التربية وجيل الفيس بوك

بقلم: أسامة نجاتي سدر

كلما زادت المتغيرات في أي معادلة تصبح أصعب، وكلما تشعبت الفروع في المادة ازدادت صعوبتها، وعليه فإن أصعب مادة من الممكن أن تبحث فيها هي التربية، لأن المتغيرات فيها لانهائية لا تتعلق بمكان أو زمان بل لا تحصرها نسبة ذكاء أو حالة عامة في بلد ما، كل فرد هو حالة منفردة لها ما يميزها ويجعلها موضوع دراسة لا يكفيه منهج أو كتاب، ويبدو أن التطور الحالي بكل أبعاده جعل التربية أكثر صعوبة بالرغم من أنها تعدت الأسرة لتصبح مسؤولية الحكومات والمؤسسات الرسمية بل الدولية.

ولئن كانت وسائل الإعلام من أخطر العوامل المؤثرة في التربية الحديثة إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي ومنها الفيس بوك قد فتحت أفقا جديدا في التربية لا يمكن لأي كان أن يتجاهله أو يمر عليه مر الكرام، لأنها أصبحت مكونا أساسيا للحياة العصرية يؤثر على الإنسان ويترك له إمكانية التأثير بغيره بصورة لم تكن في أي عصر سابق، ناهيك عن أنه يفتح نافذة لما لا حصر لها من مؤثرات عالمية يمكن أن تغير في الفكر والسلوك والاتجاهات بشكل سلس وغير ملموس من خلال بث فكرة أو صورة او فيديو قصير.

عند نقر أيقونة الفيس بوك على الهواتف الذكية أو الحاسوب تبدأ رحلة ساحرة في أجمل بلاد الدنيا، فيها من العجائب والغرائب ما لم يره السندباد في رحلاته العجيبة، وفيها من التجارب ما لم يكن يخطر ببال من ركبوا البساط السحري الطائر، يمكن أن تطل من خلالها على أي بيت من بيوت الجيران أو الأصدقاء في أي مكان في الدنيا، لترى بشكل شرعي ما كان من المحرمات أو تعلم من الخبايا ما يخبئه الناس في أعماق أنفسهم، بل وتبث داخله ما قد يؤثر فيه سلبا أو إيجابا دون رقيب إلا الدين والتربية.

حساب الفيس بوك مجاني وسهل الإنشاء باختيار اسم افتراضي وكلمة سر وربطٍ بالبريد إلكتروني؛ وهو تمثيل لصاحبه في الفضاء الافتراضي يعبر عنه بكل التفاصيل التي يريد أن يعرضها على المشتركين: صورة، معلومات شخصية، اهتمامات، آراء، المكان أو الحالة الاجتماعية، ويمكن من خلاله وضع نص أو صورة فيديو مخزن على الجهاز أو موجود على الشبكة العنكبوتية بحيث يراه الأصدقاء وأصدقاءهم وإجراء حوار معهم، وهو إذ يسمح للإنسان أن يعبر عن نفسه بعيدا عن المواجهة المباشرة إلا أنه فرصة لمرضى النفوس أن يستغلوا امكانياته في عرض أفكارهم التي قد تعارضها القيم والأخلاق العامة، أو إيقاع الآخرين في شرك علاقات غير مقبولة، ويحتم على المستخدم الوعي بما يجوز أن يعرضه من بيانات عن نفسه لأنه فضاء رحب لا يمكن السيطرة عليه فالإعجاب بمنشور معين يفتح المجال أمام الأصدقاء برؤية المنشور ومشاركته.

أما صفحة الفيس بوك فهي نافذة تعرض فيها فكرة اجتماعية أو دينية أو وطنية، أو تكون واجهة لعمل مؤسسة تجارية أو اجتماعية أو فكرية، ويمكن أن يديرها ويشرف عليها أكثر من شخص عبر حسابه، تبث منشوراتها لمن يعجب بالصفحة ويواصل الاهتمام بها، وقد يصل عدد المعجبين فيها إلى الملايين، وتعتبر صفحة كصفحة خالد سعيد المصرية إحدى عوامل تفجير الثورات العربية الحالية، لنقلها آراء الشباب وبث الوعي بين صفوفهم حول إمكانية التخلص من الظلم والاستبداد، وهي منبر لعدد كبير من الحركات والمؤسسات والأحزاب والقادة السياسيين والعسكريين والدعاة وبالطبع الفنانين والمفكرين وغيرهم !!!.

لا يتعدى تأثير الفيس بوك ضياع الكثير من الوقت على الأطفال والشباب في كثير من الألعاب التي تقتل الوقت والمال (أحيانا) وصور وكلمات تبث في أعماقهم ما لا يرتضيه المربي في كثير من الأحيان فقط، بل أنه يدب في نفوسهم نزعة التوحد والخمول وتضيّع عليهم تجارب في الحياة العملية لا يمكن أن يجدوها في العالم الافتراضي الذي حبسوا أنفسهم فيه، وتستنزف مفهوم العلاقات الاجتماعية المتعارف عليها إلى علاقات عبر الشاشة ترهق نفوسهم وتجرحها بغير طائل ،وتقيم حاجزا بينهم وبين الأهل يشتد يوما بعد يوم ما لم يتنبه الأهل ويمنعوا تأثيرها.

الفيس بوك نافذة على العالم بكل ما فيه من خير وشر، لا نستطيع أن ننكر أثره على العالم وتأثيره على الأجيال الجديدة، بل لا نستطيع أن ننكر تأثير الأجيال الجديدة على العالم من خلاله، والمربي يستطيع توجيه الأبناء إلى الخير بسهولة لو استطاع أن يزرع في نفوسهم حس مراقبة الله الدائمة للإنسان ، وتفاعله معهم ومشاركته في صفحاتهم وأشعارهم بأنهم جزء من أصدقائهم وليسوا مراقبين عليهم لثقتهم فيهم وأنهم أهل للثقة، ووضع جدول زمني لاستخدام الانترنت بحيث يترك لهم إمكانية التمتع والاستفادة من مزاياه ولا يغطي على النشاطات الاعتيادية في حياتهم، ويدفعهم إلى التميز والتألق في حياتهم ليظهروا ذلك لأصدقائهم حول العالم.