حينما تقام الاحتفالات بتخريج الطلبة، سواء في المدارس أو في الجامعات، إنما تقام تلك الاحتفالات من أجل إدراك قيمٍ أو لبلوغ أهداف ومرامٍ وغايات. مثل هذه الاحتفالات لا تقام، أبداً، لإنفاق المال والجهد والوقت، دون تحقيق الغاية وإدراك القيمة وبلوغ الهدف.
إن من أهم ما تبتغيه الجامعة- أي جامعة تحترم نفسها وتحترم طلبتها وأكاديمييها وتحترم قيمها وأهدافها وغاياتها- من إقامتها حفل تخريج لطلبتها هو أن تعلن بالفعل وبالقول وبالصوت وبالصورة، وبكل وسيلة أخرى تتأتى لها، أنها قد أتمت مرحلة مهمة من مراحل صناعة مستقبل وطن هؤلاء الطلبة الخريجون هم عماده وبناته وحماته. والجامعة إذ تعلن أن هؤلاء الخريجين هم من صنعها ومن إبداع أكاديمييها، فليس أقل- والحالة كذلك- من أن تشير بالصوت والصورة وغير ذلك من الوسائل، إلى من تربعوا على عرش الجدارة العلمية والتميز الدراسي، فكانوا الأوائل على أقسامها.
ألم أقل ذات يوم لبعض كبار الجامعة دون أن أهمل كبير كبارهم: إن كنتم لا تريدون أن تذكروا أسماء الطلبة الخريجين الذين تعبوا وجدوا واجتهدوا وأبدعوا فحققوا المراتب الأُوَل على أقسامهم، فما هي القيمة، إذن، من الاحتفال بتخريجهم؟! وما هي الطريقة التي لديكم لتميزوا هؤلاء الطلبة الذين ميزوا أنفسهم عن غيرهم؟! كيف تذكرون أسماء الطلبة الخريجين على النحو الذي يسوي بين المتخاذل المغمور والمجد المتميز دون تمييز منكم لمن استحق التمييز؟! كيف تذكرون اسم طالب تخرج بخمسة وستين في المائة وآخر تخرج بخمسة وتسعين؟! كيف تكون المساواة بين من هو في القاع ومن هو على رأس الجبل يناطح السحاب؟! كيف تساوون بين طالب يزحف زحفاً ويجر نفسه إلى المقبول جراً وآخر نال بجدّه واجتهاده وإبداعه مرتبة الشرف؟!
وبعد، فهل تقام احتفالات التخرج هذه لمنح الجالسين على منصة التخريج فرصة الاستعراض بالتقاط صورٍ وإلقاء خُطَبٍ لم يعد لها قيمة أو رصيد، لا سيما إذا نظرنا إلى ما هو أهم وقد تم إهماله، على الرغم مما له من أهمية يعصف إهمالها بكل من جلسوا على منصة التخريج وهم مرتاحون مبتهجون منتفخون ومتورمون؟!
لقد رأينا للجالسين على منصة التخريج صوراً وصوراً في صور تتصل بمزيد من الصور في مواضع مختلفة وأشكال متعددة ومتنوعة، لكننا لم نرَ ولم نسمع إشارة أو إشادة بالأوائل الذين حققوا لجامعتهم وأساتذتهم مجداً يعيب الجامعة أن تتجاهله أو أن تنكره على النحو الذي رأيناه. وهنا وجب السؤال: كيف يتحقق للجامعة مجدها؟ أما الجواب فهو: إنما يتحقق للجامعة مجدها من خلال عطائها أولاً، ثم من اعترافها بالمجد الذي يحققه لها منتسبوها، سواء من أكاديمييها أو خريجيها. أين ذلك المجد، إذن، وجامعة الأزهر تتجاهل أوائل طلبتها الذين حقق كلٌّ منهم أعلى مرتبة على قسمه وفي تخصصه، فلا تذكر في حفل تخريجهم أسماءهم وهم الأوائل، ولا تشير لهم وهم المجدون المبدعون المائزون؟! أي جامعةٍ هذه التي تجعل أوائل الطلبة فيها من المجدين المبدعين المتميزين كغيرهم ممن لم يبذل في
تحصيل العلم جهداً مثلهم؟! أين هذه الجامعة من قوله تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"؟!
إذا كان الطلبة المتميزون من الأوائل على أقسامهم قد دفع كلٌّ منهم 50 ديناراً ثمناً للشهادة كغيره، فأين هو تمييز هذه الجامعة للمتميزين من طلبتها؟! وإذا كانوا قد دفع كلٌّ منهم رسوم اشتراكه في حفل التخرج 30 ديناراً كغيرهم، فأين هو تمييز أولئك المتميزين من جامعتهم؟! وإذا كانت أسماؤهم قد ذُكِرت في حفل التخرج كغيرهم دون تمييز لهم، بل ودون مجرد الإشارة إلى أنهم حصلوا على المرتبة الأولى على أقسامهم وفي تخصصاتهم، فأين هو تمييز جامعتهم لهم ولتفوقهم؟!
أما آخر الكلام، فقد كان لحفل التخرج سمات ثلاث: أما الأولى، فهي استعراض (المسائيل!) من الجامعة وخارجها بالصور والهمزات واللمزات والأحاديث الجانبية والخطب التي لا قيمة لها ولا مضمون فيها، والثانية صب المديح الطافح والطاغي دون كيل أو حساب (لمسائيل!) في الجامعة حتى بلغ المديح مبلغ استعراض أسمائهم وألقابهم وسجل حياتهم، ولكن دونما عدٍّ لأبنائهم وأزواجهم أو ذكرٍ لأعمارهم أو تواريخ ولاداتهم، وأما الثالثة، فهي التسبيح بحمد أبي مازن الذي منحه (المسائيل!) صفة النضال وهو الذي يصرّ على مواصلة مفاوضاتٍ تقف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة ضدها، ثم يعلن عن استعداده الفوري لزيارة الكنيست الإسرائيلي!!!
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد المساعد
كلية الآداب- جامعة الأزهر بغزة