ان ما تشهده الساحات العربية من غليان الفوضى والقتل والدمار على أيدي المأجورين التكفيريين الإرهابيين وأسيادهم، الذين لا يراعون ديناً ولا أخلاقاً، يأتي في سياق الحرية الأمريكية اي الفوضى الخلاقة التي زرعتها في هذه المنطقة وخاصة بعد احتلال العراق على دماء أهلها، وتهديد أمنها، واستقرارها، بل ودمارها بهدف صياغة وجهات النظر الاستعمارية وتطابق مفعولها، مهما بدت شعاراتها براقة في جذب البعض إليها، ولاسيما تلك التي تتشارك فيها الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني في أن الآفاق الاستراتيجية ستتحقّق بشكل أفضل إذا ما تمت زعزعة المنطقة العربية بأسرها.
ومن هنا لا يختلف اثنان على أن الإرهاب الذي بات يضرب العديد من دول المنطقة هو إرهاب لم ولن يستثني أحداً، وإن تم إلباسه لبوساً خاصاً يتناسب مع الوضع السياسي والديموغرافي في كل دولة يضربها على حدة، مع أن المشغّل لمجموعات القتل هو مشغّل واحد، وأهداف تلك المجموعات تلتقي أيضاً عند هدف واحد.
ان المشغل الرئيسي للإرهاب محور تتزعمه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتموله للاسف بعض الدول ، حيث يستهدف تفتيت الدول والمجتمعات مع ما يرافق ذلك من إهدار في الدماء والأرواح والموارد البشرية والاقتصادية، مع تخفيف اعباء القوى المعادية ، وبمعنى آخر فإن شلالات الدم النازفة نشر الفوضى والتي في مجملها لا تخدم سوى المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي بات يستهدف المنطقة ويستهدف العالم.
وفي هذا السياق يمكن أن نفهم التفجير المزدوج الذي استهدف العاصمة اللبنانية بيروت في محيط السفارة الإيرانية، هذا العمل الإرهابي الجبان الذي ادى الى استشهاد عدد من ابناء الشعب اللبناني والايراني الشقيق، هذا العمل الإرهابي الجبان لا يختلف كثيراً عن تفجير السيارات المفخخة التي استهدفت عشرات المدن والقرى السورية والعراقية، كما لا يختلف عن استهدا ف الجيش المصري والشعب المصري ، وكذلك ايضا إطلاق النار على المواطنين الليبيين ، لأن هناك قواسم مشتركة في الأساليب المتبعة وفي الأهداف المبتغاة في النتائج الدموية التي تفتك بالمئات من البشر.
لقد بات واضحاً أن مواجهة الإرهاب يجب أن تنطلق من هذه الحقائق كي يتم توحيد الدول والقوى السياسية المناهضة للمشروع الأمريكي الصهيوني للتصدي لهذا الإرهاب ولمشغّليه مع تسمية الأشياء بمسمياتها، ويجب على شعوب العالم أن تدرك أن أمريكا التي تتشدق بين الحين والآخر بمكافحتها للإرهاب إنما تحاول أن تضحك على شعبها وعلى شعوب العالم مع أنها المحرض الأول على ارتكاب كل هذا الإرهاب حول العالم، والذي يجب أن تعاقب عليه بما يتناسب وتلك الجرائم.
أن الهدف الأول والأخير من هذه الاعمال الارهابية التي تقوم بها القوى التكفيرية هو تحقيق ما يتعلق بتلك الاستراتيجية القائمة على الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني واستقراره في المنطقة على حساب شعوب المنطقة العربية بأسرها.
وامام المواجهة القاسية التي تدور في المنطقة ، وتعثر وتراجع المشروع الصهيو اميركي التكفيري ، وباتت الاهداف الاساسية التي وضعها قادة المشروع لحربهم ، اهداف مستحيلة التنفيذ .
أن الرسالة التي تلقّتها السفارة الإيرانية هي رسالة تضاف إلى الرسائل الدموية التي بدأها البعض من القوى الاقليمية بإرسالها، بعدما تأكّد أن الأميركيين غير مستعدين للدخول عسكرياً في الحرب الدائرة في سوريا، وأنهم بصدد الذهاب إلى "جنيف2" لتتويج تسوية مع الروس، يبدو أن الخاسر الأكبر فيها ستكون السعودية وحلفاؤها، تضاف إلى خسارتها الكبرى بالاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، الذي سيجعل إيران دولة إقليمية كبرى يُعترف لها بدورها الإقليمي الذي سينافسهم على الساحة الخليجية والشرق أوسطية.
ان جميع الاقنعة التي يرتديها البعض لم تعد قادرة أو نافعة على تغطية أدوارهم الخبيثة وارهابهم الدموي وجرائمهم التي يندى لها الجبين، وتعاونهم مع العدو الصهيوني الذي يستهدف بارهابه المنظم الشعب الفلسطيني، وبوقاحة، يخططون مع تل أبيب للعدوان على ايران، واشعال ساحة لبنان، والاستمرار في ارتكاب الفظائع في سوريا، وقتل الابرياء في العراق، وأيضا التآمر على شعب فلسطين وقضيته.
ان ما اقدمت عليه دول عربية من توثيق لعلاقاتها مع اسرائيل خوفا من اهتزازات وتغيرات تطال انظمة حكمها،هو قرار بالاتجاه الخاطىء،فعليها ان تعيد حساباتها،وان تتجه نحو العمل على دراسة ومراجعة معمقة لكل سياساتها السابقة الخاطئة،والتي رهنت مصير بلدانها وثرواتها واموالها لصالح مشاريع استعمارية هدفها تدمير المشروع القومي العربي،وتفتيت المنطقة وفق أسس مذهبية وطائفية خدمة لتلك المشاريع،عليها ان تتجه الى تحقيق مصالحة عربية شاملة،تقود الى تحقيق الأمن العربي ومصالح الأمة كمجموع،وبما يجعل لهذه لأمة وزناً وقيمة وكرامة بين الأمم،وان يأخذ رأيها وقرارها في كل الشؤون العربية والإقليمية والدولية.
نقول أن المنطقة تمر في مخاض عسير، وستعمل كل قوى الظلام والتكفير والدول المتضررة من التغيرات على الساحة الإقليمية والدولية كل ما في وسعها وبكل ما اوتيت من قوة على عرقلة مسار التغيير لصالح شعوب المنطقة وقواها المقاومة لمشاريع التقسيم على اسس طائفية ومذهبية وعرقية، لإفساح المجال لسيطرة وهيمنة الكيان الصهيوني عليها، ولكن في المقابل فان قطار الخلاص أيضا يتسارع لتحقيق القضاء على هذا الوباء الإرهابي التكفيري.
من هنا نرى ان ايران لديها القوة والكرامة وقادرة على فرض معادلات دولية واقليمية،وستجبر اوباما الذي بات يدرك بان امريكا لم تعد قدر العالم ولا شرطيه الوحيد على التفاوض والاعتراف بها كقوة اقليمية لها مصالحها ونفوذها في المنطقة ، فإيران اصرت على حقها في إمتلاك التكنولوجيا النووية،من اجل الاستخدام السلمي،ورفضت بإصرار التخلي عن مشروعها النووي وحقها في إمتلاك التكنولوجيا النووية،وهي لم ترتعد أو ترتجف من التهديدات الأمريكية ، وهي التي رفضت التضحية بالقضية الفلسطينية وبالمقاومة وبحلفائها .
ان مواجهة هذه الاعمال الاجرامية ، يستدعي من كل شعوب الامة التصدي لهؤلاء الخوارج المارقين الذين باتوا يشكلون خطرا على العروبة والاسلام، وهذا يعني أن مواجهتهم فرض عين على كل عربي وكل مسلم ، كل من موقعه فيمارس الأديب والكاتب والفنان التشكيلي، والأستاذ في جامعته ومدرسته، والعامل في مصنعه، والفلاح في حقله، كل من موقعه في عملية التصدي لهذه الافكار التدميرية.
كاتب سياسي