أسباب المعاناة الإقتصادية العربية

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج

عانت معظم الدول العربية من الأزمات الإقتصادية المتقادمة، ووصلت أوجها بالأزمة الإقتصادية العالمية، ودنت بعض هذه الدول من حد الإختناق الإقتصادي، بل وقفت بعضها على حافة الإنهيار، وساعدها ظرفها السياسي وحساسية موقعها الجغرافي على حفظ اقتصادها من التدهور والإنهيار، ومما لا شك فيه أن الهيمنة الإقتصادية الأمريكية وما يتبعها من مؤسسات إقتصادية عالمية، وعلى رأسها البنك الدولي كانت العامل المهم والأساس في تلك المعاناة. وكانت هذه المعاناة الإقتصادية بمثابة الشرارة التي أشعلت ما يسمى بالربيع العربي على دمّلٍ متقيحٍ من الفساد الإداري المستشري الناجم عن العقم السياسي الشمولي للأنظمة الحاكمة. وذلك على الرغم من كنوزٍ الموارد والخيرات التي تزخر بها الجغرافية والجيولوجيا العربية على إمتدادها في قارتي آسيا وأفريقيا. والأسباب في ذلك متعددة ومتشعبة علنا نضع أصابعنا على بعض جراحاتها:
ولو شبهنا تلك الأسباب بشجرة، لكان هنالك سبباً جذرياً وأسباباً فرعية تغذت من هذا الجذر وتفرعت عنه في كل الأنحاء، وما زالت تتغذى عليه الى يومنا هذا، وقد عجزت الأمة عن تفهم موضع هذا الجذر الخبيث وعن وضع خطة لاقتلاعه والخلاص منه وبالتالي الخلاص من أزماتها السياسية والإقتصادية تماماً كما فعلت الأمم الأخرى التي كانت تشاركنا نفس الهموم، ونهضت من كبواتها، ووقفت على أرجلها تقاوم وتصارع حتى نالت وحققت أهدافها كاليابان وألمانيا قديماً، وكالصين والهند وايران وكوريا وماليزيا وأندونيسيا وفيتنام حديثاً، والتي لا تملك الموارد التي نملكها. ونتساوى معها في امتلاك العقول القادرة على الإبداع والإبتكار والتنمية والنهوض.
• (السبب الجذري)= لقد غرس المستعمرون بذور شجرتين خبيثتين في أرضنا العربية، الآولى شجرة سايكس بيكو والتي تثمر ثماراً كالزقوم نتغذى عليها، فتبعث في أجسادنا نوازع الفرقة والفتنة، حيث قسمت الوطن العربي الكبير الى كيانات متعددة، تفتقر الى مقومات الكيانات الوطنية القوية، التي تحفظ لمواطنيها الأمن والأمان والعيش الكريم. تقسيمات خبيثة تفصل الكيانات ذات الكثافة السكانية العالية عن آفاق التواصل مع العالم الخارجي، فأخذت البحر وعزلته بكيانات صغيرة وذات كثافة سكانية قليلة. وباختصار تقسيمات تتناسب مع استمرار سيطرتها على المنطقة. ومنحت الإستقلال المجزأ لأنظمة قائمة على التعصب القبلي والحزبي. وأصبح هم الأنظمة المحافظة على استمراريتها بدلاً من الحفاظ على أوطانها ومواطنيها، وتناحرت هذه الأنظمة فيما بينها. وظلت بحاجة الى الحماية من تغول بعضها على بعض، فبذلك تبقى بحاجة الى الدعم الخارجي الإقتصادي والأمني والعسكري والسياسي. وحتى تكتمل المؤامرة بكل جوانبها، زرع المستعمرون شجرة خبيثة في خاصرة الأمة، تفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا:
وهي شجرة الكيان الصهيوني وأوكلت اليها وظيفة تغذية عوامل الفرقة والإنقسام،والتلاقح مع شجرة سايكس بيكو، لتفريخ أجنة سرطانية تعمل على تفتيت الأمة وشرذمتها، لتقديم خدمات الصيانة لمشاريعهم بالمنطقة بإثارة الفتن والحروب، وإشغال الأمة بمشاكل مفتعلة وإدخالها في صراعات بينية، وخلق العداوات الإقليمية لها، وزودوها بمقومات عسكرية تفوق مقومات الكيانات العربية مجتمعة، لتكون بمثابة السوسة التي تنخر الجسد العربي من المحيط الى الخليج. ليبقى نهباً لهم من أجل رفاهية شعوبهم على حساب فقرنا وجوعنا وفرقتنا. ولم يتوانَ هذا الكيان الوظيفي الغريب عن جسد الأمة مدعوماً بمستخدميه في ضرب كل بادرة عربية للنهوض والتنمية، ولم شمل الأمة على عوامل الوحدة التي لا تضاهيها كماً ونوعاً عوامل الوحدة لأي تجمع في العالم، وضرب وهدم مكامن القوة فيها، وترسيخ الجهل والفقر والتخلف. فقوة هذا الكيان غير المتجانس الذي يشبه الجزيرة في محيط هادر تكمن في ضعف هذا المحيط وتلاطم أمواجه مع بعضها البعض.فهو كيان يجمعه هاجس الأمن، ويعيش على إثارة خوف مواطنيه من الأعداء المحيطين به من كل اتجاه.
• (الأسباب الفرعية) = التبعية الإقتصادية والسياسية والعسكرية للقوى الخارجية المسيطرة نظراً لهشاشة الكيانات العربية المستحدثة وفقدانها لتكامل مواصفات الإستقلال الجيوسياسي، مما يؤدي الى الهيمنة الخارجية على القرار الوطني وعلى السيادة الوطنية، ووأد الإبداعات والإبتكارات الوطنية باتجاه التنمية الإقتصادية، وخير مثال على ذلك المساعدات الأمريكية المقدمة للكيانات العربية لترقيع ميزانياتها المهلهلة وذلك في إطار ما يسمى بالمال السياسي المشروط بصرفه فيما لا يتنافى مع سياسات المانح في المنطقة، والذي يسلب الإرادة الوطنية، ويتحكم بالقرار الوطني المستقل إنطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا. والتحكم بالسلع الإستراتيجية كالقمح الذي هو مصدر رغيف الخبز للمواطن. كما أن سلاح الدفاع الوطني للكيانات العربية يُقدم من المانح فيما لا يتعارض مع استراتيجياته وسياساته بالمنطقة. ونظراً لسيطرة النظام الرأسمالي الحر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الكيانات الدولية التي تسير في فلكها، فقد كفت الأنظمة الحاكمة يدها عن إدارة ومراقبة الموارد الإقتصادية للوطن، وعملت على خصخصتها وبيعها للمستثمرين الأجانب، وأطلقت يد رأس المال حرة طليقة تتلاعب بموارد الوطن دون رادع أو تدخل من النظام الحاكم، لا بل تحالف رأس المال مع النظام الحاكم وأصبح رأس المال يوجه القرار السياسي للبلد حسب مصالحه، مما نتج عنه تحالف رأس المال مع السلطة يداً واحدة ضد مصالح المواطنين، فتفشى الفساد الإداري والإقتصادي والسياسي، وأفرز طبقة مخملية لا تتجاوز نسبتها 10% من السكان كحد أقصى، تملك المال والثروة الطائلة وتملك القرار السياسي والإقتصادي للوطن. فذابت الطبقة الوسطى من المجتمعات العربية والتي هي الداعم والرافعة لنظام الحكم، وترسبت باتجاه الطبقة المسحوقة من المجتمع، وأصبح المجتمع مصنفاً الى طبقتين، طبقة قليلة صغيرة من خاصة الناس، سائدة بالسوط والمال في آفاق السماء، تدير الوطن بالريموت كنترول حسب أهوائها وباتجاه مصالحها، وطبقة واسعة كبيرة متنحية، هي عامة الناس تكدح على وجه الأرض ومن تحتها من أجل تحصيل رغيف الخبز، ونتج عن ذلك هوة واسعة بين تلك الطبقة المخملية الخاصة المكونة من رأس المال ومن رجالات السلطة ومفاتيحها وصناع القرار فيها، مما أوغل قلوب الطبقة العامة على الخاصة مع تراكمات الأسباب من غياب الحريات، وانعدام العدالة وموت المساواة، حتى وصلت الحالة الى الإنفجار، بداية من تونس وامتدت الى بقية الأوطان وانتشرت تعصف بالوطن العربي الكبير كانتشار النار بالهشيم.
كانت مصر تمد الإمبراطورية الفرعونية والعالم بالقمح والخيرات، وكانت الشام بسهولها ومياهها تشكل سلة الغذاء للإمبراطورية الرومانية، هذا عداك عن العراق بلد الزراعة والتمور والنفط والمعادن، يوم أن كانت بغداد عاصمة العالم ومركزاً للحكم فيه، وكذلك السودان بتضاريسه وأراضيه الشاسعة، والجزائر المترامية الأطراف والجزيرة العربية الشاسعة الأبعاد.كانت مصر تسبق كوريا والهند وايران في التنمية والتطور، وكانت الجزائر والعراق على وشك دخول حاضرة الدول النامية والخروج من حاضرة العالم الثالث. وأين مصر والعراق والجزائر وسوريا (مكامن وأعمدة القوة) في العالم العربي اليوم من الهند وايران وكوريا وغيرها.
على الأمة أن تتنبه لهاتين الشجرتين الخبيثتين، وأن تضع خطة استراتيجية طويلة المدى، مقرونة ببرنامج عمل لاقتلاعهما من الجذر، لا مانع من تعدد الكيانات والأوطان خضوعاً للأمر الواقع الذي فرضه المستعمرون ورسخناه بجهلنا وفرقتنا وتقاليدنا البالية التي لا تناسب العصر والتحضر، ولا بد من تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الشخصية الضيقة، وتفضيل أمن الوطن على أمن السلطة الحاكمة،وإن تم تطبيق هذه الأسس سنجد أنه لا بد من التنسيق الحكيم والتعاون على كل الصعد للوصول الى تكامل إقتصادي وسياسي، ولا بد من مد يد العون من الكيانات الغنية الى الفقيرة والتي أفقرها القدر وسوء الطالع بتقسيمات سايكس بيكو الخبيثة اللئيمة، وذلك لحفظ أمننا القومي العربي، من أجل العيش الكريم والأمن والأمان لشعوبنا للتغلب على مشاكلنا المستعصية على الحل ولا مستحيل إن توفرت الإرادة الصادقة والنية السليمة الخالصة.

11/11/2013 م