نحن العرب لدينا قضايا متشابكة ومعقدة بيننا، وبين الأطراف الخارجية، والغريب في مفاوضاتنا ولقاءاتنا العربية أننا نتحول إلى أسود تجاه بعضنا، نسبّ ونقاطع ونغلق الحدود، ولا نعرف أن أبجديات الحوار تُبنى على الحجة والمصلحة، ولذلك تفاقمت خلافاتنا إلى حدود القطيعة، وعندما تبحث عن السبب تجد إما أنه شخصي لإصدار أحكام مسبقة على المقابل سواء أكان رئيس دولة أم شخصية ثالثة تبحث أموراً اقتصادية أو أمنية، ولذلك جاء تمزّق هذه الأمة من قياداتها أياً كان حجمها، وليس من مواطنيها الذين لا نجد بينهم هذه الحساسيات المفرطة في خلق النزاعات وتبنيها كقاعدة ثابتة في أي جدلية..
في المقابل نجد الوفود واللقاءات مع القوى الأجنبية الكبرى، تتخذ شكل المبالغة في التهذيب، وانتقاء الكلمات والكرم المطلق في الاستقبال والتوديع والقناعة أن أوراق الحلول، كما هي كمسلّمات ثابتة، أن تلك الدول هي من يملك ٩٩٪ من أوراق الحلول، وهذا الضعف في الجانب العربي نجده في القضايا المصيرية الكبرى مثل المؤتمرات واللقاءات التي انعقدت باسم الحل للقضية الفلسطينية، فنرى أعضاء الوفود العربية يفضلون بلاغة اللغة والخطابة، على مضمون التقاء الكلمة مع الحق الواضح، حتى إن المفاوض العربي، أصبح جزءاً من ملهاة تدوير القضايا والدعوات التي لا ترفض، أو تعالج من منطق الدبلوماسية التي تفضل عدم التنازل عن القضية على نجاح المفاوضات، وحتى إسرائيل في مقابلة أي وفد دولي أو عربي، فهي المنتصر في النهاية لأنها تجيد مهارة المناورة، وطرح النقاط القابلة للتفسير بأكثر من اتجاه، بينما العربي ملهم بترديد الشعارات، والفصل بين ما هو عدو وصديق، وإطلاق الأحكام، حتى لو كانت ثقافة الحوار تتطلب عنصر قوة الحجة مع مهارة الرد بالوثائق والمعلومة الصحيحة، واتخاذ أسلوب توظيف الإمكانات العربية مقابل المزايدات والمساومات مع الطرف الآخر، وبذلك خسرنا قضايانا، ولازال الاستنزاف مستمراً؛ لأن القضية الأساسية والمحورية نحوّلها بقدرة قادر إلى ثانوية أو تُقصى لما هو خارج الأهداف الوطنية أو القومية..
منذ ثورة الخميني لم تنقطع حبال الود بين أمريكا وإيران من جهة، ولا مع إسرائيل وهناك لقاءات على كل المستويات مباشرة وغير مباشرة، لكن المفاوض الإيراني عرف كيف يأخذ بالنفس الطويل، ولا يستعجل النتائج حتى بوجود ضغط اقتصادي وسياسي، لأنه قرأ نفسية وتوجّه الطرف المقابل واستطاع تحليله سكيولوجياً وتحضير الرد بقراءة دقيقة لما يريد، بما فيها الرد بما يفند وجهة نظر الخصم؛ ولذلك كسب الرهان حتى في بعض التنازلات مع أمريكا دول حلف الأطلسي، ولعلنا نتذكر ما جرى بين مبعوثة فيتنام ووزير خارجية أمريكا كيسنجر الذي يعتبر مدرسة الدبلوماسية الميكافيلية، ولكنه ووجه بخصم ليس لديه أي حد من التنازلات سواء العسكرية أو السياسية لتنتزع أهم اتفاق جعل أمريكا تقر بهزيمتها، وكثيرة هي الحوادث المباشرة وأقربها انتصار الروس على الأمريكان في المسألة السورية؛ لأن المفاوض الروسي كان يملك الضغط الدبلوماسي والأجوبة عن الأسئلة الأمريكية، وتقسيط التنازلات وتحويل مجراها إلى اتفاقات ترضي المقابل ودون ضعف بالموقف..
العربي لا تنقصه الثقافة والحجة، ولكن ينقصه الموقف الذي يضعه في ميزان التساوي مع الخصم حتى إنه إذا وجد من يملك الدليل واحترافية الحوار، فإننا نجد الدولة المقابلة تريد إبعاده من الوفد، وهي الصيغة المثلى للاستسلام بدون شروط أو حلول.