ان ذكرى اعلان الاستقلال الفلسطيني تأتي وسط تصاعد وتائر العدوان والاستيطان وتهويد القدس وتغيير طابعها العربي والإسلامي، وفرض الحقائق على الأرض وسن القوانين العنصرية القائمة على نفي حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والحرية الاستقلال، وعلى المضي في تجديد النكبة والتهجير بالعنف والإرهاب من ارض آبائه وأجداده.
وامام هذه المناسبة الوطنية العظيمة تتعرض القضية الفلسطينية الى تحديات خطيرة وتعقيدات عديدة لا زالت تعترض طريق الشعب الفلسطيني وتحول دون تحقيق حلمه بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، لهذا نرى ان هذا الاعلان يتطلب رسم استراتيجية وطنية تستند الى حشد كل عوامل القوة لدى الشعب الفلسطيني وأعادة الزخم للكفاح الوطني الفلسطيني ووضعه في إطاره الصحيح كفاح لشعب مناضل من اجل استرداد وطنه ونيل حريته.
ان المرحلة الراهنة من عمر القضية الفلسطينية هي مرحلة مصيرية، نظرا لما يحيط بها حاليا من إرهاصات عديدة، فالموقف الأمريكي المعادي لفلسطين وقضيتها وشعبها يستدعي موقفا عربيا جماعيا يخرج من دائرة الانتظار والتبعية، وذلك باتخاذ قرار حازم يؤكد على حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه ، وعاصمتها القدس ، وضمان حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره وممتلكاته التي شرد منها وفقا للقرار الاممي 194.
إن استمرار خيار المقاومة بكافة اشكالها هو الخيار الوحيد الممكن أمام الشعب الفلسطيني، ولا يمكن المراهنة على الحلول الامريكية الصهيونية والمفاوضات ، لأن تحرير الارض والانسان واستعادة الحقوق يرتبط بدحر الاحتلال الصهيوني ، وهذا يتطلب التمسك بالثوابت الوطنية المتفق عليها، رغم الظروف الموضوعية السائدة في هذه الفترة بما في ذلك اختلال ميزان القوى على الصعيدين العربي والعالمي ، فهذا لا يعني أن نسلّم بالحلول المطروحة على حساب الحقوق التاريخية وإقامة دولة فلسطين ، بل على ضوء الظروف القائمة تصبح المهمة الأساسية حالياً هي الصمود وعدم الرضوخ والسير مع المخطط الأميركي ـ الصهيوني المرسوم من قبل هذه القوى لتصفية القضية الفلسطينية.
ان اعلان الاستقلال يستوجب من الجميع رفض الضغوط، أو اي حلول على حساب الثوابت الوطنية ، والعمل على ايجاد آليات منها التوجه الى المؤسسات الدولية وتعزيز الوسائل الكفاحية على كل المستويات ، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت عبر نضالات طويلة، وأهمها: الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده، واستثمار جميع طاقاته، بوصفه شعباً له حقوق سياسية معترف بها دولياً، وعلى رأسها حقه في الحرية والاستقلال والعودة.
أن إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على المضي في ما يسمى بالمفاوضات السرية، وبالحلول الثنائية دون شروط، وبعيدا عن الشرعية الدولية ، وتشريع تقادم الأمر الواقع، يحول المفاوضات إلى غطاء لتقويض الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير التي يكفلها القانون الدولي، ووسيلة في خدمة الاستراتيجية الأمريكية لمواصلة الهيمنة على المنطقة وشعوبها وثرواتها، وإجهاض ركائز وثقافة المقاومة والصمود الوطني، واحتواء التحولات الديمقراطية الجارية في البلاد العربية.
ان وثيقة الاستقلال التي يحتفل بها الشعب الفلسطيني بإعلانها ليست كما يعتقد من يخطون خطواتهم الاولى في مسيرة الكفاح والنضال الوطني، مجرد حبر على ورق، فقد كتبت حروف وثيقة الاستقلال من دم وعرق في ميادين الكفاح الوطني، كتبت حرفها دموع الثكالى وعذابات الاسرى وانين الجرحى، صيغت بمنتهى الدقة الادبية والعمق السياسي بايدي الشاعر الشهيد محمود درويش ، واعلنها الرئيس الشهيد ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 ، على ارض الجزائر ، هذه الدولة العربية التي سجلت في التاريخ حضورا ثائرا وبطولات أجبرت الاحتلال على الرحيل ، لذا فهي دائما قريبة من الحضور والنضال والحلم والفعل الفلسطيني ، فنحن نحتاجها اليوم من اجل رسم الصورة الحقيقة لفلسطين .
ان شعباً يرسم بالدم خريطة فلسطين ويسعى بأمثولة كفاحية لتغير الوقائع على الارض من خلال تمسكه بارضه ومقدساته ، وهو لقادر طال الزمن أم قصر على تحقيق حلم الانتصار والعودة ، وقطع الطريق على كل محاولات الإجهاض والطمس والتجاوز لأهدافه الوطنية وصولاً لتجسيد الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .. وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
وفي ظل هذه الظروف نقول ان ذكرى اعلان الاستقلال يتطلب انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز وحدة الصف الفلسطيني والتمسك بموقف الإجماع الوطني، ومؤسسات منظمة التحرير واستعادة الوحدة والشراكة الوطنية الديمقراطية، باعتبارها السبيل الوحيد لتغيير ميزان القوى لصالح الاحتلال.
ختاما : لا بد من القول إن مشاعل الحرية والنصر ستبقى تحمل رايات النضال التي من اجلها كانت قوافل الشهداء والاسرى هذه المشاعل لن تنطفئ ولن تتوقف إلا بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وبعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي