أستغرب .. استغراب القيادة والمفاوضين الفلسطينيين، الذين يحردون ويهددون بالاستقالة من طاقم المفاوضات مع إسرائيل، بحجة إعلان إسرائيل عن بناء وحدات سكنية في المستوطنات، إذ أنهم ذهبوا إلى هذه المفاوضات دون موافقة إسرائيل لا علي المرجعيات، ولا على وقف الاستيطان، ولا على إجراء المفاوضات وفقاً لحدود عام 1967، واليوم .. وبعد مرور ثلاثة شهور على المفاوضات يقولون بأن المفاوضات لم تُحقق أي تقدم، صحيح أن هناك شعوراً بالإحباط لدى المفاوض الفلسطيني، وحتى بين الفلسطينيين عامة، فتوقعات الفشل كانت معروفة قبل أن تبدأ المفاوضات، لأن إسرائيل مصرة على بحث الترتيبات الأمنية قبل بحث حدود الدولة الفلسطينية، وذلك بهدف اقتطاعها لمساحات واسعة من الضفة الغربية، إضافة إلى القدس، تحت مزاعم أمنية لا نهاية لها، حتى انها طلبت - في المفاوضات الجارية- اعتبار جدار الفصل العنصري الحدود الفلسطينية، وليس حدود 1967، فإسرائيل تعمل على تطويق نفسها بالجدران، بإقامة جدار آخر على حدود نهر الأردن، للاستيلاء على أراضي الأغوار، وعلى الجزء الفلسطيني من البحر الميت، وإقامتها لجدار مع الحدود المصرية، وآخر في هضبة الجولان، ولا نستبعد إقامتها جداراً على الحدود اللبنانية، ولو كانت صادقة في طروحها الأمنية لأقامت جدار الفصل العنصري مع الفلسطينيين داخل حدود الخط الأخضر وليس لتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، والسيطرة على الأراضي، وزرعها بالمستوطنات غير القانونية، فالأهداف الإسرائيلية واضحة ومعلنة، وزعمت في البداية أن هذا الجدار مؤقت لمنع العمليات الاستشهادية، واليوم تريد إدامته وهي تنشر يومياً في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مخططاتها، إذن لماذا الغضب والعجب والاستغراب الفلسطيني والاستمرار في المفاوضات؟.
لقد استغلت الحركة الصهيونية العالمية "الغيتوات" النازية، حيث وضعت اليهود بين الجدران، حسب قولهم، كذلك المحارق والتي استثمروها لإقامة الوطن اليهودي على حساب الفلسطينيين، كما عملت بشدة لهدم سور برلين العنصري، لكنها لم تتعلم بأن هذه الجدران ستهدم ذات يوم، واختارت نفس سياسة بناء الجدران، فجدار الفصل العنصري الذي أقيم داخل الأراضي الفلسطينية، قطع أوصال القرى وحاراتها ومزارعها، وبين العائلة الواحدة في تنقلاتهم ودمرت حياتهم، والهدف عدم إبقاء أراضٍ لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، والمضحك أكثر أن "نتنياهو" يتذرع بأن إقامة الجدار في الأغوار الفلسطينية جاء لخوفه من تدفق لاجئين سوريين من الأردن لإسرائيل، وهذا كذب وخداع، فوسائل الإعلام الإسرائيلية كانت قد كشفت عن إقامة هذا الجدار قبل الأزمة واللاجئين السوريين، مع أن هناك معاهدة سلام واتفاقاً أمنياً مستقراً بينها وبين الأردن.
المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين وصلت إلى طريق مسدود، والحقيقة أن الطريق مسدود، ولا وجود لآفاق للسلام حتى قبل بدء المحادثات، فآخر جلسة للمحادثات عقدت يوم الثلاثاء 5-11-2013، سادها التوتر والصراخ وتبادل الاتهامات بين طاقمي المفاوضات، حين حاول الجانب الإسرائيلي الربط بين إطلاق سراح الأسرى والبناء الاستيطاني تارة، وبين ادعاء "نتنياهو" بأن الاستيطان لا يهدد عملية السلام، والادعاء أن الجانب الفلسطيني كان على علم بأن البناء الاستيطاني سيتواصل وبكثافة، أما حقيقة الصراع-حسب "نتنياهو"- فهو عدم تقبل الفلسطينيين لقيام دولتين لشعبين، دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني ودولة إسرائيلية للشعب اليهودي، وهذا غير صحيح، ولكن لرفض الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، فادعاء "نتنياهو" باطل، ولو كان كلامه صحيحاً لحدد حدود الدولة الفلسطينية، بينما طرح الطاقم الإسرائيلي المفاوض اعتبار جدار الفصل العنصري أساساً للحدود، وليس حدود حزيران 1967.
لقد سجل الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" نجاحاً على الصعيد الدولي ووضع إسرائيل في عزلة واضحة، وحقق دولة مراقب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في الطريق إلى الاعتراف الكامل، وعضوية كاملة في اليونيسكو، لكنه لم ينجح في تحقيق شيء على الأرض، والعكس هو الصحيح، فالاستيطان وعدد المستوطنين في تزايد كبير، حتى أن "أبو مازن" اعترف في مقابلة إذاعية أنه "بعد كل جولات المحادثات لا يوجد شيء على الأرض"، فإسرائيل تعلن صباح مساء، بأنها ستستمر في البناء الاستيطاني، ومع ذلك يعلن الجانب الفلسطيني التزامه باستمرار المحادثات، مع أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كذلك الهيئات والفصائل الفلسطينية، عارضت العودة إلى المفاوضات دون وقف البناء الاستيطاني، ومع إجراء المفاوضات وفقاً لحدود عام 1967، وإسرائيل رفضت الالتزام بهذين الشرطين وقالت القيادة الفلسطينية أن هناك التزامات أميركية وليس إسرائيلية بذلك، إذن من يتحمل مسؤولية الفشل؟
ليس كل نفي صحيح، وليس كل ما هو صحيح يُقال، فإن رئيس طاقم المفاوضات "د. صائب عريقات" نفى تقديمه الاستقالة، واعتبرها أكاذيب إسرائيلية، لكن المعلومات الموثوقة أنه طلب الاستقالة، والرئيس رفضها بقوله:" لقد اتفقنا مع الأميركان تسعة شهور، وسنستمر خلال هذه المدة، فقد عقدت هيئة التفاوض أكثر من (15) جلسة خلال الشهور الثلاثة الماضية، وكل جلسة بين 3-4 ساعات، والجانب الإسرائيلي يصر على بحث الترتيبات الأمنية أولاً قبل تحديد حدود الدولة، مع أن الرئيس الفلسطيني أعلن بأن مواصلة الاستيطان ستؤدي إلى تفجير المفاوضات، وحسب مصدرغربي كبير -حسب "يديعوت احرونوت 5-11-2013"- فإن "نتنياهو" غير معني بالتوصل إلى اتفاق سلام، وحسب "معاريف 5-11-2013"، فإن الوزير "جون كيري"، فهم من خلال لقائه مع "نتنياهو" قبل أسبوعين في روما، أن الأخير غير معني بالتوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين.
في هذه الأثناء، تتواصل عمليات هدم المنازل-بل أحياء كاملة بحجم قرية في القدس الشرقية- وهدم المنازل في الضفة الغربية يتواصل، والكنيست يبحث مشروع قانون لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وتعديل الوضع القائم الذي يحظر على اليهود الصلاة في الأقصى، و"نتنياهو" مصر على السيطرة على الأغوار الفلسطينية، وهذه المرة بمزاعم للدفاع عن اتفاقية السلام، ولا نعرف مِنْ مَنْ، وفي بيان صدر عن مكتب "نتنياهو" جاء أن إسرائيل أوضحت للفلسطينيين –في المحادثات الجارية- بأن القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية وفقاً لحدود بلدية القدس الحالية، ونائب وزير الخارجية "زئيف إلكين" يقول بأن الفلسطينيين يعلمون أننا سنواصل البناء الاستيطاني، ووزير الإسكان "أوري أرئيل"، يقول لأعضاء البرلمان الفرنسي أن البناء الاستيطاني سيتواصل، وأن هذا بمعرفة رئيس السلطة الفلسطينية، وبالتنسيق معه، بل وأكثر فقد زعم بأن الاحتجاجات الفلسطينية نُسقت مع الجانب الإسرائيلي، وهذه أقوال خطيرة مردودة عليهم، وتتطلب الرد بطرق غير مسبوقة، ويعود هذا الوزير للربط بين إطلاق سراح الأسرى والاستيطان.
رئيس جهاز الشاباك والوزير السابق "يوفال ديسكين"- وفقاً لجريدة "يديعوت 1-11-2013"- قال أن الوضع الراهن خطير وسيؤدي إلى انفجار، ولمنع هذا الانفجار، يجب التوصل بسرعة إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وتحرير عدد كبير من الأسرى، فالإحباط والاستيطان واختفاء حلم الدولة، كذلك الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، يتطلب قيادة إسرائيلية جريئة، ذات تفكير إستراتيجي للخروج من الانفجار القادم، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي "يعقوب عميدور"-حسب "يديعوت 4-11-2013"- قال أن إسرائيل في أسوأ وضع منذ (40) عاماً، وأن فشل المفاوضات سيؤدي إلى فرض عقوبات على إسرائيل ويعزز مقاطعتها وعزلتها.
وفي كتاب صدر في أميركا تحت عنوان "رهان مزدوج"- حسب موقع "واللا الإسرائيلي 6-11-2013"-جاء فيه على لسان الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، نحن جميعاً نعرف أن "نتنياهو" كذاب وشوكة في المؤخرة، ووزير الخارجية "كيري" بعد لقائه في إسرائيل مع "نتنياهو"، وفي بيت لحم مع "عباس" بتاريخ 6-11-2013، وهو يبذل كل جهوده، ويضغط على الجانبين دون نتيجة، وصل إلى نتيجة بعدم وجود قرار إسرائيلي إستراتيجي باتجاه السلام وحل الدولتين.
وخلاصة القول، فإن المشكلة تبقى إسرائيل، فالاستيطان ليس غير قانوني وغير شرعي فقط، بل أنه يشكل جريمة حرب، فلعبة البناء وعمليات الاحتجاج والاستنكار، والتنديد جربت دون فائدة، فاستمرار المفاوضات تسهم بصورة كبيرة في تحسين مكانة إسرائيل الدولية، وانتظار مبادرة أميركية جديدة لإنقاذ المفاوضات وليس الحل غير مجدٍ، والتهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة خطوة لا بد منها، لكنها غير مضمونة، وتبقى الورقة الأخير بحل السلطة الفلسطينية، هذه الورقة تُرعب إسرائيل والولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية بل والعرب، ففي ظل جميع هذه المعطيات، والعنجهية الإسرائيلية، لابد من اللجوء إلى هذه الورقة.