هذا هو الإسلام ((( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم )))

بقلم: تيسير التميمي

هذا هو الإسلام
((( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم )))

عام هجري مضى عنا ، وابتدأنا عاماً جديداً ، ويبدأ كل عام بشهر حرام وينتهي كذلك بشهر حرام ، والأشهر الحرم في كل عام أربعة : ثلاثة سرد متواليات ، وواحد فرد هو شهر رجب ، وهي الشهور التي اصطفاها الله سبحانه فعظَّمها وحرم فيها على الظلم ، قال تعالى ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ التوبة 36 .
قال قتادة رضي الله عنه : ومعنى " فلا تظلمـوا فيهن أنفسكم " أن الله سبحانه جعل العمل الصالح في الأشهر الحرم أعظم أجراً ، وجعل الظّلم فيها آكد وأعظم وزراً وأبلغ في الإثم من الظلم فيما سواها ؛ وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ، ولكن الله يعظم في أمره ما يشاء ، فالشهور والأيام تتفاضل عند الله سبحانه وتعالى كما يتفاضل الناس والأمم ، فقد اصطفى جل شأنه من الملائكة رسلاً ، واصطفى من الناس رسلاً ، واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد ، واصطفى من المساجد ثلاثة ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الأيام يوم الجمعة ومن الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظم الله ، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل } رواه الطبراني ، وقال صلى الله عليه وسلم { إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب شهر مُضر الذي بين جمادى وشعبان } رواه البخاري
كان العرب قبل الإسلام يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها ، لكنهم بعد مرور السنين والأزمان بدأوا يستخدمون النسيء بأن تؤجلوا الشهر الحرام أو تعجيله بسبب الحروب . وقد ذكر القرآن ذلك بصيغة الإنكار لما فيه من معصية وتفويت لمعنى تحريم القتال في زمن بعينه ، فقال تعالى ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ التوبة 37 .
جاء الإسلام وحفظ لهذه الأشهر حرمتها وحرم انتهاكها ، قال تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ البقرة 217
أما فضائل الأشهر الحرم فكثيرة منها :
* فشهر محرم الذي تغمرنا أيامه موسم من مواسم الخيرات وزيادة الطاعات والقُرُبات ، وأظهرها الصيام ، قال صلى الله عليه وسلم { أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ } رواه مسلم ، وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب .
وفيه يوم فضيل هو يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر منه ، يوم يستحب فيه التقرب إلى الله تعالى بالصيام ، فقد { قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى ، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ } رواه البخاري .
* وفي شهر ذي الحجة تقع أعمال الركن الخامس في الإسلام وهو فريضة الحج ، حيث يؤدي ضيوف الرحمن مناسك الحج جميعها بدءاً بالإحرام وانتهاء بطواف الوداع في الفترة من اليوم الثامن حتى اليوم الثالث عشر منه .
وفيه أيضاً يوم عرفة وهو اليوم التاسع منه ، وهو من أفضل الأيام ، فوقوف الحجاج في صعيده ركن الحج الأعظم حيث يُقْبِلُ ضيوف الرحمن ووفده على ربهم إقبالاً منقطع النظير ؛ خاشعين ضارعين يرجون عفوه ورضاه ؛ متجردين من الدنيا وزينتها يستحضرون يوم البعث ، فيتجلى عليهم سبحانه برحمته وإكرامه ويشهد ملائكته بالغفران لهم ، قال صلى الله عليه وسلم { ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً ضاحين ، جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي ، فلم ير يومٌ أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة } رواه ابن حبان .
فيستحب لغير الحاج صيامه لفضله على سائر الأيام فإنه يكفر ذنوب سنتين ، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال { يكفر السنة الماضية والباقية } رواه البخاري ، وقال أيضاً { صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده } رواه مسلم ، فلعلّ الله سبحانه أن يعصم الصائم من الذنوب والآثام .
واليوم العاشر من شهر ذي الحجة هو يوم النحر ، يوم عيد ومكافأةٌ من الله تعالى لعباده الذين يبتهجون بأداء ركن الإسلام وفرضه ؛ فيتقربون إلى ربهم بصلاة العيد ، وبذبح الأضاحي رمزاً للتضحية والفداء ، وتوسعةً على الأهل والفقراء ، ولإدخال السرور إلى قلوب المساكين .
* وفي شهر رجب الفرد ذكرى رحلة عظيمة ومعجزة نبوية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ذكرى الإسراء والمعراج التي ربطت بين المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد الأقصى المبارك في القدس إيذاناً بوجوب حمايتهما والدفاع عنهما ، وبأن التفريط بأحدهما تفريط بالآخر ، رحلة وثَّقها القرآن الكريم في آيات يتعبد بتلاوتها ما دامت السماوات والأرض ، قال تعالى في معجزة الإسراء { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الإسراء 1 ، وقال سبحانه في رحلة المعراج { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } النجم 1-18 .
وفي الأشهر الحرم تضاعف الحسنات ، فلْنحرص عليها في هذه الأزمنة المفضلة والمشرفة عند الله تعالى ، فعمل الخيرات والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات مشرعة أبوابها فيها ـ وفي غيرها ـ فعلينا استثمارها في كل عمل نافع وفي كل دعوة إلى الخير ، في العبادات بمعناها العام ، بالإقدام على البناء والنماء والعلم والتطوير والعمل الخيري والتزام الخلاق القويمة والسلوك الإيجابي وكل عمل خير ممكن ، ولْنكثر من أداء العبادات بمعناها الخاص ، كنوافل الصلاة والصيام والصدقات وصلة الأرحام وإصلاح ذات البين . وحذار من أي عمل سيء مهما كان ما دام مغضباً لله سبحانه .

الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين/رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً
www.tayseer-altamimi.com ، [email protected]