كل ما يشير إلى الموت، وحالة النهوض من بين الركام، وحالة الحلم والطموح وسط تحريم وتجريم ذلك.

لا جزا الله وجع الفؤاد فينا اليوم خيرا، الذي يأبى التلاشي بالتقادم أو النسيان، سيما إن كان مكرورا على إدامة الذكرى، بما بين أولها وتاليها من أيام، لا ينفصم فيها فلسطيني، عن استذكار المعادل الموضوعي، لاسم بلاده الثاني، الذي بات العالم يميزنا به، استحضارا مع اسم الوطن إذا حضر، إن تبعه اسم ياسر عرفات وصفا واستدراكا وعنوانا، كهوية وطنية أخرى، صارت محط افتخار، سيما مع تأكد واقعة الرحيل، وجمود أبجديات المشهد، وتوسد القضية على مائدة التنازع، بالنهش الإقليمي الذي يفترضنا يتامى، مع توهم وجوب حق البعض في الوصاية. فرحم الله صاحب الصحابة الذي رحل من هذا الدنيا، وقد نسي أن يموت في القلوب، مخلفا وراءه خارطة بلاد أرملة، وأكثر من عشرة ملايين فلسطيني يتيم, فعلى روحك الطاهرة السلام، يا أيها الرمز المترجل في غير أوان. 

*****

برقية عاجلة من شهيد

عبد السلام العطاري

الآن أكتب كلماتي إليكم أيها المحتشدون باسمائنا وبأرواحنا ...بزغرودة على شفتي أم يبللها الدمع الهديل وجنتيها.

 الآن أمسح بقبلتي دمعة طفلتي .. هي آخر الحضور الآن... انظروها خلفكم يا سادة وصفقوا لها؛ فهي تشتهي حضني وتشتهي روحي وكعكة العيد وأرجوحة تخفق في السماء لتلامس روحي الصاعدة هناك، روحي التي تبحث عن غيمة بين سحب عابرة ملوثة بصخب الوعود والكلمات وهدير الخطاب الذي يرتّج به المكان ولا تهتز به قلوب العالم الذي اشاح وجهه عن عيني المرصعتين بنجمتين من سماء تهديني الآن غيمة لأغسل وجه امي ويتوضأ أبي الكفيف من بكائه وأطهرّ جرحي من غدرٍ وخذلان لأعود بينكم أصفق للوطن الممزق بفعل كرسي خشن ومسمار يوجع قلبي...ياسادة لا أحد يعرف وجع الرصاص الآتي من الخلف إلاّ نحن  الشهداء الذين نشرب من جذر كرمِلنا ماء الحياة ومن مرجنا المأسور نأكل حنطة يومنا... لا أحد  يعرف وجع التمزق إلا ّأطفالنا الذين يلهثون خلف نعاس خوفهم ... وخلف سؤال عالق على جذع المساء... أينك أبي... أين فلسطين كلها ... أين ذئب ليلى... أين صوتك والناي... أين الوعد بثوب جديد وحلم لا كوابيس فيه ولا غول الحكايات القديمة

 

****

حينما بكت الجزائر فلسطين

عبدربه العنزي

على ذروة جبل الشريعة في البليدة أخذت انظر إلى المروج والروابي والتلال المحيطة .كنت أرى نفسي في أعالي جبال الجليل شمال فلسطين.فتأخذك عظمة الإحساس وأنت تحلق في أعالي جبال عزيزة واعتدال الروح في سموها.

هناك شيء ما بين هذه الأرض في الجزائر وبين فلسطين،منذ ستة أشهر وأنا في الجزائر أحاول أن أتلمس دلالة هذه العلاقة،وأحاول الوقوف على أوجه الشبه بين صورة الجزائر وصورة فلسطين،لا التقط بيقين ما سر الحميمية بين هنا وهناك،ولكني على يقين بان هناك ما يكوننا معا.

أحيانا أفسر أن تشابهنا مرده إلى تكوين انفعالي شكلته عقود من المأساة والوجع العميق وظروف استعمار فرنسي وصهيوني مارسا قسوة على كلا الشعبين بشكل لم تشهده شعوب اخرى،إن كمية القوة المفرطة وأصناف التنكيل الذي تعرض لها الشعبين،دفعا إلى تبلور سمات مزاجية ونفسية متقاربة،فالحساسية والاعتزاز بالنفس والمزاج الحاد والاندفاع نتاج تكوين تاريخي لظروف مجتمعية متشابهة.

حينما ابحث عن التفاصيل واجد ما يشبهنا،اكتشف تفاصيل أخرى-ربما أكثر أهمية-فأبدأ رحلة الاكتشاف مرة أخرى،ما الذي يجعلني مصرا على وجود التشابه بين الفلسطيني والجزائري ولدرجة التطابق في أحيان كثيرة.

هل هو سحر الجزائر في اخضرار سهولها ،ودفء شطانها،دلال أشجارها الباسقة،تموج وديانها،نار صحرائها،هي صور لطبيعة تتجلى بأرشق تعبيرات للبصر،يستأنس الموجوعون بجمالها، هنا اكتشف أشياء من جنات فلسطين التي سرقت.

لقد ترددت طويلا أن أعلن حبي للجزائر ،ليس شكا بهذا الحب ،ليس غرور العاشقين،وليس خجل المحبين،ولا هو كتمان عفة،إنما نحن الفلسطينيون كتب علينا أن نعلن دوما عن وافر الشكر  لهذا الشقيق أو ذاك حتى لا ينقطع عنا دعمه،أو يفلت علينا شره،أو يرتاب من أمرنا، مما يضر بقضيتنا ويشتت انتباهنا عن عدونا،انه شكر تفرضه نواميس السياسة وواجب الأدب،خشيت أن أعلن حبي للجزائر ،فيظن بي الظانون أنني امضي على سيرة المجاملون.لذلك ترددت،وفكرت،وأحجمت طيلة الشهور الماضية أن أقول للجزائر أني احبك،ربما الآن جاءت لحظة البوح كما هي حال العاشقين المتعبين بسرهم الكبير .

حب تلمسته يداي في الجزائر التي تحب فلسطين بلا نفاق،إحساس بان بيننا وبين الجزائر ملحمة دم متشابهة، انتهت هنا في مشاهدها الأخيرة بإعلان انتصار دم الجزائر على بندقية الجلاد الفرنسي،لكنها لم تكتمل هناك في فلسطين فما زال الوريد يضج بالدم الزكي الطهور بلا توقف أو انقطاع.هنا ثمن من الشهداء لم تكرره تواريخ الثورات أو الشعوب،حجم مفرط من بنادق القتلة ضد الجزائر،هناك في فلسطين ثمن سخي تدفعه كل شجرة زيتون،كل حجر شيده تاريخ  الآباء،كل لحظة هناك تؤذن باقتراب موت وجنازة.

هنا يقابلك الجزائريون صغارا كبارا ومن كل الطبقات وبكل لهجاتهم من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، أهل السهل والجبل والوادي،لتعلم بيسر ان الجزائريين يتوارثون الكرامة وحب فلسطين،هناك يمكنك أن تسال أي فلسطيني حتى الذين لم يدخلون المدارس ليقولون لك أن الجزائر بلد الشهداء والثورة الحمراء،هناك يتعلم الفلسطينيون بشكل يومي درس الدم الجزائري الذي سال زكيا فأينع وردا في ضفاف المقل ،أو حصة لتدريب الفلسطيني على الموت بلا دموع في تقوس الخدود.

قال لي سائق الأجرة البسيط الذي ركبت معه:"نحن كما قال الرئيس الراحل بومدين مع فلسطين، ظالمة أو مظلومة"،هي نفس الجملة التي قالها لي صاحب المتجر،نفسها التي قالها لي عاطل عن العمل في مقهى،وقالها لي طالب جامعي،والرجل المسن الذي جلس بجواري في حافلة النقل،هل هي مصادفة أن يحفظ كل هؤلاء الناس نفس الجملة؟أم هي ثقافة حب لفلسطين وأرضها؟ أليست هي شيم الكرام الذين لا يرضون ضيما لأرض الإسراء والمعراج.

ألا يكللني هذا الإحساس بالمجد وأنا امتلك محبة من هؤلاء الأباة ؟أليس ميزة أن تحبني الجزائر كفلسطيني بكل هذا الفيض من النبل؟

******

أبوعمار

احمد شاهين

تحولت قضية فلسطين بعد نكبة 1948 الى مجرد " ملف إنساني " على رفوف الأمم المتحدة تحت عنوان : اللاجئون الفلسطينيون . وتولت الحكومات العربية التي استضافت هؤلاء اللاجئين تسيير حياتهم بما يتوافق ومصالحها ، وصار موضوع " تحرير فلسطين " شعارا تزاود به الحكومات العربية على بعضها في إطار صراعاتها فيما بينها التي تعددت أشكالها .

في هذا المناخ أعلن عبد الناصر في خطاب له أن على الفلسطينيين أن يأخذوا قضيتهم بأيديهم ، وطرح على القمة العربية عنوان تشكيل " منظمة التحرير الفلسطينية " ولقي الأمر قبولا في الأوساط الرسمية العربية ، وفي أوساط بعض من النخبة الفلسطينية كان على رأسها السيد أحمد الشقيري .

بعيدا عن القنوات العربية الرسمية ، وعن النخبة الفلسطينية التي تدور في فلكها ، كان شبان فلسطينيون حالمون يفكرون في الكيفية التي يمكن بها أن يتولى الفلسطينيون أنفسهم حمل قضيتهم بعد أن ملوا من انتظار الوعود العربية بالتحرير والعودة . كان المطلوب ، كما يقول المرحوم أبو إياد ، جعل العرب والعالم يتذكر قضية فلسطين . انهم مؤسسو حركة التحرير الوطني الفلسطيني التي صارت تعرف باختصارها ( فتح ) بكل ما يحمل من رمزية المعنى . كان من بين هؤلاء الشبان محمد القدوة الذي صار يعرف باسم ياسر عرفات ( أبو عمار ) . واختار هؤلاء الشبان أسلوب الكفاح المسلح للتعبير عن مواقفهم ، وجعلوا من أبنية المخيمات الفلسطينية وساكنيها القاعدة التي يتحركون فيها ومنها ، في مقابل الخيار الديبلوماسي / الدعائي الذي اختارته الدول العربية تحت عنوان منظمة التحرير الفلسطينية . وكان الكفاح المسلح صورة نضال الشعوب في تلك الفترة لنيل حريتها واستقلالها . 

كان هدف شباب فتح جعل الفلسطيني يعمل لبلورة " هوية  نضالية " يلتف حولها ويطالب باسمها باستعادة حقوقه كشعب ، وليس مجرد لاجئين يطالبون بحقوق انسانية . عنوان الهوية كان المنارة التي يستهدي بها عرفات ورفاقه ، وكان البوصلة التي تعيد حركة نضالهم الى السكة اذا حادت بهم الظروف عنها . والهوية كانت تعني " الكرامة " فعملوا ، الى جانب قتالهم العدو الصهيوني ، على تحرير اللاجئ الفلسطيني من " ذل اللجوء " ، واجتهدوا في ذلك . كان البدء بضم من يرغب الى المقاومة الفلسطينية المسلحة ، وبعد أن سيطر شباب فتح على منظمة التحرير الفلسطينية جعلوا من مؤسساتها " ملاجئ " لاحتواء النخبة الفلسطينية التي ستعمل على ترجمة عنوان الهوية الى صور سلوكية صارت تميز الفلسطيني في محيطه العربي . صار الفدائي قديسا وصارت قضية فلسطين موضوعا قيد التداول على مساحة العالم : معها أو ضدها ، لم يكن مهما بالنسبة لعرفات ورفاقه ، كان المهم حضورها على قاعد أن الحق لابد منتصرا ، وقضية فلسطين قضية حق .

حين قبل عرفات وبعض رفاقه اتفاق أوسلو ، وعارضه آخرون من رفاقه ، كان يرى أن الشعب الفلسطيني على أرضه سيعطي للهوية الفلسطينية معناها . وكان يرى في أطفال الانتفاضة روح المستقبل . كان يريد بالموافقة على اتفاق أوسلو أن يكون بين شعبه ومعهم .

يختصر أبوعمار بشخصيته وممارساته الشخصية الفلسطينية : الفلاح الفلسطيني بكوفيته . الفلاح الفلسطيني الذي يعيد غرس الزيتونة التي يقتلعها الاحتلال الصهيوني . الفلاح الفلسطيني الذي يدافع بما تيسر لديه عن داره وعرضه .

حين اقتحم ناحوم غولدشتاين الحرم الابراهيمي برشاشه وقتل عددا من المصلين الفلسطينيين ، رد عليه المصلون الفلسطينيون وقتلوه ضربا بأحذيتهم .

تعددت الأسماء التي حملها محمد القدوة في رحلته النضالية مع شعبه : الدكتور ، الحاج محمد ، الرقيب علي مصطفى ، ياسر عرفات ، لكنه بقي في كل الحالات : الأخ أبوعمار .

*****

رحيلك أوجعنا

صادق لخضور

في انطلاقة لا زالت تعتمل ، اقترنت ورفاقك بواحدين ، ليكون الفاتح من الفاتح تعبيرا عن اقترانك وصحبك بمسيرة نضال لا زالت شواهدها ماثلة.
وفي مناسبة اقترن تاريخها بأربعة واحدات ، ليكون الحادي عشر من الحادي عشر كان علينا أن نطوي صفحة حضور الجسد ، ليرحل المشهد وتبقى الروح فأي مصادفة تلك التي حوتها الأرقام ؟
في لحظة من لحظات الترقب، كان علينا أن نتجرع مرارة الخبر، فالعزيز قد رحل، وشعبه لمّا يزل في متاهات النفي مرتحل، ترجّل الفارس، وتركنا في لحظة من لحظات تجهمت فيها الأمكنة والنفوس.
يومها ، لا أنسى مشاهد اعتملت وعبّرت عن وجوم شعبي ، فمن شيخ أغرورقت عيناه بدمع عزيز ، إلى ثاكلة لطمت وجنتيها ، وصولا إلى طفل مشدوه يراقب المشهد ، ومرورا بشبان اختلط عليهم المشهد ، فلم يصدقوا أن التاريخ قد يرحل فجأة.
غادرت الأماكن لكنها ظلت مكتنزة كبرياء تواجدك فيها ، فهل تنساك بيروت ؟ وأنّى لها أن تنساك وقد سطرّت فوق ثراها أروع الأمثلة في الصمود .
وكيف لرام الله أن تتجاوز ذكرياتها معك ؟ حصارك فيها لم يكن مجرد ركون في مكان، لم يكن مجرد صمود فقط، بل كان تأكيدا على أنك صانع موقف، ذاكرة أمة، عنفوان شعب.
هي محطات ليست تنسى أيها الراحل ، وتأتي الذكرى ليعاود الأوفياء البوح بما يعتمل في الصدر ، يخرج الأطفال بمعية الشيوخ ليؤكدون أنك قاسم مشترك بين الجميع ، وظاهرة تفردّت بكثير من التميز ، ويزداد الوجع حين نطل على قبرك ، فأنت لم ولن تكون مجرد عابر ، ونحن: وهذا مما يثلج الصدر: ما زلنا على عهدك ، نستحضرك في كل مواقفك ، ونعلن أنك ما فارقتنا .
رحلت في خريف، وهو إن كان شهرا لتساقط الأوراق فقد كوانا بناره وأسقط من بيننا رمزا، ولهذا أثار شجوننا ولطم خواطرنا، وأدمانا.
في ذكرى رحيلك وإذ نسلّم بمشيئة الله نعاود الإطلالة على ذكراك من جديد ، تشع الروح بقبس كل موقف من مواقفك ، نراك معادلا موضوعيا لعديد المعاني ، ورمزا لكل المآثر
نراك في كل علم يرفرف، في كل كوفية ترتمي على كتف الفتيان والشبان، في كل موقف يستدعي موقفا.
في لحظات الفرح وكذا في الأحزان، نستحضرك ونتذكرك أبا حانيا، فارسا معطاء، قائدا تاريخيا.
في ذكراك، نقول رحيلك أوجعنا، وفراقك أفجعنا، لكنك علمتنا أن المسيرة متواصلة وأن الحياة يجب أن تتواصل.
نم قرير العين أيها الراحل قبل اكتمال دورة الحدث، فقد رحلت وطموحك لمّا يزل غضا طريا، سنون تتابعت، محطات توالت، وبقيت خلالها صامدا وفيّا.
رحيلك أوجعنا وبث فينا غصّة ومرارة، ولن ننساك يا من أطلقت الشرارة.
في الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من كل عام

لنا وقفة

نترحم ونتأمل

ثم نعاود الإطلالة

****

ياسر عرفات الذي المجدُ في ذِكرِهِ هائمُ !

*بقلم: تامر المصري.

لياسر عرفات هالة من الذكر، لا ينفك الفلسطينيون عن ترديدها، ما بقيت الأسابيع تداور سبع أيامها، وكأنه قد تحالف مع الزمان، الذي أدرك أنه لا يستطيع أن يلغي حقا فلسطينيا بالتقادم، على إثبات أنه رجل الضرورة، إن وقعت أيٌ من واقعاتنا المترادفة على نحو استنساخ المأساة التي نعيش، لتتأسس حالة من الاستذكار، المحفوف بكل معاني الوفاء والحنين، للرمز الذي رحل دون أن يعلن للرحيل موعدا، فتراه حاضرا في مشهد الغياب، أو غائبا في ذروة ما لا ينبغي فيه له ذلك. بينما ترانا نحن الذين انتطفنا الانتماء من الصراط الوطني المستقيم، الذي كان يسير عليه أبو عمار، نتقلب على جنب المفاجأة، التي توازي رحيل الختيار المر، وكأننا قد توافقنا على انفصام نقبله على غير استحياء ... فالوعي يدرك أن صاحب الكوفية تحت الثرى ميتا، واللاوعي يختلج بعبرات وطنية عرفاتية، نجزم أن أبا عمار في كل واحدة منها، لا زال حيا.

الياسر؛ الرمز؛ الختيار؛ الأخ القائد العام؛ الفدائي الأسمر؛ مفجر الثورة؛ رئيس الدولة ؛ ياسر عرفات هو قطعا أبو عمار الذي يعني فلسطين إذا حضر، وهو كذاك رجل الاختبارات الصعبة، والمتيقظ لكل الاحتمالات، عدا احتمال انشطار ما تبقى من الوطن إلى نصفين. يكاد يختلف عرفات عن أي زعيم في جهات الكون الأربع، كونه كان قريبا ومتاحا للرؤيا واللقاء، لكل من أراد ذلك من أبناء شعبه، في الوطن وأصقاع الشتات، لنسأل ومن منا لا يعرف أبا عمار كي لا يبكيه؟ حتى أنني أذكر على المستوى الشخصي، أنني وعندما قابلت زعيم القبارصة الأتراك المناضل، رءوف دنكطاش، في مكتبه بنيقوسيا قبل عامين، وعرفته بنفسي أنني فلسطيني، أجلسني إلى جواره اصطفاءً من ثمانية أفراد، وبادرني قائلا: هل تعرف أن ياسر عرفات كان صديقي ورفيقي في الكفاح؟ قبل أن يسترسل في الشروحات الاستذكارية، عن فلسطين وقائدها العظيم، ياسر عرفات، فكان اللقاء فلسطينيا بشكل عام، وعرفاتيا على وجه الخصوص، دون يملك بعض الزملاء الآذريين والعمانيين والأتراك، سوى السمع والإطراق، كما فعلتُ منتشيا.

لقد كان ياسر عرفات أباً للبذل، ما استطاع إلى التضحية والفداء سبيلا، وليس أسمى من بذل النفس بالتعرض للمشاق والأخطار، في سبيل نصرة الحق، والذود عن الأعراض والحياض، وهذا أعلى مراتب المجد، ويسمونه مجد النبالة. وهو المجد الذي تتوق إليه النفوس الكبيرة، وتحن إليه أعناق النبلاء، وكم له من عشاق تلذُ لهم، في حبه المصاعب والمخاطرات، وأكثرهم من فصيلة ياسر عرفات، من مواليد بيوت راشدة، كعائلة الحسيني التي هو منها، حمتها الصدف من عيون الظالمين المذلين، فكان من نجباء وطن، ما انقطعت فيه سلسلة المجاهدين، وما انقطعت عجائزه عن بكائه حتى يومنا هذا.

بعد حين، أي بعد عام أو عامين أو بعد جيل، ستصبح العرفاتية (Arafatism) مبدأً عاما من مبادئ علم إدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة، ويسمونها السياسة، سيما إن ازدادت معدلات التوغل في اللامعقول فلسطينيا، كما ستصير تراكمات أخطاء الآخرين، مهمازا أو شرطا، لاستحضار أبي عمار من قبره إلى وحي المقارنة، كونه فقط، ياسر عرفات الذي المجد في ذكره هائم.

- E-mail: [email protected]

*****

العرفات ياسر ... الاسم الحركي لفلسطين

 بقلم: مراد السوداني

في صوته ٳرنانات قصف الرعود ...وٳلماحات بروق خضراء باتساع الجرح السيّال ... وعلى كتفيه صخرة الوجع الفلسطيني وسؤال الحرية الناري الذي يعلي سياق المنازلة والتحدي الأكيد ... له تواضع الشجر العالي ... وبراءة الغيم وكبرياء الخيل الرمّاحة في سهوب الصبر والٳصرار الجامح ... يدنو كلما هبت ريح مرّة لتعصف بالصغار وبالشتول وحبّات الضوء الريّانة ... فيلقي بعباءة الرحمة والعطف على الحزن والليل والغبش الكيّاد فإذا هو زاهق ...يبتعد عن النهش الكابي والقلوب الصفراء المريضة ويعلي قنطرة الحب والخير العام ليعبر الصغار إلى سواتر النار بشارة النصر الفتي بكامل الوثوقية والاقتدار ... يغضب فترى شجرا يتقصّف بين يديه العاليتين الممطرتين ... فتلمح بين عينيه قدْح شرارات لافحة ... وفوران الماء الحربي وقسوة تكسر سيف الاستباحة المخاتل ، وحديد اللحظة المرّة ... * ٳنه ياسر عرفات ... سادن الحق الذي أحاله ٳلى حقيقة تسعى من غير سوء على " أرض الغزالة والأرجوان" وجغرافيا السحر الإلهي كما وصفها الشاعر العربي .. يأخذ سياق العناد المقدس المحمول على سبخات دم الشهداء منذ ما يزيد على مئة عام ... ويندفع في الأتون اللاهب غير هيّاب ولا رجّاف ... ويهدأ كريح صلبة في عين العاصفة وحمأة التوتر الساخن ... بقلب مضيء وهدوء واثق ... ثابت على الثابت مهما أوغلوا في الغدر والموت والخيانة والهدم من حواليه ... يشعل الوقت الخؤون بصاعق التحدي ويصرّ على الشهادة الخالدة ... * ٳنه ياسر عرفات ... المتقشّف كبحر عارم ... والغنيّ كحنان الأمهات وأنساغ الشجر المحارب. سار في طريق الآلام حتى آخره ... وعلى الرغم من وحشة الدرب وٳظلام الطريق، أعلى منارة الحرية لشعبنا العظيم وأخذ من ٳرث البطولة الوسيع ما يكفيه لاقتراح الصمود الأسطوري على تراب كنعان العفي ... ظلّ ممسكاً بالحقيقة والحق وثابت البلاد حتى الرمق الأخير ... * ٳنه ياسر عرفات ... عوج بن عناق الكنعاني الفلسطيني الخارج من رماد الأساطيرٳلى ضوء الأمل والحلم والحرية المشتهاة ... وظلّ يردد قوة الحياة نحو الغد الفلسطيني غد هذه الفلسطين التي لفّها بكوفيته المرقطة فصارت شعارا ووشما هتّافا لكل الشرفاء الأحرار في العالم ..لنصرة بلادنا المعاندة والباقية ... * ٳنه ياسر عرفات ، الاسم الحركي للثورة المعاصرة ولهذه الفلسطين التي تنتظر وعدها ويومها المشهود بالاستقلال من الماء ٳلى الماء والعودة الناجزة والقدس العاصمة  * ٳنه الياسر العرفات ... أيتها البلاد ... وليردّد شعبنا العظيم قولته : " على القدس رايحين ... شهداء بالملايين " ... وسيأتي اليوم الذي يحمل شعبنا العظيم رفاته ٳلى القدس ليخلد فيها ... كآلهة الرومان فوق شرر الماء ... في طقوسية أسطورية تليق بالبطل التراجيدي سليل الدمع والغربة والنزال المرّ ... والفعل الباقي الجسور .

مراد السوداني

الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين

*****

الرئيس الشهيد في عيون الاسرى

ابو عمار الاب الروحي والقائد المعلم والقدوة الحية للابد

جنين –علي سمودي

بادبياتهم ومؤلفاتهم وجلساتهم التنظيمية والثقافية والفكرية خلف قضبان سجون الاحتلال الاسرائيلي يدرسون نظرية الثورة ومباديء النضال ومسيرة الثورة التي يعتبر الرئيس الشهيد ياسر عرفات من مفجريها وقادتها ورموزها الذي يتفاخر به الاسرى ككل ابناء شعبهم ويحتفظون بصوره لتزين غرفهم الاعتقالية كما يحفظون احاديثه وخطبه وشعاراته التي يؤمنون بها ويعتبرونها مصدر الهام وعنوان لروح النضال الراسخة في حياتهم وتجربتهم الاعتقالية .

ويستعد الاسرى لاحياء ذكرى استشهاد رئيسهم الذي يرتبط بعضهم بعلاقة وطيدة معه ، كالاسير خالد الشاويش المحكوم 11 مؤبد والذي يفخر دوما ان الرئيس ابو عمار كان يضمد جراحه ويسهر على علاجه ويتابع رعايته في مقر المقاطعة الذي لجا اليه بعدما طاردته قوات الاحتلال وادرج اسمه ضمن قائمة المطلوبين فاصيب برصاص الاحتلال الذي ادى لاصابته باعاقة وشلل ابدي ، ويقول الاسير " انه معلمنا وقائدنا وقدوتنا والاب الحنون الذي يملك روح المحبة والوفاء لابناءه المناضلين ، وياسر عرفات المقاتل العنيد الذي قاد الثورة والمعارك ضد اسرائيل كان يسهر لراحتي ويعالجني بيديه ".

الشاويش من طوباس ، الذي ادرج اسمه ضمن قائمة المطلوبين لمخابرات الاحتلال لقيادته عمليات المقاومة العسكرية ضد الاحتلال ويعيش اليوم رهن الالم والمعاناة مشلولا في سجن الرملة ، يقول " لا يوجد كلمات تصف الاب الروحي للثورة والمقاومة والفدائيين ، فقد طاردني الاحتلال واصبحت مستهدفا وبعد نجاتي من الاغتيال اصدر اوامره باحتضاني في المقاطعة لحمايتي من كمائنهم ، انه يمتلك روح نضالية كبيرة حتى عندما حوصرت المقاطعة واشتد الحصار لم يكن ينام ويتنقل للاطمئنان علينا ورفع معنوياتنا "، ويضيف " تقاسم معنا الخبز الذي بدا ينفذ وخلق فينا روح الصمود والمقاومة والاستعداد للشهادة فكان يتمتع بمعنويات تفوقت علينا ويرفض الاستسلام ويصر على المعركة التي علمنا اصولها وطرقها فكان قبلنا يردد عبارته الشهيرة شهيدا شهيدا ".

الاسير الشاويش الذي اصيب ب11 عيار ناري في كمين ، يقول " اصبت برصاص الاحتلال خلال اشتباك مسلح ودخلت في غيبوبة فاصدر الرئيس ابو عمار تعليماته برعايتي وعلاجي وتوفير كل ما يلزم حتى لا تتحقق امنية الاحتلال بقتلي "، ويضيف " عندما اصبت بالشلل عاملني كابنه وكان يضمد جراحي ويزودني بالدواء ويرعاني ويهتم بي وباسرتي واطفالي وحزن كثيرا عندما تمكنت قوات الاحتلال من اختطافي "، واضاف " بكينا دما يوم استشهاده وسنبقى نبكي ونتالم لان خسارته لن يعوضنا عنها احد ولكننا سنبقى على دربه وخطاه نردد شعاره حتى رغم الاسر عالقدس زاحفين شهداء بالملايين حتى نحرر القدس ونحقق احلامه ".

احياء المناسبة

ويستعد الاسرى في كافة السجون والمعتقلات الاسرائيلية للاحتفال بذكرى استشهاد الرئيس ابو عمار بسلسلة من الفعاليات رغم منغصات الاحتلال وسياساته لمنعهم من احياء المناسبة الوطنية التي تعتبر محطة هامه في حياتهم كما يقول الاسير احمد عوض كميل الذي قضى 18 عاما في سجون الاحتلال ، ويقول " منذ صغري كانت امي تتحدث لنا عن ابو عمار رمز الثورة والنضال وبطولاته وتضحياته وتتذكر كيف حضر الى بلدتنا قباطية وتخفى لتشكيل خلايا الفدائيين الاولى عام 1967 "، ويضيف " كلمات امي  رسمت في قلبي حبا كبر معي للقائد الاسطورة الذي اصبح قدوتي وانا اكبر لاسير على خطاه فاحببت فتح من حكايا بطولته وانتميت لها اهتداءا بقدوتنا المعلم ابو عمار الذي ارسى ووضع اسس المقاومة التي انجبلت فيها حياتنا فكبرنا ونحن نردد بالروح بالدم نفديك يا ياسر الذي قاد الثورة واعاد لشعبنا هويته وغير معادلة التاريخ ليعترف العالم بالثائر الذي يحمل احلام شعبه ويقاتل عنها ببندقية وغصن زيتون ".

كميل الذي اعتقل وطورد خلال الانتفاضة الاولى واسس الجناح العسكري لحركة فتح مجموعات الفهد الاسود ، قال " كان يصدر لنا تعليماته وتوجيهاته لديمومة الانتفاضة ورغم انه كان يعيش في المنفى فعندما نؤدي أي مهمة كنا نجد حنكته وخبرته وحبه لفلسطين فالرئيس ابو عمار شاركنا كل معاركنا في مواجهة الاحتلال "، واضاف " عندما اشتد القمع واتسعت المجازر جائتنا رسالته بدعم انتفاضة الحجر بالمقاومة واعلن للعالم ان شعبنا اقوى من سياسات الاعتقال والحصار وكسر العظام فبهدي تعليماته وروح المستتبصره اسسنا مجموعات الفهد الاسود التي اهتدت بالنهج العسكري الذي ارسى الختيار دعائمه في معاركه مع الاحتلال ".

كميل المحكوم 16 مؤبد والذي شطب الاحتلال اسمه من كل الصفقات ، وكبر ابناءه وتخرج بعضهم من الجامعات خلال اعتقاله ورحلت والدته وهي تتمنى عناقه ، قال " استمرينا في نضاالنا وتنفيذ توجيهات الرئيس في مقاومة الاحتلال حتى اعتقلت ، ورغم الحكم القاسي صمدت ولكني بكيت مرتين في حياتي ، عندما استشهد الرئيس ابو عمار وعندما توفيت والدتي قبل 3 سنوات وسابقى ابكي وكل حر وشريف فلا يوجد اصعب من الحزن لرحيله وفقدانه "، واضاف " ابو عمار سبقى حي في قلوبنا وعقولنا وسنمضي على دربه حتى نحقق حلمه في ان يرفع طفل او زهرة علم فلسطين فوق ماذان وكنائس القدس ".

ومن سجنه ، قال ابرز قادة حركة "فتح " الاسير  ياسر ابو بكر المؤسس لكتائب شهداء الاقصى : تاتي ذكرى  استشهاد رئيسنا وقائدنا لتؤكد ان شعبنا لم ولن يتخلى عن اهدافه وثوابته ، فنحن اصحاب رسالة السلام الحقيقية وعلى العالم ان يعي جيدا ان نضالنا وسيلة وليس غاية،  فنحن اصحاب رسالة حق وعدالة مشروعة نطمح ببناء سلام عادل وشامل يضمن حياة افضل لاطفالنا ومستقبل اجمل لشعبنا في ظل دولة مستقلة وعاصمتها القدس وشعبنا بقيادة الرئيس الشهيد  ياسر عرفات ثم الرئيس محمود عباس قدم الكثير من اجل السلام ، ولكن المشكلة في الاحتلال الاسرائيلي الذي يواصل تدمير كل فرص السلام باجراءاته وسياساته واحتلاله ,  فكيف يمكن ان يتحقق السلام في ظل الاحتلال ؟ ويضيف ابو بكر المعتقل منذ عام 2002 والمحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات، في كل محطات النضال والثورة وعبر الانتفاضتين ونحن نحيي ذكرى  الشهيد ابو عمار نؤكد  اننا لم نفقد الامل بالسلام ولم نتخلى عن مشروع السلام وحلم الرئيس الشهيد ياسر عرفات وكل قادة وشهداء شعبنا ولكن على العالم ان يدرك ان مفتاح السلام هو انهاء الاحتلال واقامة الدولة وعاصمتها القدس ووضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين واطلاق سراح جميع الاسرى والمعتقلين لانه دون ذلك لن يولد السلام  ، واضاف "هذا يجب ان يحثنا اكثر على الوحدة والصمود والتلاحم لان خلاف الاشقاء هو الذي يقوي عدونا علينا ويزيد من استبداده واستهتاره بحقوقنا ورغم كل ما تمارس اسرائيل فاننا على قناعة راسخة ان الاحتلال سيزول حتما وان الدولة ستتحق بوحدتنا وصمودنا ولن نتخلى حقوقنا بل سنزداد تمسكا بها وان خذلنا العالم الذي يجب ان يدرك جيدا اننا لا نطالب الا يحقوقنا التي كفلتها الاعراف والقوانين الدولية  وعلى العالم ان يتحمل مسؤولياته .

انتفاضة عرفات

وبفخر واعتزاز يتحدث الاسير عبد الكريم عويس عن الرئيس الشهيد ابو عمار ليقول " انه حي لن يموت فروحه معنا تشاركنا المعركة التي دربنا عليها لنكون ابطال نحمل رايته ونناضل من اجل فلسطين التي علمنا حبها نضالا وتضحية وفداءا ".  عويس المحكوم بالسجن المؤبد 5 مرات وهدم الاحتلال منزله وطارده خلال انتفاضة الاقصى يقول " مثلما ارتبط صمود الثورة وبطولاتها في ملحمة بيروت بالرئيس ابو عمار فهذه الانتفاضة  ستحمل يوما اسمه لانه القائد الحقيقي لها "، واصاف " فشلت كل مجازر ومخططات الاحتلال في حرف بوصلة النضال الفلسطيني عن طريقه  الحقيقية ، وفي ظل القصف والاغتيال والحصار واصلنا الانتفاضة وهم يهددوننا بالتصفية والابادة ، لاننا نؤمن برسالتنا وقضيتنا والقيم الخالدة التي زرعها في اعماقنا الرئيس الخالد ابو عمار ، لذلك نحن على قناعة ان الانتفاضة لم تفشل ودرسها الاول كان عنوانه الوحدة والااردة واالايمان وذلك كان سر الصمود والاستمرارية التي نحن اليوم بامس الحاجة اليها ، لان المشوار لا زال طويلا ، ويضيف عويس  الذي نجا من عدة محاولات اغتيال خلال مطاردته واعتقل في معركة مخيم جنين في نيسان 2002 وشقيقه حسان معتقل معه ومحكوم بالسجن المؤبد كما استشهد شقيقه خلال انتفاضة الاقصى "  شعب الجبارين وشعب ياسر عرفات  لم ولن يهزم ومن يقول ذلك فانه فشل في قراءه ابحديات معركة الانتفاضة التي كانت محطة اخرى في الطريق نحو حقوقنا ،  ولكن من يعرض مشروعنا الوطني ومسيرتنا الوطنية لخطر التبديد هو الانقسام ، وبعد عشر سنوات من الصمود والتحدي والثبات تنطلق من اعماق قلوبنا  صرخة لتقول لشعبنا ان معركتنا المستمرة من داخل السجون في مواجهة البطش والممارسات التعسفية والانتهاكات الصارخة بحاجة للوحدة والاتحاد على قلب رجل واحد لان ما يوحدنا اكثر بكثير مما يفرقنا فلتكن هذه المناسبة محطة لفتح صفحة جديدة من الحوار الذي ينهي الخلاف وهذه امنيتنا نجاح جهود المصالحة .

ويشارك الاسير منتصر ابو غليون من قادة كتائب الاقصى  المحكوم بالسجن المؤبد 4 مرات  عويس  صرخته في ذكرى الشهيد ابو عمار ، ويقول اريد ان استصرخ في كل فلسطيني فلسطينيته ليشعر بمدى معاناتنا وعذاباتنا ونحن نشاهد ونعيش نكسة الفرقة والانقسام بعد كل هذه التضحيات والصمود الاسطوري ، لقد كان سر الصمود في  معارك الثورة بقيادة الختيار ثم معركة المخيم الوحدة ، وركيزة استمرار العطاء في الانتفاضة الوحدة والتلاحم ، ابو غليون الذي تعرض للملاحقة والاغتيال عبر الانتفاضتين وقاد كتائب الاقصى في اشد المراحل خطورة في المخيم اضاف : اذا كنتم تحبون الاسرى وشعبنا فحققوا امنيتنا بانهاء الاتنقسام  ومواصلة  الحوار لنعيد لقضيتنا مكانتها وللشرعية اصولها لحماية مشروعنا الوطني ، وصرختي في ذكرى  الشهيد ابو عمار  ان نعمل جميعا على تحقيق اتفاق المصالحة،  لان معركتنا لا زالت طويلة ولن نتقدم فيها خطوة واحدة دون وحدتنا وتلاحمنا فارحمونا وزفوا لنا بشرى  تطبيق الاتفاق لان ما يجمعنا اكبر واسمى مما يفرقنا .

ابو عمار القائد

النائب جمال حويل ابرز قادة كتائب شهداء الاقصى ومعركة مخيم جنين والذي رفض الحوار مع الاحتلال عندما حاصر المقاومة في مخيم جنين واعلن ان عنوان واحد للحديث معه هو الرئيس ابو عمار رغم حصاره يقول " انتفاضة الاقصى   كانت نتاج احباط الشارع الفلسطيني بسبب عدم التزام اسرائيل بالاتفاقات الموقعه مع الرئيس ياسر عرفات ، فمع استمرار حرب الاحتلال وانتهاكاته وتنصله من الوفاء بالتزاماته وتدهور اوضاع شعبنا واشتداد الحصار وتدهور الاوضاع وتنامي وتيرة الاستيطان ، جاءت زيارة شارون المشؤومة لتفجر الانتفاضة التي انطلقت لتحقيق اهداف شعبنا في الحرية والاستقلال والخلاص من ظلم وارهاب الاحتلال الذي فشل رغم استخدامه لكل اشكال القمع والارهاب والتجويع والاغتيال والقتل في وقف نبض المقاومة المشروعة لشعبنا" ،ويضيف "استمرت الانتفاضة بهدي وتعليمات الرئيس الشهيد ابو عمارغم شلالات الدم والمجازر والاعتقالات والحصار وحتى لم يوقفها ما اطلق عليه شارون حملة السور الواقي ، فقد استمرت الانتفاضة .

درس الخيم

ويقول حويل "عندما نتحدث عن الذكرى ولن ننسى ان سر الصمود والثبات والمقاومة في معركة مخيم جنين في نيسان 2002 هي وحدتنا ودعم قيادتنا ورئيسنا الشهيد ابو عمار،بالوحدة واجهنا الاحتلال في كل معاركنا في مخيم جنين وعبر ساحات الوطن ، وبالوحدة صمدت المقاومة ومحاولات البعض الترويج لمزاعم وطروحات الاحتلال بان الانتفاضة لم تحقق شيء وكانت سبب في بناء الجدار والحصار والاستيطان هدفها بث روح الياس والاستسلام لدى شعبنا ، فالاحتلال ليس بحاجة لسبب للاستمرار في الاستيطان والحصار والاغتيال وبناء الجدار ، وعلينا ان نستذكر بفخر واعتزاز تضحيات شعبنا وفي المقدمة امام  الشهداء ابو عمار    لنقول ان الانتفاضة كانت مفخرة لنا ومحطة اخرى على الطريق واصبحت تؤرخ لمرحلة جديدة في مقاومة الاحتلال بل انها منحت الاخرين القوة للسير في نهج ابتدعناه ككل فلسطيني ومقاومة فلسطينية ، وعلينا ان نتذكر الشهيد ابو عمار وهو يصف جنين بانها جنين غراد والراحل صدام حسين وهو يستشهد بمعركة مخيم جنين لتتكرر في مواجهة غزاة بغداد ، والمقاومة في الفلوجة و لبنان ثم غزة  ، والقضية  لا تقاس بكلمة مفيد او غير مفيد او اين حققنا او اخفقنا وانما بتراكم كل ما قدمناه لنحصد نتائج ما حققناه ، فاحدى العوامل الهامة التي اضرت بقضتنا واثرت كثيرا على الانتفاضة الانقسام والتجزاة وغياب الرؤية الاستراتيجية والقيادة الموحدة وانتقال الحالة والصورة والاشكال والمطالب والاهداف بعد الانقسام الذي يجب ان ينتهي فورا

فتح لن تنحرف

ويؤكد النائب حويل ، ككل شاب فلسطيني ولاجيء تحديدا  لم ولن يفقد الامل بتحقق الاهداف والطموحات التي ضحى من اجلها شعبنا ، وبعتقد جازما ان حركة فتح  صانعة وقائدة المشروع الوطني ورغم بعض الاخطاء التي يجري العمل لتجاوزها خاصة بعد مؤتمرها السادس  لم ولن تستسلم او ترفع الراية البيضاء او تنحرف عن القيم والمباديء التي ارساها الشهيد الراحل ابو عمار ويضيف في هذه الايام العصيبة في  ذكرى استشهاد الرئيس  ووفاءا لذكراه وكل لشهداء عبر مسيرة نضالنا كلنا امل ان تتجسد صورة الوفاء لتلك التضحيات بالتوقف عن الشعارات البراقة لنضمد الجرح النازف ونامل ان تكون الهدية لشعبنا الصامد تنفيذ اتفاق المصالحة لنغلق صفحات ذلك الملف الاسود لمواصلة مسيرتنا نحو ثوابتنا وفي مقدمتها حلم الرئيس ابو عمار .

******

ياسر عرفات: الحلم الفلسطيني ..

د.عاطف أبو سيف

يحلم وكنا نصدقه. كنا نعرف أن الطريق وعرة وأن المسيرة شاقة وأن العدو جبار وقدراته مهولة، وأننا ضعفاء إلا بقوة حقنا وإرادتنا، كان العالم يتآمر علينا والأصدقاء والأشقاء والجيران والمضيفون، والدول والمؤسسات والهيئات والقرارات والقمم والتوصيات كلّها كانت تتآمر علينا، وكانت حلكة الليل شديدةً لكنه كان يقول لنا إننا سنصل وكنّا نصدقه. كان يحلم، يأخذنا معه في أحلامه، يرسم لنا عالم الغد حين تتحرر فلسطين وكنا نصدقه. لم يتسلل إلينا شك لو لدقيقة أو لحظة حتى في أشد الأوقات صعوبة في أنه يقول الحقيقة. أنه يعدنا بما لنا وبما نقدر عليه، وبما لا نقدر عليه، لكننا نقدر في النهاية. كان ياسر عرفات التجسيد الحقيقي والفعلي للحلم الفلسطيني، دموعه تنهمر علينا حين نتألم، جسده يرتجف كرعشة العاشق لكنه لا ينهار، وهو يرى بؤس حالنا، لكنه وحده كان قادراً على حمل الأمل عالياً حتى يحس بدفئه جميع الفلسطينيين أينما كانوا، طاقته الإيجابية حتى وهو يضع وجهه بين كفيه غارقاً في التبصر في المستقبل، كانت تلك الطاقة تشع نوراً يضيء حلكة الظلام. كنا نعرف قسوة الواقع وصعوبة الحياة وكنا نعرف أننا شعب يواجه عالماً مدججاً بالكذب والروايات المغلوطة والأساطير العفنة، كما هو مسلح بالقرارات والمواقف، كما بالسلاح والقنابل، لكننا كنا نعرف أننا على حق وكان يقول لنا إننا على حق وإننا سننتصر. لم يكن يوجد ما يدلنا على واقعية ما يقول في مرات كثيرة إلا إحساسنا بأنه صادق معنا وأنه صادق ونصدقه وأنه يقصد ما يقول.

 وحين كان يقول لنا إن الدولة على مرمى حجر فيما نحن عائدون من أزقة المخيم بعد نهارات موجعة من المواجهات وقذف الجنود بالحجارة، كان يمد يده ويقول عبر شاشة التلفاز إن الدولة على مرمى حجر، وقتها كنا نرى الدولة على طرف إصبعه وهو يشير إلى هذا المرمى.

نعرف مرات أن المنطق يقول عكس ما يعد، وأن الواقع أشد قسوةً من نور البشارة، ونحس بأن ثمة ما ينافي ما يحلم به، لكننا كنا نقتنع في النهاية بأنه يقول الحقيقة وأن ثمة ما يمكن أن يكون أكثر واقعية من قسوة الواقع وأن البطش والظلم والجبروت لا يمكن لها أن تهزمنا. لم نكن نعرف سبباً لذلك، لكننا على الأقل كنا ندرك أن وجوده هو السبب، وأن ثمة حقيقة غير منطقية هي من تحيل هذا اللامنطق إلى منطق، وهي من تعيد صياغة الواقع حتى يصير جزءاً من حكاية غير معقولة، لكنها أصل العقل وجوهر المنطق.

 كان يمكن أن تجده في أي حكاية أسطورية، في ملحمة كنعانية أو بابلية أو يونانية. عالمه الخاص، حكاياته الشخصية، قصص الناس عنه، مواقفهم معه، وصفهم له، شكله، فعله، تصرفاته، حركة يديه، نظرات عينيه، دقات قلبه، كلها ليست إلا توصيفاً لعالم تقول بينك وبين نفسك لا يمكن أن يحدث، لكنه يحدث بيننا. فهو مثل كل الأبطال الاسطوريين حالم مفعم بالأمل. المنطق ما ينطق به وما يقوم بفعله، أما قوة الطبيعة وجبروت الواقع فهي ليست إلا عقبات يمكن له أن يذللها بسحره الأسطوري، بأفعاله الخارقة. والأبطال الأسطوريين كما نعاه درويش لم يكن يليق بهم إلا الموت في وسط الأسطورة. لا يمكن للبطل الأسطوري أن يموت خارج الحكاية، لذا لم يكن يليق بعرفات إلا أن يستشهد في موت مهيب أوقف العالم ولم يقعده حتى الآن. هذا ما يليق بعرفات، فرجل نذر العمر للبندقية وللمواجهة لا يموت على فراش الموت طريحاً عجوزاً. الأبطال يموتون وهم في ذروة التحدي والكبرياء والمواجهة، وهم في حبكة الحكاية.

 وحده يعرف كيف تثور الناس من كلماته، ووحده يعرف كيف يهدئ من روعهم ويخفف عنهم. كان هو باروميتير الحالة الفلسطينية، مقياسها الأصوب. المعبر الحقيقي عن فلسطين، والناطق الرسمي والشرعي باسمها. كان فلسطين وكان وجهاً من وجوهها. ارتبط بها وارتبطت به. ويمكن لأي واحد منا أن يروي ألف حكاية عن هذا الرابط السحري والسري بين الرجل وفلسطين، فالناس تعرف فلسطين منه وتعرفه، فترى فلسطين في جدلية وثنائية مهولة من التماهي والعشق والتضحية. في شارع تقسيم في إسطنبول وقف رجل عجوز يسألني عن شيء. بالطبع لم يكن لي لأفهمه فهو يتحدث بالتركية. وأمام هزة كتفي سألني بالإنجليزية فأجبت، فبادر بالإنجليزية أيضاً: من أين انت؟ فقلت بالإنجليزية Palestine. لم يعرف فسأل مرة أخرى فاستدركت فقلت ما سمعته بالتركية "فيليسطين" كما يلفظونها. فقال وهو يستدير "عرفات ترحمت الله ترحمت الله". ومضى.

كان واحداً منا. لم يؤلف رواية أو حكاية مزعومة عن أصل نبيل أو ميراث أسطوري، خرج من عباءة النكبة والتشرد، كما لم نقابله في مؤتمر أو خلف شاشة تلفاز. فجأة وجدناه بيننا يتحدث عنا ومعنا، له ما لنا وعليه ما علينا. له روايته مثلنا عن كل لحظة من لحظات العمر المرير الذي عشناه حين اقتلعنا من أرضنا. تارة تجده فلاحاً ترك موسم القطاف وخرج تحت تهديد السلاح، وتارة تجده بحاراً تاه مركبه عن مرفأ يافا، أو راعياً في صحراء النقب التهم ذئب المستعمرين خرافه ليلة العيد.

 وفي كل واحد منا شيء منه، القليل أو الكثير ... إنه هذا الشيء الأصيل الذي يشكل جوهر الوطنية التي مثلها عرفات وتمثلها وكان له فضل كبير في التعبير عنها. اختلف معه الكثيرون وزعل منه الكثيرون وربما شعر البعض بأنه قد يقسو عليهم، وانتقده آخرون وآخرون لكنه ظل الكل الجامع، الشخص الذي لا يختلف عليه، الرجل القادر على لملمة عباءة الشعب والسير بها في قلب العاصفة. كان صادقاً ومخلصاً. لم يكن نبياً يقدر على كل شيء، فكان بشراً يخطئ ويصيب يجتهد ويقوم بما يعتقد ويعتقد الجميع أنه الصواب، لكنه كان يفعل كل ذلك عن قناعة وبكل سعادة. يقبل قدم الجريح ويبكي الشهيد ويودع رفاق السلاح وهو ينظر في غيم المستقبل يعرف أنها طريق طويلة لكن السير فيها انتصار لفلسطين. قهر المنافي وعاد ثم عاد ثم عاد محمولاً على الأكتاف. في مثل ذلك اليوم لتبكي فلسطين.

 

******

على طريق الاستقلال

بقلم بهاء رحال

بلغة الخالدين جاءت وثيقة الاستقلال تعبيراً عن تطلعات الشعب الفلسطيني وآماله وسعيه الدءوب للخلاص من الاحتلال وصولاً الى إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة فوق أرضه ووفق نصوص القرارات الدولية وهيئات الأمم وما اعترف به العالم لنا من حقوق لم تنصفنا ، وبين ما حملته هذه الوثيقة من نص أدبي وثقافي مبدع وخلاق ذو قيمة إنسانية وتاريخية مستمدة من حقيقة الوجود الأزلي للشعب الفلسطيني حيث اختزلت في طياتها مشوار طويل من الكفاح والنضال عبر عقود من الزمن وقدمته الى العالم بطريقة منقطعة النظير حتى يفهمها  ولتكون شهادة ميلاد تليق بحجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني على مذبح الاستقلال وبين ما شكلته هذه الوثيقة من قيمة حضارية مُثلى وقد اعُتبرت أطروحة سياسية شاملة ومتكاملة تفسر معالم الدولة الفلسطينية .

لقد أتى الإعلان عن وثيقة الاستقلال في ظل ظروف عربية وعالمية غاية في التعقيد وموازين قوى مختلة ومختلفة وغير متوازنة حيث سعت هذه الظروف الى فرض عزلة على الشعب الفلسطيني من خلال تشديد الحصار على منظمة التحرير الفلسطينية لفرض قواعد اللعبة السياسية التي أرادات القوى العظمى فرضها آنذاك على المنطقة العربية بأكملها وبخاصة القضية الرئيسية فيها وهي قضية الشعب الفلسطيني متجاوزة كافة القرارات الدولية الضامنة لأنصاف الحقوق حتى جاءت وثيقة الاستقلال واخترقت بما تضمنته من رؤية وطنية وأهداف واضحة المعالم حالة الصمت العربي المنكسر وأطلقت هجوماً من نوع مختلف وأحبطت مخططات استعماريه كانت تهدف الى تغييب القضية الفلسطينية وتهميشها في معادلة العالم الجديد .

 

لقد أكدت وثيقة الاستقلال على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني بفلسطين الطبيعية والتاريخية وان قبولها بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن يأتي في إطار قبول السياسات المفروضة بقوة الهيمنة على المنطقة والتي تتحكم بها بعض القوى الاستعمارية التي أرادت أن تزرع الكيان الإسرائيلي على تراب فلسطين وتسقط تاريخ هذه الأرض وتشتت سكانها التاريخين الذين ارتبط تاريخهم بها ارتباطاً عضوياً كاملاً وقد بنو فيها حضارة الإنسان الأول فكان كنعان يمثل صورة الفلسطيني الأول الذي وطئت قدماه هذا الثرى ، ولم تأتي هذه الوثيقة من منطلق الرضا الكامل لان كافة القرارات الصادرة تصادر وتنتقص من الحق الفلسطيني الذي بدونه لن تتحقق العدالة على الأرض وبين الناس .

إن وثيقة الاستقلال الفلسطيني والتي أكدت على أهمية الحفاظ على النسيج السياسي والاجتماعي والوطني للشعب الفلسطيني ورسمت صورته المستقبلية وبنت جسوراً من الأمل وحددت معالم الدولة الفلسطينية وأنظمتها وقوانينها وتشريعاتها وصورتها المشرقة لا زالت تنتظر قراراً دولياً ورغبة حقيقية بضرورة تجسيدها على ارض فلسطين لوضع حد لحالة الاختراق المستمرة من قبل إسرائيل لكافة القرارات الأممية وتماديها في خرق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن .

******

الشهيد الخالد ياسر عرفات 'أبو عمار' سيرة ذاتية ..

مسيرة شعب أبو عمار (4 أغسطس 1929 - 11 نوفمبر 2004)،

هو محمد ياسر عبد الرحمن عرفات القدوة الحسيني و كنيته (أبو عمار)، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب في عام 1996. ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969، وهو قائد فتح أكبر الحركات داخل المنظمة. فاز مع إسحاق رابين بجائزة نوبل للسلام سنة 1994.

السيرة الذاتية:اسمه محمد عبد الرحمن، وهو اسم مركب واسم أبيه هو عبد الرؤوف واسم جده عرفات واسم عائلته القدوة من عشيرة الحسيني وهو واحد من سبعة إخوة ولدوا لتاجر فلسطيني ولد في مدينة القدس في 4 أغسطس/ آب 1929.

لم تكن حياة الراحل الرمز ياسر عرفات إلا تاريخا متواصلا من النضال والمعارك التي خاضها وأسس من مجموعها تاريخا جديدا وحديثا لفلسطين ، بحيث غدت القضية الفلسطينية رمزاً عالمياً للعدالة والنضال، وجعل من كوفيته رمزا يرتديه كافة أحرار العالم ومناصري قضايا السلم والعدالة العالميين.

الشهيد الرمز لم يبدأ تاريخه النضالي من لحظة تفجيره الرصاصة الأولى، كانت تجتذبه ارض المعارك حيثما كانت، فكان مقاتلاً شرساً خاض معارك عسكرية بعد تلقيه التدريب العسكري اللازم من قبل 'جيش الجهاد المقدس 'بقيادة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني بعد التحاقه بقوات الثورة في العام 1948، وأسندت إليه مهمة الإمداد والتزويد بالأسلحة سراً من مصر وتهريبها عبر رفح للثوار في فلسطين.

لم يثن التعليم ، الطالب ياسر عرفات المتفوق في 'كلية الهندسة - جامعة الملك فؤاد / أي جامعة القاهرة' ، عن ترك مقاعد الدراسة، والتوجه لقناة السويس المحتلة، لقتال قوات الجيش البريطاني ، مع إخوانه من الفدائيين المصريين عام 1951 ،إيماناً و قناعة بأن أرض العروبة – وحدة لا تتجزأ – وبأن قتال وهزيمة الاستعمار في موقع جغرافي هو إيقاع هزيمة بالاستعمار عامة ، كما أن الفعل الثوري وإن تغيرت معالمه الجغرافية ، كل لا يتجزأ.

شارك للمرة الثانية متطوعاً في 'حرب الفدائيين' عام 1953 في قناة السويس ، هذه الحرب التي غيرت من دور الاستعمار البريطاني ووجوده 'شرق السويس'، وفرضت أخيراً ، الجلاء البريطاني عن الأراضي المصرية.

أرسل في عام 1953 ، خطاباً للواء محمد نجيب أول رئيس لمصر عقب قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952. ولم يحمل هذا الخطاب سوى ثلاث كلمات فقط هي 'لا تنس فلسطين'. وقيل إن عرفات سطر الكلمات الثلاث بدمه، وهو من ربطته برجالات ثورة 23 يوليو تموز عام 1952 علاقات ببعض رجالاتها الذين التقاهم أثناء حرب الفدائيين في القناة.

عمل الرئيس الراحل بحسه الوطني العميق على تثمير مشاركاته هذه لصالح فلسطين ، فبعد أن عمل على تأسيس ' النادي الفلسطيني - القاهرة '، ينطلق لإقامة 'رابطة الطلبة الفلسطينيين'مع رفيق دربه المرحوم فتحي البلعاوي، لتشكل النواة والبؤرة الأولى 'للطلبة الفلسطينيين ' على مستوى العالم، هذه 'الرابطة التي كانت أول هيئة فلسطينية منتخبة على مستوى الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 ، وحملت علم فلسطين إلى الدنيا بأسرها وقاتلت مشاريع التوطين ونجحت في إسقاط مشروع جونستون لتحويل مياه نهر الأردن .

وكان لهذه ' الرابطة ' دور مركزي في إسقاط سياسة الأحلاف الاستعمارية 'حلف بغداد' و'مبدأ الفراغ' الذي قال به الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور. وفي تشكيل ' الرابطة ' الأرضية الصلبة والقاعدة القوية لإنشاء ' اتحاد طلبة فلسطين ' ، المتميز بكونه رافداً وطنياً أساسياً ورافعة وطنية فلسطينية رئيسة ومركزية.

التحق الراحل ياسر عرفات بجامعة القاهرة وتخرج منها مهندساً مدنياً. وكطالب، انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين واتحاد الطلاب الفلسطيني، حيث كان رئيساً له من عام 1952 إلى عام 1956.

وفي القاهرة طور علاقة وثيقة مع الحاج أمين الحسيني، الذي كان معروفاً بمفتي القدس وفي 1956 خدم في الجيش المصري أثناء حرب السويس.

التحق ياسر عرفات بعد تخرجه من 'كلية الهندسة'،'بالكلية الحربية المصرية ' وأصبح ضابطاً في 'سلاح الهندسة'، وعاد من جديد لمنطقة قناة السويس ليشارك مقاتلا في رد العدوان الثلاثي (الإنجليزي – الفرنسي – الإسرائيلي ) عام1956)، في بور سعيد مع رفيقه رئيس اتحاد الطلبة المصريين/ جواد حسني، الذي أستشهد في تلك المعركة. . وفي هذه المعركة أدرك القائد الرمز أن القوة العسكرية ممثلة بالعدوان الثلاثي لم تستطع أن تهزم إرادة شعب مصر بقيادة عبد الناصر وأن إرادة القوة مهما عظمت . . فإنها تُهْزَم أمام قوة إرادة الشعب المقاتل.

أسس ياسر عرفات عام 1957 'اتحاد الخريجين الجامعيين الفلسطينيين' وغادر للعمل مهندساً في الكويت، وأسس شركة مقاولات، وهناك كانت الانعطافة الأهم في حياته تلك الانعطافة التي صنعت تاريخا حديثا وجديدا لفلسطين وللأمة العربية . . في هذه المحطة من حياة القائد الرمز ، التقى وتعرف على خليل الوزير 'أبو جهاد' وتنضج الفكرة وتتشكل، ويكون التطبيق عملياً بتأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – في خريف 1957 ويتم خلق نواة التنظيم الصلبة ، وتسمية أعضاء 'اللجنة المركزية من مؤسسي فتح '.

في العام 1958 وأثناء عمله مهندساً في دولة الكويت، بدأ بوضع اللبنات الأولى ل حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، حيث شكل الخلية الأولى التي تبنت الكفاح المسلح طريقا لتحرير فلسطين وبدأ الرئيس ياسر عرفات بمحاولة جمع عدد من البنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وفي ليلة الأول من يناير عام 1965 نفذت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح أولى عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي بنسف محطة مائية، حيث قام ياسر عرفات بتسليم نص البيان الأول إلى صحيفة النهار اللبنانية بنفسه، وفي أعقاب حرب عام 1967 انتقل عرفات للعمل السري في الضفة الغربية المحتلة حيث قام بتنظيم مجموعة من خلايا المقاومة، واستمر ذلك مدة أربعة أشهر. وانتخب في 3 شباط/فبراير عام 1969 رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية أثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة واستمر الزعيم بالعمل على تنظيم واستقطاب المزيد من الكوادر، للتحضير والعمل على إطلاق رد جيل النكبة ، هذا الرد الذي حمل في طياته بعثا جديدا للشعب ورسم ملامح الهوية النضالية الفلسطينية.

ويضع 'أبو عمار' مع إخوانه، صياغات المرحلة القادمة لعقود وعقود من السنين، وتكون الانطلاقة، ويكون التفجير, تفجير المنطقة برمتها/في نفق عيلبون/ في الاول من يناير/كانون الثاني 1965 في البيان الأول ' للقيادة العامة لقوات العاصفة ' عندما نطق بكلمة السرّ 'حتى يغيب القمر'، أعلنت فتح ثورتها وانطلقت عاصفتها لتدق أول مسمار في نعش الوجود الإسرائيلي، وتناقلت صحف العالم نبأ ثورة أبناء المخيمات، ثورة اللاجئين، ثورة تحمل رايات التحرير والعودة لتقضي على التشرد والشتات ، ويقود مسيرة الفعل الميداني.

في أعقاب حرب 1967، توفرت ل ياسر عرفات ظروفاً ملائمة لتطوير الثورة ومقاومة الاحتلال حيث يتواجد أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، عمل الرئيس ياسر عرفات 'أبو عمار' على تدريب العديد من الشباب الفلسطيني على عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وذلك عبر التسلل عبر الحدود ونهر الأردن حيث وجهت مجموعات المقاومة ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية بشن هجوم ضخم على بلدة الكرامة الأردنية، بهدف القضاء وتدمير قواعد المقاومة الفلسطينية، وكان ذلك في مارس سنة 1968، أظهرت المقاومة الفلسطينية بقيادة أبو عمار بطولة خارقة في معركة الكرامة حين تصدت للدبابات والطائرات الإسرائيلية بأسلحة خفيفة بدائية، وألحقت بالقوات الإسرائيلية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وكان لهذه المعركة، التي لم تستطع إسرائيل من تحقيق أهدافها حيث أجبرت على الانسحاب أمام ضربات المقاومة، تأثير كبير على الشارع الفلسطيني والعربي خصوصاً وأنها حدثت في أعقاب هزيمة حرب عام 1967م، حيث ارتفعت المعنويات وأثبتت هذه المعركة أن المقاتل العربي يمكنه القتال بشراسة ضد الغازي المحتل، واحيي الأمل لدى الفلسطينيين في التحرير والعودة بتصميمهم على الكفاح المسلح من اجل ذلك .

وبعد أحداث أيلول/سبتمبر أيلول الأسود عام 1970 قررت المقاومة الانتقال إلى لبنان بعد تدخل العديد من الوساطات العربية لإنهاء الصدام بين الجانبين الأردني والفلسطيني، وخرج أبو عمار سراً من الأردن إلى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد لتناول أحداث أيلول 1970.

وفي لبنان أعاد  أبو عمار ترتيب صفوف المقاومة ومواصلتها معتمداً على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

اتخذ مؤتمر القمة العربية التي عقدت في 29/10 عام 1974 في الرباط قراراً باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي 13/11/1974م، ألقى  أبو عمار كلمة هي الأولى من نوعها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث قال عبارته المشهورة 'لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي' ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة .

بعد اشتداد عمليات المقاومة، وتسديد ضرباتها الموجعة للمحتل الإسرائيلي، اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي بقيادة وزير الدفاع الإسرائيلي آرئيل شارون في ذلك الوقت لبنان حتى وصل إلى مشارف بيروت وقام بحاصر بيروت الغربية، وهي المنطقة التي يتواجد فيها مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية والعديد من قوات وكوادر المقاومة وعلى رأسهم أبو عمار، دام الحصار 88 يوماً وقف فيها أبو عمار ورفاقه من القادة والمقاتلين والحركة الوطنية اللبنانية وقفة ثابتة في أروع ملحمة سطرت آيات الصمود والتصدي، ولم تتمكن قوات الاحتلال من اقتحام بيروت أمام صمود المقاومة، وبعد وساطات عربية ودولية خرج أبو عمار ورفاقه من بيروت إلى تونس وكان ذلك في يوم 30/8/1982م كما توزعت قوات الثورة الفلسطينية على العديد من الدول العربية.

وتوجه أبو عمار إلى تونس بعد خروجه من بيروت ليقود منها حركة الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية السياسية والعسكرية والتنظيمة وفي أكتوبر 1985 نجا أبو عمار وبأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت مقر المنظمة ومقر إقامته في منطقة حمام الشط إحدى ضواحي تونس العاصمة مما أدى إلى سقوط العشرات من الشهداء التونسيين إضافة إلى الفلسطينيين.

بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، انعكست تأثيراتها على القضية الفلسطينية، التي كادت أن تشهد فترة من اللامبالاة العربية والدولية لتعيد لهذه القضية مكانتها كأهم واخطر قضية في العالم، وعلى اثر ذلك عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته التاسعة عشرة، في شهر تشرين الثاني من عام 1988م وفي هذه الدورة اعلن ياسر عرفات وثيقة الاستقلال، وفي ابريل من عام 1989م كلف المجلس المركزي الفلسطيني ياسر عرفات برئاسة دولة فلسطين .

وفي أعقاب حرب الخليج الأولى، أجريت العديد من الاتصالات الدولية بشأن البدء بمناقشة سبل حل القضية الفلسطينية، أسفرت عن عقد مؤتمر دولي للسلام في مدينة مدريد العاصمة الإسبانية، شارك فيها الوفد الفلسطيني ضمن وفد مشترك أردني فلسطيني، وبعد هذا المؤتمر عقد جولات عديدة من المفاوضات في واشنطن واستمرت المفاوضات دون الوصول إلى نتيجة بسبب المماطلة الإسرائيلية.

في عام 1990 أعلن ياسر عرفات عن أجراء اتصالات سرية بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، أسفرت فيما بعد عن توقيع اتفاقية إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بتاريخ 13/9/1993، والتي عرفت باتفاقية غزة - أريحا أولاً، وبعدها عقدت سلسلة من الاتفاقيات منها اتفاقية أوسلو المرحلية في 28/9/1995، ومذكرة شرم الشيخ وطابا، وواي ريفر، وبروتوكول باريس الاقتصادي، وعلى اثر توقيع اتفاقية إعلان المبادئ، انسحبت القوات الإسرائيلية من بعض المناطق في قطاع غزة ومدينة أريحا، وفي 4/5/1994 دخلت أول طلائع قوات الأمن الوطني الفلسطيني إلى ارض الوطن، لتبدأ عمل أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية بقياد أبو عمار رئيس دولة فلسطين. بعد ان عاد الى ارض الوطن في 1/7/1994.

في يوم 20 كانون الثاني يناير عالم 1996، نظمت أول انتخابات فلسطينية لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي وانتخاب رئيس السلطة التي نصت عليها اتفاقات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث تم انتخاب الرئيس ياسر عرفات رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية.

 

في 25 تموز يوليو 2000 عقدت قمة فلسطينية إسرائيلية في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية برعاية أمريكية، كان أبو عمار رئيساً للوفد الفلسطيني، وايهود باراك رئيس وزراء إسرائيل رئيس الوفد الإسرائيلي برعاية الرئيس بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية انتهت بالفشل أمام التعنت والصلف الإسرائيلي وتمسك أبو عمار بالحقوق الفلسطينية.في 18 من شهر أيلول سبتمبر عام 2000 أقدم آرئيل شارون على محاولة دخول المسجد الأقصى المبارك على الرغم من النداءات المتكررة من الرئيس ياسر عرفات بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة الخطير، ولم يأبه شارون بهذه النداءات أو غيرها التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة والزعماء العرب وغيرهم، وأثارت هذه الخطوة مشاعر الشعب الفلسطيني الذي هب إلى مواجهة القوات الإسرائيلية التي أحاطت بشارون لحمايته، فتصدت القوات الإسرائيلية إلى جموع الفلسطينيين العزل ليسقط عدد كبير منهم بين شهيد وجريح، وسرعان ما انتقلت الشرارة إلى باقي الأراضي الفلسطينية معلنة اندلاع انتفاضة الأقصى مازالت مستمرة حتى ألان على الرغم من القيام بالعديد من المبادرات والمؤتمرات وأهمها تقرير لجنة متشيل، ووثيقة تينيت، وخطة خارطة الطريق.في الثالث من شهر كانون الأول ديسمبر عام 2001، قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة ارئيل شارون فرض حصار على الرئيس عرفات في مبنى المقاطعة برام الله، ومنعته من التحرك والانتقال حتى داخل الأراضي الفلسطينية بين مدنها وبلداتها لمتابعة أمور الشعب الفلسطيني، وهدد مراراً على الأقدام بهدم مبنى المقاطعة على رأس الرئيس ورفاقه ومعاونيه المتواجدين معه في المقاطعة.وقامت بتدمير أجزاء كبيرة من المبنى، ولكن الرئيس أبو عمار وكعادته ظل صامداً أمام هذه الهجمة الإسرائيلية وأثناء الاجتياح الإسرائيلي لرام الله في أواخر مارس عام 2002 قال عبارته المشهورة 'يريدوني إما طريداً وإما أسيراً وإما قتيلاً، لا أنا أقول لهم شهيداً، شهيداً، شهيداً'، في يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد على صحة الرئيس ياسر عرفات، فقد أصيب الرئيس كما قرر أطباءه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادث الطائرة، ومرض جلدي (فتيليغو)، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ تشرين أول أكتوبر 2003. وفي السنة الأخيرة من حياته تم تشخيص جرح في المعدة وحصى في كيس المرارة، وعانى ضعفاً عاماً.تدهورت الحالة الصحية للرئيس تدهوراً سريعاً في نهاية أكتوبر 2004، حيث رأى الأطباء ضرورة نقله إلى الخارج للعلاج، وقامت على أثر ذلك طائرة مروحية على نقله إلى الأردن ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004. حيث أجريت له العديد من الفحوصات والتحاليل الطبية.وكانت صدمة لشعبه حين ظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوباً بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن. وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الأنباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا وسط نفي لتلك الأنباء من قبل مسؤولين فلسطينيين.وتم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر 2004. وبهذا نفذت إرادة الله ، واستشهد قائداً وزعيماً ومعلماً وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبه عرفات قبل وفاته.التقرير الفرنسي:أصدر المستشفى الفرنسي الذي تعالج فيه ياسر عرفات تقريراً طبياً لم يتم نشره بسرعة مما أثار تساؤلات كثيرة حول محتوى هذا التقرير، وأورد التقرير أن وفاة ياسر عرفات كانت في اليوم الثالث عشر من دخوله مستشفى باريس العسكري واليوم الثامن من دخوله قسم العناية المركزة بسبب نزيف دموي شديد في الدماغ، واجتمعت في حالته السريرية المتلازمات التالية:متلازمة الجهاز الهضمي: البداية لهذه الحالة المرضية بدأت قبل 30 يوماً على شكل التهاب معوي قلوي. متلازمة متعلقة بجهاز الدم تجمع نقص الصفائح وتخثر حاد منتشر داخل الأوعية، وبلغمة خلايا النخاع منعزل عن أي نشاط بلغمي في الأوعية الدموية خارج النخاع العظمي. متلازمة الجهاز الهضمي في حالة ذهول متموج ثم حالة غيبوبة عميقة بالرغم من استشارة عدد كبير من الأخصائيين كل في مجاله وكافة الفحوص التي تم إنجازها لم تفسر هذه المتلازمات في إطار علم تفسير الأمراض Nosology. يرقان ناتج عن رقود صفراوي. وأجريت لياسر عرفات  فحوصات عدا الفحوصات الروتينية المتكررة وهي:فحوصات التجلط وعوامل التجلط عينات النخاع الشوكي في عدة مرات في رام الله وتونس وفرنسا عينات بذل النخاع الشوكي L-P زراعة متكررة للدم، البراز، البول، الأنف والحنجرة والقصبات، النخاع، السائل الشوكي، ودراسة الجراثيم والأحياء الدقيقة

 رحلة الايام الاخيرةكانت عيون الفلسطينيين ترى لكنها لا تكاد تصدق أن ياسرعرفات ..الزعيم والقائد والاب والمناضل الصلب والثائر التاريخي يمكن ان يبدو بهذا الوهن ..بل ولا يريدون ان يصدقوا انه يمكن ان يمرض ،فقد اعتادوا عليه ان يكون 'سيد النجاة' كما اطلق عليه الشاعر محمود درويش، نجا من عشرات محاولات الاغتيال والقصف ،ومن حوادث سقوط الطائرة وتدهور السيارات ...ولم يضعف يوما أمام أي ضغط أو حصار أو استهداف.

لكنه مريض الآن ومرضه خطير وغامض ...تحوم الشكوك حول تسميمه ،وتتباين التقارير التي يسمعها الناس، لكنهم جميعا كانوا يعتقدون أنه سينجو هذه المرة أيضا ،خاصة وقد رأوه مبتسما واثقا ومطلا عليهم بنظرته المعهودة المليئة حبا وأملا وإصرارا.

غادر رام الله بعد أن حصل على ضمانات لعودته إلى الوطن لأن رئيس وزراء اسرائيل ارئيل شارون كان يتحين الفرص لإزالة ياسر عرفات وإبعاده من فلسطين ومن الحياة السياسية ...بل ومن الحياة.

******

عرفات في عيون العالم مفجر ثورة ... ومؤسس دولة

بقلم: د. سليم محمد الزعنون

كُتب الكثير عن ياسر عرفات، بعض هذه الكتابات طغى عليها البعد التاريخي، والبعض الأخر ركز عليه كزعيم وقائد للشعب الفلسطيني ومثال للبطولة والفداء والتضحية بوصفه حمل القضية الفلسطينية حتى وفاته لا لتبقى قضية شعبه وتنتصر فحسب بل كمساهمة في الدفاع عن القيم العالمية 'الحرية والانسانية والعدلة'؛ ولكن قليله هي الكتابات التي تناولت عرفات في عيون العالم وكيف ينظر الساسة والزعماء لشخص عرفات.

أولاً : شخصية فريدة.

تمتع ياسر عرفات بشخصية فريدة؛ زاوجت بين العديد من المتناقضات وجمعت بين العمل الثوري والسياسي؛ تميز بالصبر مع تقدير أهمية الظفر؛ وبالتقشف الشخصي مع الكرم تجاه الآخرين؛ ذو شخصية عاطفية لا يستطيع إخفاء مشاعره؛ وشخصية متسامحة مع الأديان كافة؛ محبوب من الجماهير؛ تميز بعقلية وحدوية وقدرة توفيقية؛ في هذا الإطار تم وصفه كقائد فذ مثير للجدل :

      'إنه من الصعب جداً الحديث عن عرفات في زمن قصير فلقد كانت شخصية الرئيس عرفات شخصية قوية وساطعة، وكان له مكانة تاريخية وتمتع بشخصية مثيرة للجدل، فكثيراً من الناس أحبوه ولكن في نفس الوقت وَجِدَ من اختلف معه'.

العالمة الروسية 'إيرينا زفياغيلسكايا'

نائبة رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والسياسية

كما تميز بأنه رجل شغول غير ملول يعمل بشكل متواصل لساعات طويلة، وسياسي محنك وقائد كاريزماتي، ومناور كبير مع أعدائه؛ ومجادل لا يعدم الحجة؛ امتاز بالقوة والصرامة مع ثقة عالية وإيمان بعدالة القضية الفلسطينية؛ وبراغماتي عملي يقرأ الواقع ويتعامل مع المعادلات، امتلك قدرة ربط العلاقات العالمية الواسعة، وقدرة واسعة على صنع القرار تدعمه بذلك شخصيته الصلبة؛ في هذا السياق وصف نائب رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية عرفات قائلاً :

'إنه بطل ورجل مقدام وشجاع وإنه كرئيس كان قادراً على صنع القرار'.

'أوليغ أوزيروف' نائب رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية

ثانياً : أحد زعماء القرن العشرين.

 يعتبر عرفات مفجر الثورة الفلسطينية ومجدد الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة؛ وتمكن من أن يتحول من رجل صنع ثورة إلى رجل يؤسس لدولة ويقيم أول سلطة فلسطينية في التاريخ؛ بما جعله لاعباً سياسياً من طرازٍ رفيع في السياسة الشرق أوسطية والعالمية؛ ما دفع الكثير من السياسيين لوصفه على أنه أحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين؛ فقد تحدث رئيس جمعية الصداقة والتعاون مع الشعب الفلسطيني واصفاً إياه:

'بداية إني عرفت عرفات عن قرب، وإنه بنظري لم يكن فقط زعيماً للشعب الفلسطيني، بل كان واحداً من قادة العالم القلائل الذين لعبوا دوراً كبيراً ومؤثراً في قضايا الشرق الأوسط والقضايا الدولية'

'فياتشيسلاف ماتوزوف'

رئيس جمعية الصداقة والتعاون مع الشعب الفلسطيني

في ذات السياق تناولته الأدبيات الإسرائيلية؛ فأشد الناس عداوةً اقروا بأنه أكثر الشخصيات المؤثر في القرن العشرين؛

' عرفات سيذكره التاريخ كأحد أعظم الزعماء في القرن العشرين'

اليساري الأسرائيلي 'اوري افنيري'

ثالثاً : مسيرة نضال طويلة:

خاض عرفات نضالا استمر أكثر من 40 عاماً، مارس فيها الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، والدبلوماسية والعمل السياسي والإعلامي؛ عمل مقاتلا على جبهة الأعداء من أجل تحرير فلسطين، وعلى جبهة الأصدقاء سار بين الأشواك متجنبا الألغام في ظل السياسات والمصالح العربية والإقليمية والعالمية المتناقضة، ولم يستطع أحداً من زعماء العالم وساسته أن يتنكر للمشوار النضالي الطويل الذي رسم معالمه عرفات

' لن ينسى أبدا أي من الأشخاص الذين تواجدوا، التحفظ والألم الذي صاحب مصافحة رابين لعرفات، ولا الأمل المكبوت في العبارات شبه التوراتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، المقل عادة في الكلام، ولم يفت أحد التأثر بالمسار الطويل والمتعرج لعرفات'

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق 'د.هنري كيسنجر'

لقد قضى عرفات حياته كلها منذ ولادته حتى استشهاده، في سبيل الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه ونيل الاستقلال على ترابه الوطني؛ فكانت فلسطين على موعد مستمر معه ومع ذاتها، لقد حمل في مسيرة حياته كلها فلسطين .. وطناً وقضية .. أملاً وهماً .. حملها والتصق بها إلى درجة صار فيها الاسمان مترادفين لسنوات طويلة .. إن ذكرت فلسطين .. ذُكر عرفات؛ وإن قلت عرفات عَرف العالم أجمع بأنك تعني فلسطين؛ لقد أنتج حالة فريدة لم يسبق لها مثيل حالة تعبر عن التصاق الجسد بالتاريخ والجغراقية؛ هذا ما عبر عنه  بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، والإسكندرية وأورشليم قائلاً:

'هذا الرجل ربط التاريخ والجغرافيا بجسده فكان هو وحبيبته فلسطين وجهي عملة، خبأ حبيبته بكوفيته وستبقى رمزاً إلى أن تتحرر الحبيبة؛ لقد كان أبو عمار قضية في رجل، وهو إن رحل إلا أنها باقية في ضمائر الفلسطينيين ويا ليتها تبقى حية أيضا في ضمائر العرب'

'غريغوريوس الثالث'

بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، والإسكندرية وأورشليم

رابعاً : نضال من أجل الحرية والسيادة الوطنية .

حمل عرفات قضيته إلى كل مكان مدافعاً عن حقوق شعبه واهباً حياته من أجل وطنه مناضلاً من أجل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس؛ لقد عاش ومات من أجل حصول الشعب الفلسطيني على الحرية في هذا السياق تحدث الرئيس البرازيلي قائلاً :

' عرفات واحد من زعماء القرن الماضي والقرن الحالي عاش ومات في سبيل الحرية'

الرئيس البرازيلي 'لويزاينا سيولولا داسيلفا'

لقد ناضل عرفات بضراوة للحصول على الحرية والاستقلال؛ وعمل بشكلٍ كرس فيه الكيانية والاستقلالية الفلسطينية من خلال 'حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية'، لقد خاض معركة القرار المستقل وسعى جاهداً لتجسيد الهوية والسيادة الوطنية واقعاً عملياً؛ لذلك كثيراً ما تحدث الساسة والزعماء بأن عرفات أول من سعى لتجسيد السيادة الوطنية الفلسطينية :

 ' عرفات ناضل لسنين طويلة من أجل رغبة الأمة الفلسطينية بالحصول على الهوية والسيادة'

الرئيس اليوناني 'قسطنطين بوليس'

 

خامساً : أعاد فلسطين لجدول أعمال المجتمع الدولي.

تمكن عرفات من إعادة فلسطين وقضيتها للوعي الانساني ولخارطة السياسة الدولية؛ وحولها من قضية لاجئين إلى قضية أمة بمعناها الشامل؛ وتُوج ذلك بخطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1974 الذي أكد فيه أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني من الاستعمار والاضطهاد؛ في هذا السياق يعتبره الكثير من الساسة والزعماء بأنه نجح في اعادة فلسطين لسلم أولويات المجتمع الدولي؛ في هذا الإطار تحدث 'نلسون مانديلا' قائلاً:

'كنت أتابع نشاطات الرئيس ياسر عرفات من غياهب سجني، وكم أثار اهتمامي بثباته ومثابرته؛ لقد آمن به شعبه وسار معه خطوة بخطوة، في السراء كما في الضراء.. فهو الذي وضع المسألة الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي، ونقل قضية شعبه من قضية لاجئين إلى قضية أمة بكامل المعنى.. لقد كانت حماسته وثقته لا تتزعزع، والتزامه بالكفاح من أجل إقامة الدولة الفلسطينية تشكل قيما رمزية في نظر الكثيرين في العالم..... سوف يبقى الرئيس عرفات إلى الأبد رمزا للبطولة بالنسبة لكل شعوب العالم التي تكافح من أجل العدالة والحرية'

'نلسون مانديلا'

خامساً : التمسك بالثوابت.

قيل في عرفات الكثير وسيقال، ولكن تبقى حقيقته الأساسية واضحة للفلسطينين وللعالم أجمع وهي : وفائه للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة، لقد كان مرناً جداً في كل شيء إلا في تلك الثوابت؛ ولعل كامب ديفيد الثانية تؤشر لعدم تخلي عرفات عن الثوابت وتمسكه بها رغم ادراكه لكارثية النتائج المترتبة على ذلك من حيث المساس بحياته، وقد عبر الرئيس الأمريكي السابق عن ذلك بقوله :

' قلت له : لقد خسرتم فرصة في 1948 وأخرى في 1978 (قمة كامب ديفيد الأولى) وها انتم تعيدون الكرة ( في قمة كامب ديفيد الثانية 2000) لن تحصلوا على دولة، وستتوقف العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بالفلسطينيين ... وقبل ان أغادر الرئاسة، وخلال مكالماتنا الأخيرة شكرني عرفات على الجهود التي بذلتها وقال لي أنت رجل عظيم، أجبته قائلا : سيدي الرئيس لست برجل عظيم، لقد أخفقت، وأنا مدين لك بذلك' وبلغته قائلا بان موقفه كان الطريقة المثلى لانتخاب شارون وبأنه سيعض أصابعه ندما'

الرئيس الأمريكي السابق 'بيل كلينتون'

لم يفقد عرفات هدفه الاستراتيجي على الاطلاق ' القدس واللاجئين والدولة' رغم الصعوبات التي واجهها، هذا ما تلمسه 'موشيه يعلون' في كتابه 'درب طويل قصير' الذي خَلُصَ فيه إلى :

'عرفات ظل زاهداً ولم تعنه حياة الرخاء، مكرسا ذاته للقضية بشكل مطلق لا يمكن إلا أن تحترمه لأنه لم يفقد صلة العين بهدفه الاستراتيجي الأعلى طوال مسيرته حتى عندما انشغل بقضايا يومية عابرة'

'موشيه يعلون'

كتابه 'درب طويل قصير' 2008

ورغم اقرار عرفات بوجود دولة اسرائيل إلا أنه مؤمن بحق الفلسطينين بإقامة دولة على كامل التراب الفسطيني وعاصمتها القدس يعيش فيها كل الفلسطينيين من مختلف الديانات، هذا ما عبر عنه 'أمنون كابليوك' في كتابه 'عرفات الذي لا يقهر' قائلاً:

 'حتى بعد أن قَبِلَ عرفات عام 1988 بوجود دولة إسرائيل، سيبقى عرفات يردد أمنيته بإقامة دولة ديمقراطية على كامل الأرض الفلسطينية - التي يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود – تتم إقامتها سلميا'

'أمنون كابليوك'

في كتابه 'عرفات الذي لا يقهر'

****

عرفات: ليس مجرد ثائر

بقلم / د. سليم محمد الزعنون.

« لقد كان عرفات يتمتع بشخصية محببة؛ وحياة داخلية غنية وكنوز من الحساسية؛ لقد كان مليونيرا من حيث ما يمتلكه من هذه الصفات كلها».

ايزابيل بيزانو؛ "ياسر عرفات.. من القلب هوى فلسطين"؛ 2010.

كُتب الكثير عن ياسر عرفات، بعض هذه الكتابات طغى عليها البعد التاريخي، والبعض الأخر ركز عليه كثائر وزعيم وقائد للشعب الفلسطيني ومثال للبطولة والفداء والتضحية بوصفه حمل القضية الفلسطينية حتى وفاته، وبالرغم من وفرة الكتابات عن عرفات؛ قلة هي الكتابات التي تتناول المراحل والجوانب الانسانية في سيرته وفكره؛ وكذلك مساهمته في الدفاع عن القيم العالمية "الحرية والانسانية والعدلة".

  • منظوران في قراءة العرفاتية

يتوقف ادراك العرفاتية على المنظور الذي يستخدم في قرائتها؛ ويمكن تحديد منظورين في فهم العرفاتية:

  1. يرى المنظور الأول في العرفاتية نهجاً سياسياً ونظرية ثورية ملهمه لشعوب العالم.
  2. أما المنظور الآخر فيقوم على قراءة العرفاتية من الزاوية الانسانية.

أولاً / العرفاتية نهجاً سياسياً ونظرية ثورية.

لقد أرسى عرفات قواعد منهجاً سياسياً ونظرية ثورية زاوجت بين العديد من المتناقضات وجمعت بين العمل الثوري والسياسي؛ لقد خاض نضالاً استمر أكثر من 40 عاماً، مارس فيها الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، والدبلوماسية والعمل السياسي والإعلامي؛ عمل مقاتلا على جبهة الأعداء من أجل تحرير فلسطين، وعلى جبهة الأصدقاء سار بين الأشواك متجنبا الألغام في ظل السياسات والمصالح العربية والإقليمية والعالمية المتناقضة، ولم يستطع أحداً من زعماء العالم وساسته أن يتنكر للمشوار النضالي والسياسي الطويل الذي رسم معالمه عرفات.

يعتبر عرفات مفجر الثورة الفلسطينية ومجدد الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة؛ وناضل بضراوة للحصول على الحرية والاستقلال؛ وعمل بشكلٍ كرس فيه الكيانية والاستقلالية الفلسطينية من خلال "حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية"، لقد خاض معركة القرار المستقل وسعى جاهداً لتجسيد الهوية والسيادة الوطنية واقعاً عملياً؛ وتمكن من إعادة فلسطين وقضيتها للوعي الانساني ولخارطة السياسة الدولية؛ وحولها من قضية لاجئين إلى قضية أمة بمعناها الشامل؛ ولم يفقد هدفه الاستراتيجي على الاطلاق " القدس واللاجئين والدولة " رغم الصعوبات التي واجهها، وتمكن من أن يتحول من رجل صنع ثورة إلى رجل يؤسس لدولة ويقيم أول سلطة فلسطينية في التاريخ؛ بما جعله لاعباً سياسياً من طرازٍ رفيع في السياسة الشرق أوسطية والعالمية؛ ما دفع الكثير من السياسيين لوصفه على أنه أحد أبرز الساسة العظام في العالم خلال القرن العشرين.

ثانياً / العرفاتية ممارسة انسانية وقيم عالمية.

  1. العرفاتية ممارسة انسانية.

 جميع المعلومات الوردة تحت هذا العنوان من كتاب ايزابيل بيزانو؛ "ياسر عرفات.. من القلب هوى فلسطين"

ولد عرفات في 4 أغسطس/آب من عام 1929 في المنزل الحجري الكبير في حي الفخرية بالقدس القديمة، وتصادفت سنة ولادته مع حملة قمع شديدة كانت تقوم بها الشرطة البريطانية في فلسطين؛ كان والده  يتنقّل آنذاك باستمرار بين القدس وغزّة والقاهرة حيث كان قد ورث في العاصمة المصرية ثروة كبيرة في حي العباسية بالموقع الذي تقوم فيه الآن جامعة عين شمس .

لقد عرف ياسر عرفات طفوله «حزينة» انتقل خلالها من القدس إلى القاهرة حيث توفيت أمه عام 1933 بمرض كلوي وهو لا يزال في سنواته الأولى؛ فعاد مع أخيه فتحي للعيش في كنف خالهما بمدينة القدس، قبل العودة إلى القاهرة من جديد عام 1937. لعبت أخته أنعام عرفات دوراً بارزاً في رعايته وتربيته ومثّلت شخصية أساسية أخرى في حياته؛ كان أبو عمار يطلق عليها تسمية «الجنرال» وهي تسمية تناسبها جيّدا بثيابها السوداء التي لم تفارقها. وهي " انعام" تروي عنه أنه كان يمارس دور القائد العسكري مع أطفال الحي الذين كانوا يطيعونه؛ وكان «التدريب» يستمر إلى أن تأتي الأخت أنعام كي تقود «الضابط» عنوة إلى داخل المنزل كي ينال عقابه، خاصة أنه كان يأخذ باستمرار «طناجر» المنزل كي يستخدمها «جنوده» مثل «خوذات» عسكرية، وتضيف «أراد أبو عمار أن يكون دائما هو القائد، وحتى عندما كان يلعب كان يعطي الأوامر؛ وكان يقتسم مع الجميع كل شيء حتى قطعة الحلوى؛ لم يكن يفكّر أبدا بنفسه؛ وبعد ظهر ذات يوم كنت قد اشتريت له ولفتحي ثيابا جديدة فأظهر ياسر غضبا شديدا ورفض أن يلبس ما اشتريته له طالما أن جميع أطفال الحي الفقراء لا يمتلكون هم أيضا ثيابا جديدة. والأمر نفسه بالنسبة للأحذية».

كانت طفولته، كما تصفها المؤلفة، هي طفولة «جريحة»، فبعد وفاة والدته كانت زوجة والده الجديدة قاسية الطباع، ولم تكن تريد الاهتمام بأطفاله من زواجه الأول، كما روى أبو عمار للمؤلفة. هكذا انتقل ياسر في الرابعة من عمره وأخوه فتحي، في الثانية من العمر، للعيش عند خالهما سليم ابو السعود الذي أصبح بمثابة «مرشده الروحي». وهو الذي زرع لديه أفكار معاداة الاستعمار والقومية العربية.  وبعد طلاق والده من زوجته الثانية وزواجه بثالثة أحس ياسر أنه تلقى ضربة خنجر جديدة؛ وهذا ما عبّر عنه صديقه صلاح خلف بالقول: «كانت زيجات والده تجربة قاسية ومؤلمة بالنسبة إليه، وعنصرا لخلل توازنه العاطفي».

ثم انتسب ياسر عرفات وأخوه فتحي إلى «معهد فاروق»، باسم ملك مصر آنذاك. وتنقل المؤلفة عن حارسة البناية العجوز التي كان يسكن فيها مع أسرته قوله: «كان ياسر طفلا لا يتوقف عن الحركة وفي غاية النشاط. ومن أجل الخروج بسرعة أكبر من المنزل كان يقفز من النافذة إلى الحديقة.

  1.  العرفاتية قيم عالمية.

لقد تضمن الخطاب السياسي لياسر عرفات العديد من العبارات ذات الصلة بالقيم العالمية؛ أن بعض المفردات مثل حق العودة؛ وحق تقرير المصير؛ والحق في السيادة والاستقلال والعيش بسلام؛ والحق في المقاومة للشعوب التي تخضع للاحتلال؛ لهي من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي كفلتها الشرائع السماوية والدولية؛  إن تحليل الخطاب السياسي لعرفات في العديد من المناسبات مثل

  • خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 13/11/1974.
  •  خطاب أثناء إعلان الاستقلال الصادرة يوم 15 تشرين ثاني 1988 في الجزائر.
  •  خطاب اجتماع القمة العربية / الدورة العادية الثالثة عشر المنعقدة في 27- 28 /3/2001 في عمان / الأردن .
  •  خطاب أمام لجنة القدس 2002.
  •  خطاب إلى الشعب الفلسطيني والعالم لمناسبة الذكرى ال38 لانطلاقة الثورة والعام الجديد 2003.
  •  خطاب عبر الفيديو إلى القمة العربية ال15 في البحرين 2003|.
  •  خطاب أمام مؤتمر القمة العربية السادسة عشرة في تونس22/5/2004 .

يؤشر الى  هذه المفردات بشكل واضح وصريح؛ بالمحصلة فإن عرفات لم يكن مجرد ثائر أنتج منهجاً سياسياً ونظرية ثورية فحسب؛  بل كان ايضاً انساناً مدافعاً عن قيم الحرية والعدالة وخقوق الانسان.

******

قبل الذكرى .. الألم

ناصر عطاالله

 

جيلنا يذكره ، ولا زال يتوسع في تأملات عينيه ، من قمم الحلم الذي لبسه ، ومشى فيه إرادة كاملة التغلغل في الإنسان الفلسطيني ، من عينيه كنا نعرف التحدي ، كما نعرف معاني شجرة البرتقال عندما تسقط تحت جنزير دبابة ، وكنا نعهده صلباً بما يكفي لنقف من خلفه ، بهامات عالية ، مهما سطت وطغت جبروت المحتل ، بل كان له في ذلك مرتكزاً ليقول للشعب وخارجه أنه يقاتل عدواً غير اعتيادي ، في ظروف غير اعتيادية ، برجال غير عاديين ، قاهرون لكل من يريد أن يحطّ من قدرهم أو أن يقترب من حلمهم الكبير " فلسطين".

 

ياسر عرفات .. المناضل أبن الخنادق من  الكرامة إلى بيروت مروراً بقلب كل فلسطيني اشتاق إلى حقه وعودته إلى طيره وبئره في بلاده ، رسم لأجيالٍ مفردات النضال الوطني ، ووزع الدليل على كل رضيع وامرأة ، وشاب وكهل واثق بالغد ، ليصل بهم الى حلمهم المعهود ، كان المصافح للقاتل ولكن نظرات عيونه تقاتله ، وعرق جسده يذّكره أنه أبن القدس مهما ابتسم ، وحقه لن يضيع مهما غيبته مقابر الدنيا ، ولم يطوي حقه لبرود الخنوع ولا ثلاجة الموتى ، بل ناضل من كم ثوبه الكاكي المهتريء ليقول عن بعد قريب لضريح صلاح الدين في الأقصى أنني في الجوار فأنتظر الروح تعرج ، لتحطّ عندك ونكون اثنان في الفتح وواحد في الوعد.

 

ياسر عرفات .. الرئيس لا الكرسي أقنعه ولا البساط الأحمر اغراه ليكون عبداً ذليلاً خارج عهده وقسمه ، بل ذهبت به المراتب والمسميات الى اسماها فكان الشهيد ، وما بين رئاسته وشهادته سنوات من التحدي السمان ، والرياح الغلاظ ، ولكن شجر السرو يدّرب زغاب الطير على الصمود ، وكان الصمود ذاته في براري العزلة والحصار والتآمر من القريب والبعيد ، ولذا سجله التاريخ رئيساً مناضلاً وطريداً عنيداً ، حتى كانت له الشهادة وكان الشهيد .

 

ياسر عرفات والشعب كل الشعب اليوم ينظر إلى رحيلك ومثواك ماثل أمامه في حيرة ، ليفجّر على شاهد قبرك السؤال الكبير ، كيف استطعت أن تبقى شعبك موحداً وواحداً في وجه عدوه ؟

 

يكفي أنك خرجت من عناقيد الريح الى بساط الرياح لتسبح بروحك في القدس وأخواتها ، وأنت تنتظر من اتعبهم المشوار ، وأدمتهم المشاوير، في درب مال واعوج عن حلمك ، ليفرخ أحلاماً متطفلة كثيرة ، ما كانت في عهدك ، اليوم ننتظر أن يقبل بعضنا البعض ، أو يقنع بعضنا البعض أن الحلم ينحل أمامنا ، وأن البئر البعيدة أصبحت أبعد ببعدنا عن الطريق اليها ، وانشغالنا بتجريح الخارطة وتكسير البوصلة ، ونحن  نلعب في أعمارنا خارج التحدي الحقيقي ، ونتحدى عجزنا بأن نعود كما كنا موحدين تحت الطائرة المقاتلة وأمام المجندة الخبيثة ، كما أننا هنا كنباتات طارئة تنتظر أخر شهرها لترتوي وحسب ، لا تزيد ولا تنقص من الانتظار ، وأخرون مثلنا يحملون أعمارهم بعيداً عن الحلم ، ليصطادوا كوابيسهم في أرض التيه ، واليوم نحن لسنا كما كنا أيامك نعبر النهر ونتخطى السماء لكي نصل الى الفردوس المعهود ، لا بل نحن اليوم نقفز في الهواء لكي يقبل أحدنا بالأخر ونتجاور في البيت والشارع والفكرة ، لسنا أكثر من رحى في مطاحن الهوى .

 

ياأيها الشهيد الحى فينا والذاكرة تدرس الماضي ولا نعتبر ، نم ولا نقول لك قرير العين فلا شيء لدينا لكي نفرشه على ضريحك وتقر به عينك ، ولكننا نقول أن حلمك لا زال يمشي في أرواحنا ، ويسبح في قلوبنا ، وإننا اليه لسائرون ، والحلم حلمنا لطالما بقينا وبقيت فلسطين.

 

لروحك السلام

 

*****

عرفات شهيد ليلة القدر

ياسر ولويل

بكتك النساء والاطفال والشيوخ والرجال الرجال... بكتك السهول الخضر والروابي والانهار والبحار ورؤوس الجبال... يبكيك الشجر والحجر والطير يا صانع الابطال.. يبكيك الصليب والهلال .. بكتك احراش المنافي وقلاع الصمود الاسطوري في الاغوار .. بكتك الخنادق وفوهات البنادق واغصان الزيتون وكل المنابر.
في يوم ميلادك العظيم يا سيدي اشرقت معجزة تمثلت في بشر كان بكل المقاييس طفرة لا مثيل لها.. هو القائد الخالد الوالد رمز النضال الكوني كله .. وبوصلة لكل من اراد الحريه.. مفخرة تاريخنا ابو عمار رضي الله عنه.
ولقد قلنا رضي الله عنه ليس من باب العبثيه ولا من باب التقديس الاعمى بل لأنه استحقها وبكل جداره هذا الرجل الذي وحين اقدم على مشروعه التحرري ما كان له من سند الا رب العزه سبحانه وتعالى وبعض الاخوه من ذوي الارادة الصلبه ... فهو ما صار قائدا قادما الينا على ظهر دبابة دولة فلان.. ولا هو مدعوم وتم تلميعه من خلال استخبارات علان.
ولمن لا يعلم فان هذا الرجل العملاق هو من اهل التقوى بكل ما تعني هذه الكلمه ... ولكنه ولما اقتضته مصلحة وطنه وشعبه كان يظهر غير ذلك ... على العكس من كل المرجفين الذين يلبسون الدين قناعا وهم في باطنهم يفعلون ما يخجل ابليس عن فعله.
ولد الشهيد ابو عمار رضي الله عنه بزاوية جده لأمه الشيخ الورع محمد ابو السعود وهي ملتصقه بالمسجد الاقصى المبارك.. فكان هذا اول ارهاصات هذه الولاده النادره في تاريخ البشريه بكل المقاييس.
فكان يوم الرابع من آب 1929 حيث ثورة البراق .. وبهذا التاريخ اقدم الجيش البريطاني على اعدام ثلاثة من ابطالنا هم .. الشهيد البطل محمد جمجوم .. والشهيد البطل عطا الزير.. والشهيد البطل فؤاد حجازي.. الاحياء عند ربهم .. والاحياء في قلوبنا حتى هذا اليوم والى ما شاء الله.
وبسبب ارتقائهم شهداء تفجرت ثورات فلسطينيه متتاليه على الانتداب البريطاني اختتمت باضراب 1936 الشهير .. وهذا ارهاص ثالث واكب ولادته رضي الله عنه.

واعمامه وعلى نفقتهم الخاصه قدموا للعالم الاسلامي وبمناسبة ولادته ما اصطلح عليه بالمصحف العثماني نسبة للحافظ عثمان.
وكأن كل هذه الاحداث اجتمعت لتشير الى اهمية الحدث عن ولادة رجل قال فيه الاخ عدنان ابو جابر وزير الخارجيه الاردني الاسبق انه ومنذ هدم الخلافه منذ 100 عام ولمئة عام قادمه حسب توقعي لم يحظى العالم الاسلامي برجل شبيه ولا مثيل بابي عمار .
وقال فيه الرفيق المناضل احمد جبريل .. صحيح اننا كنا نختلف معه ولكننا يوما لم نختلف عليه.
وكما ذكر الأخ المجاهد رمضان شلح .. ان روح الشهيد ارتقت الى العلى راضية مرضيه فانه يكفيه فخرا انه لاقى ربه مغضوبا عليه من المغضوب عليهم.
وقال فيه الرفيق الراحل حكيم الثوره الفلسطينيه الدكتور جورج حبش .. لو خيرت بزعيم للثوره لم يكن فيها ابو عمار .. لاخترت ابا عمار.
ولقد عرفناه .. فكان والدا لا يماثله والد حتى في النسب .. فلكثرة ما راينا من حنانه كنا نظنه لا يحارب.. فكان يبدو وكانه رجل مكون جسمه فقط من قلب.. وعند النفير كان اسدا' لايطاوله اسد ... حتى كنا نظن جسده خاليا' من أي قلب.
وتحدثوا عن أي صفة للبشر ستجدونه لا يطاول... لا ذكاء' ولا خبرة' ولا حنكة' ولا جرأة' ولا دهاء' ولا طيبة'.فمن أي ناحيه ومن أي زاويه ترى دائما عملاقا' اضخم من كل شيء.
فكان ابدا' قمة في العظمة في حياته الدنيا .. كما كان بذات العظمه يوم ارتقائه ... شهيدا' ... شهيدا' شهيدا'.
فيوم ارتقائه في ليلة القدر كان عرسا' دوليا'فمراسم الوداع الفرنسيه لم يشهد لها مثيل الا لكبار عظماء العالم.. وفي القاهره قلب العروبة النابض والتي بها ومن خلال بطولات ابناء الشعب المصري الشقيق في تصديهم للعدوان الثلاثي كجيش وابناء شعب في تلاحم عظيم استلهم رمز نضالنا ابو عمار بدايات فكرة الثوره الفلسطينيه مستنبطا' ان ارادة الشعب الحر لا تكسرها ارادة دول كبرى.
وكان يتمنى رضي الله عنه ان تكون نهايته على يد عدوه وعدو الله والاديان وان تكون في الاواخر من رمضان ... ولقد فارق هذه الدنيا اكلينيكيا فعلا في الاواخر من رمضان فكانت له اذ صدق الله فصدقه.
وانتهت بامواج من البشر في رام الله حارسة الاقصى والحضن الدافىء للشرعية الفلسطينيه والذين تدفقوا لوداع والدهم وقائدهم ورمزهم .. حيث لم يتمكن احد من ان يسجي جسده الطاهر الى مثواه الاخير قبل الساعه الثالثه من فجرعيد الفطر .. فشيعوه فدائيا ثائرا كما اراد.

لن يسعنا المجال في هذه الذكرى ان نتحدث عن شخصه واسرته ومسيرته في الثوره التي احالتنا من مذلة اللاجئين الى عزة المقاتلين والتي من خلالها صرنا نحن من نصنع الحدث لا ان تبنى افعالنا على ردة الفعل كما كان الامر قبل عهده.
ولن يسعنا ايضا الحديث عن علاقاته الدوليه التي مكنتنا من ان نقيم علاقات ومفوضيات وسفارات تبلغ في تعدادها ضعفي ما لدى اسرائيل واننا المنظمه الوحيده التي قبلت عضويتها في الامم المتحده وهي بالعاده لا تقبل في عضويتها الا الدول ذات السياده.. ويكفي ان تعلموا وفي كل ارجاء الكرة الارضيه اننا كنا نعرف على انفسنا ووطننا من خلال كوفيته.والى يومنا هذا وحتى بعد فراقه هذه الدنيا.
واما عن علاقاته الوطنيه فكان الاب والاخ والصديق للجميع والشاهد على ذلك حميمية العلاقه بالشهيد الشيخ المجاهد احمد ياسين رحمه الله.. وكافة قادة العمل الوطني.
فيا ابناء شعبنا الفلسطيني البطل ... هل من مقتد فينا بامثال هؤلاء القادة العظام؟؟؟.انني لا اتصور ان يدعي احدا' حرصا ' على فلسطين وبذات الوقت يخالف نهج قادته ورموز نضاله.. انني لفي شك من ذلك مريب.
فالوحدة الوحده يا ابناء شعبنا كما ارادها ختيارنا ... زعيم حركات التحرر في العالم .. وكما ارادها الياسين وشلح وجبريل وحكيم الثوره.

*******