فلسطينيو سوريا ومرجل الغليان

بقلم: علي بدوان

تفاعل كل يوم مأساة فلسطينيي سوريا، وهي المأساة غير المرئية عند عموم الأطراف الفاعلة أو المطلة على تفاصيل ووقائع الأزمة الداخلية السورية، حيث بات فلسطينيو سوريا ومنذ أكثر من عام مضى أبرز الضحايا المنسيين في مرجل غليان الأزمة السورية. لقد ألقت الأزمة العامة في سوريا بظلالها الواسعة على عموم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين باتوا يتحسسون كل يوم أوجاع تلك الأزمة ومآسيها من جوانبها المختلفة، والتي لم توفرهم انطلاقاً من وجودهم في مجتمع انصهروا واندمجوا به بالرغم من خصوصيتهم الوطنية، ولم يكونوا في يومٍ من الأيام غُرباء عنه أو دُخلاء عليه، فُهم في نهاية المطاف نسيج واحد مع عموم أبناء المنطقة بالمعنى الاجتماعي السوسيولوجي والتاريخي، ففلسطين كانت على الدوام الاقليم الجنوبي من سوريا الطبيعية ومن تلك البلاد المسماة ببلاد الشام.

 

ولكن الجانب الآخر في الأمر، أن الخصوصية الوطنية الفلسطينية تبقى هي السائدة الآن، وستبقى كذلك تَطبُعُ حال الفلسطينيين في سوريا رغم مضي أكثر من «66» عاماً من وجودهم فوق الأرض السورية في مجتمع امتزجوا بحياة الناس فيه في العمل والزواج المتبادل وحتى في الهموم الوطنية العامة، حيث شارك الشبان السوريون بفعالية كبيرة في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة بعموم فصائلها وقواها الفدائية، وقد سقط الآلاف منهم في ميدان العمل الوطني الفلسطيني منذ العام 1965 .

 

 الحالة العامة لأزمة فلسطينيي سوريا تَطَرح العديد من الأسئلة والتساؤلات المتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً، واللاجئين الفلسطينيين في سوريا خصوصاً. ففلسطينيو سوريا كانوا الأكثر استقراراً وأمناً في اقامتهم المؤقتة من بين فلسطينيي الشتات، في ظل بلد عاشوا ومازالوا فيه في ظل مساواة تامة بالحقوق والواجبات تقريباً بينهم وبين المواطن السوري، وذلك منذ لجوئهم القسري لسوريا عام النكبة 1948 حين صدرت التشريعات السورية التي ساوت بينهم وبين المواطن السوري بالحقوق والواجبات بشكل عام، وخصوصاً منها المرسوم الرئاسي والمُصادق عليه بالاجماع من قبل البرلمان السوري الرقم «256» الصادر عام 1956 والموقع من قبل الرئيس السوري الأسبق الراحل شكري القوتلي. فلأول مرة، ومنذ عقود النكبة، بدا القلق، سيد الموقف عند عموم فلسطينيي سوريا، الذين لم يمروا في تاريخ وجودهم في البلد بأزمة شبيهة بما يجري الآن، فقد سقط منهم حتى تاريخه أوائل نوفمبر 2013 الجاري نحو «2000» شهيد في مسار الأزمة السورية، منهم نحو «600» شهيد من أبناء مخيم اليرموك وحده دون غيره من المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، ومازالت غالبيتهم وتحديداً من أبناء مخيمات «اليرموك، سبينه، حندرات، درعا، الحسينية ...» خارج بيوتهم ومنازلهم في مناطق شتات جديدة داخل سوريا وحتى خارجها في لبنان ومصر وتركيا وغيرها من البلدان. فيما تلوح بالأفق مؤشرات قوية تشي بوجود مشاريع اعادة تهجير أعداد منهم لعدد من الدول في أصقاع المعمورة ومنها أستراليا ونيوزلندا وكندا والدول الاسكندنافية وغيرها من البلدان، في سياق ما يجري منذ سنوات طويلة لشطب حق العودة وانهاء الوجود الفلسطيني الكبير نسبياً في دول الطوق كسوريا ولبنان. ومن بين المؤشرات المذكورة نلحظ التسهيل غير المباشر من قبل عدة أطراف للهجرات الأخيرة عبر القوارب على مياه البحر المتوسط لعدة آلاف من فلسطينيي سويا الذي وصل منهم لمملكة السويد وحدها دون غيرها نحو «25» ألف فلسطيني سوريا خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن قبول بعض السفارات الغربية في عدد من البلدان طلبات الهجرة من فلسطينيي سوريا وهو أمر كانت تلك السفارات ترفضه رفضاً قاطعاً في الماضي البعيد والقريب. فالعديد من سفارات بعض الدول في بيروت باتت تستقبل طلبات الهجرة، ومازال المئات من أبناء فلسطينيي سوريا ينتظرون الموافقة النهائية عليها. كذلك من بين تلك المؤشرات المعلومات غير البريئة التي تم تسريبها عبر أكثر من جهة أوربية «ولانستطيع أن نجزُمَ بشأن دقتها» عن مساع غربية وتحديداً أميركية وبريطانية تُبذل مع الأردن من أجل مده بدعم مالي كبير يصل نحو «22» مليار دولار لاستيعاب العدد الأكبر من فلسطينيي سوريا.

 

غياب المرجعيات التساؤلات المطروحة حول مستقبل فلسطينيي سوريا باتت الآن موضوعة وبشكل ساخن على جدول الحوارات والنقاشات بين الفلسطينيين السوريين ذاتهم في ظل مناخ سياسي مضطرب ومُتخم بالضبابية في سوريا، حيث تتخذ الأزمة الداخلية في البلاد مساراً لايستطيع أحد أن يتنبأ بشكل قاطع بما ستؤول اليه الأمور نهاية المطاف. فالأزمة السورية تعدت منذ شهورها الأولى الحالة الداخلية لتدخل في متاهات اقليمية ودولية، وهو أمر يزيد ويرفع من مستويات القلق عند عموم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين منذ العام 1948 فوق الأرض السورية.

 

الى ذلك، ان اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أصبحوا عملياً بلا مرجعية سياسية ملموسة، وقد تحللت غالبية الفصائل والقوى الفلسطينية الأساسية وغير الأساسية عن مسؤولياتها المطلوبة تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين يعيشون الآن أوضاعاً صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الوطنية في سوريا عليهم وعلى أحوالهم من جوانبها كافة خصوصاً في جانبيها الاقتصادي المعيشي والسياسي. الشارع الفلسطيني في سوريا يَصرخ كل يوم متسائلاً عن دور تلك القوى الفلسطينية في هذه الفترة بالذات حيث يعيش فلسطينيو سوريا لحظات حاسمة من تاريخ وجودهم المؤقت فوق الأرض السورية، فيما القلق يساور كل فرد منهم، بعد أن باتت الحالة الضبابية تسيطر على أوضاعهم بشكل عام وهي تحمل مؤشرات مخيفة لمستقبلهم في ظل تفاعلات الأزمة الداخلية السورية وتشظيها.

 

وعليه، وعلى ضوء تلك الصورة اياها، ضاعت المرجعية الفلسطينية المسؤولة في سوريا، وغاب معها الدور الجماعي التوافقي المسؤول عند عموم القوى والفصائل الموجودة تاريخياً بين التجمعات الفلسطينية في سوريا، ليحُلَ مكانه موقف الاجتهاد والتقرير من قبل بعض القوى دون غيرها عن المجموع العام، وفي هذا بات فلسطينيو سوريا كالأيتام. أخيراً، لا يلام المواطن الفلسطيني العادي في سوريا بالبحث عن الهجرة والهرب من شظف الحياة وترديها المريع ومن الهرب من الموت المجاني الى أصقاع المعمورة الأربعة، لكن بالمقابل ان من يساعد على تأزيم أوضاع فلسطينيي سوريا ولايساعد على حلها ويفتح الباب بالمساعدة على تهجيرهم الى خارج المنطقة بشكل عام، يسدي أجزل خدمة للكيان العبري الصهيوني، فليس هناك قضية مهما كانت نبيلة وعادلة اذا كان استحقاقها وثَمَنَها دمٌ فلسطينيٌّ يُراق، وشعبٌ لاجئ يشرَّد في تغريبة ونكبة جديدة لاندري أين ستكون خواتيمها.. سؤال الى جميع الأطراف دون استثناء في سوريا...؟