للاستغراق في تحليل مستقبل الوطنية الفلسطينية لا يمكن تجاهل الحالة التاريخية الّتي كانت عليها الوطنية الفلسطينية، الّتي تبلورت من رحم العشائرية والعائلية الّتي سيطرت على قوى وأحزاب الحركة الوطنية الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني، وتنازعها وتصارعها عشائريًا بين أكبر عائلتين في القدس، حتى ذهبت ريح القضية وأعلنت دولة الكيان، ومن ثم انتقال الوطنية الفلسطينية بعد إعلان دولة الكيان من العشائرية والعائلية الّتي سيطرت على قوى وأحزاب الحركة الوطنية إلى شكل آخر ومفهوم آخر ارتدى الزي الحزبي الفصائلي، والشكل الوطني التثويري، وأصبح الكل الوطني يدور في فلك الحزبية، حيث تغيرت معالم الانتماء بل ومفاهيم الانتماء، مع استثناء لمرحلة معينة هي أواسط العقد السابع من القرن الماضي عندما خاض المثقف الثوري معركته مع الحركة الصهيونية واستطاع أن يسجل انتصارات في هذا الميدان انتهت بملاحقة واغتيال وتصفية هذه النخبة، وكتابة فصل النهاية لها. ما دون ذلك فإن الحديث عن انتصارات وطنية فعلية، ووحدة وطنية حقيقية لا يتعدى الديباجة الفلسفية في قارورة التجميل التاريخي للأجيال، وللنمطية الثورية، بالرغم من ضراوة المجابهة والمواجهة مع العدو بكل أشكالهما في ملحمة اشتباكية فرضتها ضرورات حتمية، وعوامل موضوعية كتكتيك للثورة الفتية أكثر منه إستراتيجية ثبات تستهدف الديمومة والاستمرار، حيث انطلقت ثورتنا المعاصرة قتالها على الجبهة الحزبية أكثر من قتالها على الجبهة الوطنية، وهو ما يؤكده الصراع الخفي حامي الوطيس للسيطرة على مركز القرار بمنظمة التحرير وكيف استعانت بعض الفصائل الفلسطينية بكريزما الرئيس المصري جمال عبد الناصر للقفز على ظهر المنظمة بعد عملية إقصاء للمؤسس أحمد الشقيري، وعليه سرعان ما انقسمت القوى الوطنية على ذاتها بين نهجين، الأول: يرى في طريق التحرير نهجًا أوحدًا عبّر الكفاح المسلح وما دونه تنازل وخيانة، ودون أي استناد أو ارتكاز لمعايير ومتغيرات إقليمية أو دولية أو حتى محلية، وخاض صراعًا عنيفًا على هذا الصعيد سياسيًا لتأكيد ثوابته وقناعاته، ونظريته، أما الثاني: فرأى طريق التحرير عبّر وسائل متعددة وعديدة ومنها الحالة التطبيعية مع قوى ما يسمى السلام الإسرائيلية، أو عبّر مفهوم السلام الذي كان يطرح بين الفينة والأخرى، وتبني شعار المرحلية في عملية التحرير، وآمن بها وعمل عليها حتى وقع اتفاق أوسلو 1994 وما بعد أوسلو.
في خضم هذا الواقع تصارع على ساحة بناء المستقبل الوطني، أو مستقبل الوطنية الفلسطينية، فلسفة الأيديولوجيا الّتي حاولت أن تُشكل عامل الحسم في رسم وصياغة تصوراتها الحزبية الخاصة، المتوافقة مع فهم منطلقاتها الأيديولوجية، مرورًا بمراحل عديدة شهدت خلالها صراعًا شديدًا، وعض الأصابع فيما بينها وصل في بعض مراحله حدَّ الاشتباك سواء سياسيًا أو عسكريًا أو ماليًا.
استمرارًا في قراءة الحالة الوطنية المستقبلية الفلسطينية، انتقل الصراع من مرحلة لمرحلة بأشكال متعددة، فانتقل بعد أوسلو 1994 من الحالة الحزبية إلى ازدواجية الصدام الّتي اتخذت شكلين، الأول: النمط المتحزب القديم – الجديد الذي تناولته في فاتحة هذا المقال، أما الشكل الأخر: الصراع المستحدث بين أقطاب السلطة الوطنية المستولدة من أوسلو من جهة وبين مؤسسات وهيئات م.ت.ف، وتحول هذا الصراع لاستراتيجيات ثابتة بين متغيرات متحركة تسعى لاختلاق واقع جديد وفق آليات فرضتها المتغيرات المحلية، والإقليمية، والدولية، وحسب استولاد الشكل النضالي المستند لآليات جديدة مغايرة للمفاهيم التقليدية في العرف النضالي الثوري الذي توارثته الأجيال السابقة، فكان من أهم نتائجه فتح معركة مفتوحة في أقطابها تتشابك بها الولاءات الحزبية المشوبة بعملية تجهيل وطني شمولي، لم تعالجه انتفاضة الأقصى عام 2000 بل عمقت من روحانيته الحزبية الّتي تفتت هي أيضًا في داخلها لجزيئيات متصارعة في معركة المصالح الشخصية أو لفئة معينة تعارضت مع فئة أخرى، على حساب الكل الوطني، ومستقبل الوطنية الفلسطينية الّتي لم يعد لها أي ملامح سوى في عنتريات خطابية جوفاء تتبنى الشعار لتجهيل وصرف نظر الجماهير عن الحقيقة، لتحقيق مآرب المتنفذين الذين يخوضوا معركة السيطرة على مصادر النفوذ والمال، ونجحوا في الانتقال من الوطنية والانتماء الكلي إلى الشخصنة المنفعية القائمة على ربط المصالح بالفرد ونفوذه، وهي الحالة الّتي استطاعت أن تحقق أهم وأكبر انتصار للحركة الصهوينة الّتي سعت طويلًا لتحقيقه وهو تدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتفتيته، وخلق مساحة فراغية في الوعي الوطني تبنى على مفاهيم الذاتية والفردية والمصلحية، وخلق حالة من الصراع المجتمعي والصدام نتج عنه تفكك في البنى المجتمعية، أسس لحالة انهزام كلية.
مرحلة تتلو مرحلة، تسقط كأحجار الشطرنج على رقعة سوداء تتناقل أحجارها في مستقبل الوطنية الفلسطينية مجهولة المصير، الّتي أصبحت في عهدة شخصيات وجماعات لا تُدرك من الوطنية معناها، وتتناقل بمصير الوطنية الفلسطينية في مراحل متتابعة، والتطور في معطياتها من انقسام سياسي – أيديولوجي تنازع الوطنية الفلسطينية خلال العقود السابقة إلى انقسام خطير وهام هو الانقسام الجغرافي، وصناعة جدار فصل فلسطيني – فلسطيني بين غزة والضفة الغربية تتبدى صوره وملاحمه حقيقة قائمة وممارسة رغم محاولة البعض إخفاء هذه الحقيقة وتضليل الجماهير عنها بوسائلهم الّتي أوصلوا الوطنية الفلسطينية إلى هذا النفق المظلم من خلال ممارستهم كأدوات مصنعة لهدف ما.
إذن فالانقسام قائم مجتمعيًا حتى في التعاملات الإنسانية بين شقي الوطن، وفي سلّم الوطنية الفلسطينية المستحدثة بعد أوسلو في شخوص جديدة تنازعت فيما بينها، مع إضافة أطراف أخرى كلًا يخوض معركة التجاذبات، والسيطرة على مقبض التقرير في مصير الوطنية الفلسطينية الّتي أصبحت تَخدم مصالح البعض ولم يخدموها، فنصبوا أنفسهم وامتلكوا مصادر القرار منفردين، اعتمادًا على مصدرين؛ الأول: القوة المالية الّتي يسيطر عليها ويهيمن على مداخلها ومخارجها، والثاني: القوة العسكرية الّتي منحته مزايا الاستقواء والاستفراد، لدرجة العنجهية في الإحلال والاستبدال بمصير الوطنية الفلسطينية.
أمام هذه التداخلات القائمة على الأرض والماثلة في الواقع الفلسطيني عمليًا وفعليًا، والمسيطرة على الحالة الوطنية الشمولية، سياسيًا، جغرافيًا، نتساءل أين مستقبل الوطنية الفلسطينية؟ وإلى أين تتجه متجهاتها؟
من خلال القراءة البسيطة والمبسطة لواقعنا الفلسطيني الذي أصبح محكوم بمؤثرات إقليمية فرضت ذاتها على الاستقلالية الوطنية الفلسطينية، يمكن تحديد أربعة مدخلات لقراءة هذا المستقبل على الصعيد المحلي الوطني، مع بعض المدخلات الإقليمية ما بعد المتغيرات الّتي فرضها انهيار المنظومة الاشتراكية، ومن ثم احتلال العرا4، وبدء الصراع الطائفي المذهبي بأعلى وتائره في منطقتنا العربية.
أولًا: المدخلات الإقليمية:
الحالة الإقليمية المحيطة بواقعنا الفلسطيني لم تَعد ضبابية أو معقدة أو متشابكة، بل أصبحت مقروءة ومحددة أمام الجميع، ويمكن قراءتها بكل وضوح من خلال المتحولات السياسية التي فرضها الواقع الجديد، وخاصة بعد ما يطلق عليه ثورات الرّبيع العربي، وظهور ما يسمى الهلال السني، والهلال الشيعي، وهيمنة الإسلام السياسي على المنطقة من خلال تونس ومصر واليمن وليبيا، وحالة الصدام الناشئة بين قوى إقليمية ناشئة ومتداخلة ممثلة بقطبين هما" إيران- تركيا" ومحاولة كل طرف السيطرة على أدوات حية تحقق له مصالحة في المنطقة، وفق الترتيبات الّتي تجري في المنطقة مع اختلاق أساليب الامتلاك والسيطرة والنفوذ، وهي حالة أشبه بصراع الممالك القديمة في حروبها التوسعية، وإن كانت تعتمد على السلاح السياسي في هذه الحقبة، واستغلال حالة فلسطين في حسم المعركة، وموازين الصراع، بما أن فلسطين تشكل الأساس الجوهري لعملية الصراع من ناحية، وحالة اجتذاب لمن يسعى لفرض ذاته الإقليمية من ناحية ثانية.
ولكي لا نستفيض في عملية تكرار تم الكتابة عنها في الكثير من التحليلات والمقالات السابقة، يمكن توضيح مأزق الإقليمية في فرض أزماته وترحيلها إلى العمق الفلسطيني الذي أصبح يعيش حالة اغتراب معنونة بالتجاذبات الحزبية نحو القوى الإقليمية الممثلة بمحورين، هما، " محور الاعتدال، ومحور الممانعة" وخاصة الأخير الذي يتسلح بقوى تطلق على نفسها قوى المقاومة الّتي تُشكل ذراع ضارب في وجه الكيان والولايات المتحدة الأمريكية ممّا نتج عنه انقسام في الوطنية الفلسطينية سياسيًا وجغرافيًا، انقسام كل طرف من أطرافه بتحالف مع قوة إقليمية تحقق له غاياته ومآربه الحزبية على حساب الوطنية الفلسطينية الّتي لم تعد أولوية فلسطينية، وترجمت على الأرض بالمشهد الوطني الذي نحن بصدده وفيه، فتنازع الوطنية الفلسطينية "ايران وتركيا ومعها بلدان الخليج العربي" الذي حرك أمواله في خدمة عملية الاحتواء والسيطرة. فأصبحت الوطنية الفلسطينية ممثلة بقواها الحالية مستعبدة وأشبه بجهاز يتبع لاستخبارات القوى الداعمة والحاضنة، إن لم يكن الصانعة له، وصاحبة الامتياز الحصري في التصرف فيه، وتوجيهه كيفما تشاء، وحسبما تشاء، ووفق الزمان والمكان الذي ترتئيه بما تمليه عليها مصالحها الإقليمية، أو دورها الإقليمي المنوط بها.
ثانيًا: المدخلات المحلية:
لم يعد لدينا مدخلات محلية مستقلة القرار والفعل، فكل المؤشرات تؤكد على تبعية المدخلات الوطنية الفلسطينية المحلية لأحد القوى الإقليمية الخارجية، وأن هناك هامش محدود للحركة مقيد للقوى والفصائل الفلسطينية تتحرك من خلاله في محور استقلاليتها، ضمن خطوط عامة مرسومة ومحددة. فقد انحصرت سابقًا المحددات الداخلية بين أحزاب متصارعة أيديولوجيًا وسياسيًا على رؤية محددة حول آليات وكيفية التحرير في الفهم الأيديولوجي للعملية التحررية، مع استمرار العملية النضالية الكفاحية بوسائلها المعتادة، وإيمان بالمقاومة كأحد اشتراطات مجابهة العدو في معركة التحرير، ضمن حدود الإيمان التكتيكي أو الاستراتيجي لكل حزب فكانت قراءة مستقبل الوطنية الفلسطينية محصورة في حدود هذه المحددات، وامكانية استنباط ملامح مستقبلية لها في حدود التنبؤ والتحليل فكانت هناك مؤشرات يمكن الاستناد عليها، كعملية تحريضية وطنية تستهدف تثوير الرؤية أو الفكرة أو الحالة الاستنباطية عامة التي كانت تستند إلى بعض الشعارات غير القابلة للتسويف أو التحريف، وهي نفس الشعار الذي استند إليه ياسر عرفات في عمق تنازلاته ورضوخه للضغط، إلَّا أنه بلحظة معينة وقف بحزم وقال كلمته الشهيرة" لا" في منتجع كامب ديفيد، عودة إلى عقيدته الثورية ومفهوم فلسطين لديه ومعنى الوطنية الفلسطينية.
أما في اللحظة الراهنة التي نحن بصددها لم يعد هناك مؤشرات منطقية تستند للواقعية الوطنية في قراءة مستقبل الوطنية الفلسطينية حتى في داخل الحزب الواحد، وليس الأحزاب المبعثرة والمتناقضة في مواقفها الجدلية نحو رزنامة الجدول الوطني، ولم يعد هناك ملامح لبرامج وتكتيكات الأحزاب وطنيًا، فأصبح التحول التكتيكي سيد موقف الداعم ويصب في متجهاته العامة، والمتجهات الحزبية الخاصة، وإن أخذنا الحزبين الأكبر " فتح وحماس" كنموذج لمدخلات القراءة المستقبلية للوطنية الفلسطينية، يمكن قراءة التالي:
أولًا: حركة حماس:
هي حركة تتبنى الإسلام السياسي كنهج عام في أطروحاتها العقائدية واستطاعت أن تجد لنفسها مكانة في النظام الوطني الفلسطيني منذ انطلاقتها، بناءً على رؤيتها للعمل وحيدة بعيدًا عن المنظومة الوطنية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفعت خلال تشكيلها كذراع للإخوان المسلمين في فلسطين شعار المقاومة سبيلًا أوحدًا للتحرير، وهو المدخل الذي استطاعت أن تشكل منه قاعدة جماهيرية عريضة، مكنها من إمكانية امتلاك مفاتيح لم تكن تمتلكها سابقًا، فأصبحت حركة حماس تمتلك الجهوزية المالية والعسكرية والتنظيمية التي تعتمد عليها في قيادة النظام الوطني الفلسطيني، إضافة لاعتمادها على المداخل الإقليمية الممثلة بإيران الأقوى في المنطقة والتي تدعمها بسخاء وبلا حدود، وحزب الله المنتشي بانتصاراته ضد العدو الصهيوني في لبنان، أضف لهذه المصادر الهامة والحيوية في حياة أي حزب الشرعية الدستورية التي اكتسبته حماس من الانتخابات التشريعية عام 2006 وصعودها إلى قمة النظام الوطني الفلسطيني بعدما اكتسحت حركة فتح وأنزلتها عن عرشها المدون حصريًا لها منذ انطلاقة الثورة، والعامل الآخر هو العامل الجغرافي الذي استولت عليه بعد هروب قيادات وعناصر فتح من غزة واستطاعت أن تحسمه وتسيطر عليه مكنها وساندها بوسائل تمكينيه أقوى على الأرض، حيث شكلت حماس منظومة مستقلة أقرب منها للدولة بمؤسسات خاصة وعامة، وتحولت من حزب مقاوم إلى حزب سلطة سياسية، وعليه وبناء على العاملين الأخيرين انتقلت حماس لمربع آخر فرض عليها عقد تحالفات إقليمية، هذه التحالفات كانت هي المدخل لخلق صراعات حزبية داخلية في نفس الحركة، التي أصبح بداخلها ثلاث تيارات معنونة وواضحة هما: تيار تقليدي لا زال متمسك بعلاقاته مع إيران ويرفع شعار المقاومة بقوة، وهو التيار الراديكالي وخلفه الجهاز العسكري لحماس" كتائب عز الدين القسام"، وتيار يمثل القيادة السياسية وهو يرى بضرورة لانحياز لتحالفات الإخوان المسلمين العالمية والتوجه إلى قطر كبديل لإيران التي تم الاختلاف معها بناء على الأزمة السورية، وتيار وسطي يرى بضرورة خلق قاعدة توازن في التحالفات الحركية مع القوى الإقليمية.
هذه التيارات أو الاتجاهات الثلاث تبني رؤيتها وفق المصلحة الحزبية المحضة، ولم تطرح سؤال واضح عن مستقبل الوطنية الفلسطينية في ظّل هذه الرؤية الاختلافية، ومصير الوطنية الفلسطينية التي أصبحت مغيبة وغير واضحة ولم تعد تقرأ سياسيًا، أو تستند لمراجعات وطنية تخضع لتقييم وطني بل لمواقف حزبية. حيث كان بالسابق الموقف الحزبي يتم بناؤه وفق القاعدة الوطنية العامة والارتكاز على هذه القاعدة، أما في المرحلة الحالية فأصبح الموقف الوطني يبنى وفق المصلحة أو القاعدة الحزبية الخاصة، ويتبع لمصلحة الحزب أو الحركة.
ثانيًا: حركة فتح:
حركة فتح التي وجدت نفسها فجأة خارج سياق السلطة وقيادتها المنفردة، واحساسها بفقدان امتيازات قبضها على م.ت.ف والسلطة الوطنية منذ انطلاقة الثورة وتأسيس السلطة الوطنية 1994 وانتقالها من موقع الحزب المسيطر والمهيمن إلى حزب خارج السلطة" معارض" فقدت نتيجة ذلك الطارئ توازنها الحزبي والوطني، واستشعرت أن الاستثمار الوطني الذي كانت كحركة وأفراد يستغلونه كمكتسبات شخصية أصبح في خطر، والخطر قادم من حركة منافسة لهم معها عداء نتيجة التنافس من جهة وممارسات أجهزة السلطة ضد عناصر حماس من جهة أخرى، لكن الأكثر تأثير هو استشعار فتح بفقدان الامتيازات التي أهلتها لتقود الشعب والثورة الفلسطينية، خاصة وأنها فقدت زعيمها والزعيم الوطني ياسر عرفات .
لذلك مثل سقوط فتح في الانتخابات التشريعية عام 2006 صدمة شديدة عليها، وعلى قياداتها وخاصة قادة أفرزتها الظروف الأوسلوية، رغم أن كل المؤشرات كانت تؤكد على هذا السقوط نتيجة الممارسات لعناصر السلطة وقيادتها، وكذلك لتهشم حركة فتح وافتقادها لأبجديات العمل التنظيمي وفقدانها لهياكلها التنظيمية التي أصبحت أقرب منها هياكل شركة استثمارية منه لحركة وطنية تقود مشروع وطني، وتسلق عناصر انتهازية لهياكل هذه الحركة والسيطرة بطريقة اقصائية على كل مفاتيح وقوى الحركة الداخلية. لذلك فإن حركة فتح حاولت أن تحافظ على وضعها وسيطرتها بشتى الطرق رغم الحالة الانقسامية التي كانت عليها، والصراع الخفي بين تياراتها وقياداتها الداخلية التي تحولت لأشبه بكنتونات حزبية يعمل كلًا منها ضد الآخر، بل أن مظاهر الانقسام ظهر واضحًا وجليًا عندما بدأت بعض عناصر وتيارات فتح تتملل ضد ياسر عرفات وأصبح هناك من يدعو ضد ياسر عرفات، ونتيجة لتخبط الحركة وصدامها مع حماس ازدادت أزمتها بعد هروب قيادتها وعناصرها من غزة وتسليمها لحركة حماس، أصبحت فتح منذ ذلك الوقت تيارين: الأول: تيار يتمسك بشرعية الحركة التنظيمية وهيكلها ممثلًا بالرئيس محمود عباس الذي يعتبر أن الحركة مؤسساتية تخضع لقوانين وأعراف تنظيمية، وأن قيادته للشعب الفلسطيني تؤهله لتصحيح مسار حركة فتح من خلال العمل المؤسساتي والتنظيمي، والتيار الآخر: يمثله النائب المفصول محمد دحلان الذي فصلته اللجنة المركزية لحركة فتح في أعقاب تصاعد خلافاته مع الرئيس، إلَّا أنه لم يقر بهذا الفصل ولجأ لدولة الإمارات العربية المتحدة التي رعته ودعمته، وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه بتداخل المحلي والإقليمي والتحول في التحالفات التي أصبحت احتواء أكثر منه تحالفات، ومنح القوى الإقليمية حرية تدخل وفرض وصاية على بعض المفاصل الفلسطينية مستغلة حالة الترهل والانقسام الوطني عامة، وانحياز بعض قيادات الشعب الفلسطيني لمصالحهم الشخصية على حساب المصالح الوطنية. وكذلك الحال بالأحزاب التي بدأت تبحث عن مصالحها أكثر من مصالح الوطنية الفلسطينية.
[12:19:52 ص] في بلد الشعر تعشش الكناريا: إذن فإن محورية القضية الوطنية الفلسطينية لم تعد هي المحورية المركزية الإستراتيجية والمحور المركزي في بناء التكتيك والاستراتيجي السياسي بل أصبحت المحورية حزبية خاصة.
ومع تناول هذه القضية التحليلية يؤكد على أن الحزبين ألأكبر يعجزان في ظل هذه الحالة العامة من تمثيل الوطنية المستقبلية الفلسطينية، أو الاستناد إليهما في قراءة مستقبل الوطنية الفلسطينية وفق رؤية وطنية شمولية.
د. سامي الأخرس
[email protected]
20 تشرين ثان 2013