من غزة ... شكراً يا حكومة !!

بقلم: هنادي صادق

منذ أصبحت الكتابة وجعاً يومياً على الصعيد الشخصي وأنا أرى أوجاع الوطن في كل مكان وأنا أرى إستحقار بني الإنسان ، فمن يقول أن للوطن وجع واحد فقط...!!، ومن يقول أن سيف الوطن إذا كان من خشب لا يؤذي ولا يؤلم...!!، من يقول أن الأم أرحم على بنيها من غيرها...!!، من يقول كل هذا هل هو على صواب؟! ، الحقيقة إن وجع الوطن لا يضاهيه وجع في الدنيا...!!

 

ست سنوات أو يزيد، مرت وما زالت فصول الظلم تتواصل ورصيد الشرعية في النفوس يتآكل ، فمعاناة موظفي الشرعية في غزة مستمرة، والكراهية لهم على ما يبدو مستقرة، وبعد أن كانت النفوس مستبشرة، وللدفاع عن الشرعية مستنفرة، عوقبت على صبرها، وعوقبت على صمتها، بل إن الصحيح أنها عوقبت على حبها .

 

فمع إلتزام الموظفين بالقرار الشرعي الصادر عن مجلس الوزراء، والذي يا للسخرية لا يزال موجوداً على صفحة ديوان الموظفين العام، والذي نص فيما نص على حفظ كافة حقوقهم وإستحقاقاتهم، وكنا نظن وبعض الظن إثم في حالتنا هذه أن المشكلة تتمثل في فياض، وأن الحكومة بعد رحيله ستلتزم بما صرحت به، وما صدعت به رؤوسنا من الحديث عن الشرعية، وضرورة الإلتزام بكافة القرارات الصادرة عنها تحت طائلة المسؤولية .

 

لكن الصحيح أننا إكتشفنا أن هذا نهج حكومي وعقيدة راسخة لدى أصحاب القرار إلا من رحم ربي ، حيث أصبحوا ينظرون إلى الموظفين في غزة كعالة ويستخدمون في حقهم ألفاظاً طالماً رددها الظلاميون الإنقلابيون .

 

ملفات كثيرة ما تزال عالقة في أدراج الإهمال والتسويف، وعلى قاعدة الحرمان يتم التعامل مع الإنسان، فملف فرسان 2005 يتصدر المشهد، وكذلك المقطوعة رواتبهم بتقارير كيدية، وموظفي البحر وعقود الزراعة والطيران والبطالة الدائمة ... إلخ من الملفات التي تحتاج إلى قلب ينبض بالحب والوفاء، قلب خال من العنصرية والبغضاء في التعامل مع مثل هذه الملفات وما أكثرها .

 

ولعل من المفارقات الغريبة، أن الحكومة ما زالت تصر على أنها تصرف أكثر من نصف الموازنة على قطاع غزة، وبعيداً عن المزايدات والمناقصات، وحيث أنه معروف لدى القاصي والداني أن فاتورة الرواتب تستحوذ على الجزء الأكبر من النفقات الجارية، وفي ظل توقف التوظيف في قطاع غزة منذ أكثر من ست سنوات، وفي ظل بلوغ المئات من الموظفين سن التقاعد، وإحالة المئات منهم أيضاً على التقاعد، أصبح معروفاً أن حجم فاتورة الرواتب في غزة أقل بكثير من المعلن، و لا يفوتني هنا أن أنوه إلى أن الحكومة لا تقوم بدفع أية رسوم تشغيلية للوزارات في غزة، بإستثناء وزارتي الصحة والتعليم والتي يأتي دعمهما في الغالب من خارج الموازنة .

 

وبعيداً عن لغة الأرقام، وبلغة المواطن البسيط ماذا يعني هذا ببساطة ؟؟ الأمور الجلية والواضحة للعيان، أن هذه الحكومة تستخدم مصطلح الصرف على غزة بأكثر من نصف الموازنة للتغطية على إصرارها على عدم تحقيق المساواة بين كافة موظفيها، واستثنائهم من المعاملة على قدم وساق كنظرائهم في الوطن .

 

و لعل الأمر الملفت والمثير للسخرية، أنه وفي ظل حديث متواصل عن أزمة مالية تحول دون النظر في إستحقاقات موظفي غزة، نجد العجب العجاب، سفريات بغير حساب، وترقيات وهيكليات، وعلاوات تنفذ وكل ذلك بدون أي حساب لغزة، وكأنها مكتوب عليها أن تتلقى الطعنات من كل صوب وحدب .

 

ويستحضرني في هذا المقام، المقولة الرائعة والعظيمة والمأساوية بنفس الوقت، تلك المقولة للخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والتي يقول فيها " أنه حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق...!!، وفي هذا الإطار فإنني أرى لزاماً علي أن أوجه رسائل مهمة لمن يهمه الأمر :

 

*الرسالة الأولى للحكومة : لقد صبرنا على المعاناة والألم كثيراً، حتى عجز الصبر عن صبرنا، و لقد أيسنا من عدل منصف فلا أقل من ظلم مشرّف، فالظلم في السوية عدل في القضية، ومع أن الظلم قطعاً لا يشرّف أحداً، لقوله تعالى فيما يرويه الحبيب المصطفى عن ربه سبحانه: "يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا". وقوله صلى الله عليه وسلم: "الظلم ظلمات يوم القيامة"، والقول الفصل قول ربنا جل وعلا: والله لا يحبّ الظالمين ، ولا تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار .

 

*الرسالة الثانية لحركة فتح في غزة: المعادلة عندكم معكوسة، وبدل أن يتوسل الجميع إليكم لترضوا عنهم، أصبحتم تتوسلون وتستجدون الرضا من الجميع بدون إستجابة، ولأن معظم النار تندلع من مستصغر الشرر، ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولأن السكوت ممنوع فأصرخوا قائلين للجميع: احذروا غضبة الحليم .

 

*الرسالة الثالثة لنقابة الموظفين: نقدر لكم ما تقومون به وما تبذلونه من جهد لإيصال صوت المقهورين المعذبين من صغار الموظفين وهم السواد الأعظم، ولكن إسمحموا لي أن أعاتبكم عتاب المحبة، لقد تصدت النقابة لمواضيع أقل أهمية من معاناة موظفي الشرعية في غزة الذين يعانون الإزدراء والإهمال من الجميع ولا أستثني أحداً حتى بالصمت العاجز الموافق، ولكننا لم نراكم بالفاعلية والحيوية في معالجة موضوع غزة، والذي يستحق أن تُعلن الإضرابات وتنصب الخيام حتى يرجع الحق إلى أهله .

 

ما زلنا نتنتظر منكم وقفة عز تنصرون به من جارت عليهم الأيام، وأحاط بهم الأعداء من كل مكان..فهل أنتم منتصرون ؟؟!!!

 

إن الموظفين في غزة كالجمر تحت الرماد، ينتظرون من يأخذ بيدهم ويطفئ لهيب نارهم، وحتى يحين هذا الأمر تبقى الأمور قابلة للإشتعال والحريق يمكن أن يطال الجميع ... فهل من قرار لتفادي الأسوأ؟؟ .

 

إن غزة تئن تحت وطئة الظلمة تنتظر من يأخذ بيدها إلى المستقبل .. نحو غذٍ مشرق لا مكان فيه لظلم ذو القربى فهل هناك أمل ؟؟

 

اللهم قد بلغت ... اللهم فإشهد .