جميل، بل رائع ذاك الوصف الذي أطلقه السيد موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس حين أشار بأن ملف المصالحة مع حركة فتح مؤجل حتى انتهاء فترة ما اسماها "الحمل الكاذب"، في إشارة ذكية منه إلى المفاوضات الجارية الآن مع الكيان الصهيوني للدلالة على فشل جولة المفاوضات التي ستنتهي بعد تسعة شهور!!.
جولة تلو جولة من مفاوضات، هي حلقات مكررة من مسلسل عقيم مج ضاق صدرنا به تنتهي دائما بالفشل المروع، يتبعه قيام المفاوض الفلسطيني بلملمة وجمع أوراقه المبعثرة على طاولة المفاوضات وسط ما تبقى من ماء حيائه وخجله لفشله وعودته بخفي حنين إلى رام الله، والأدهى والأمر من هذا كله إننا سرعان ما نفاجأ بإعادة ذات السيناريو لمسلسل لا ينتهي من جولات عبثية إثر دعوة أمريكية بضرورة إحياء جثة عملية ما يسمى بـ "السلام!!" التي تعفنت وأزكمت الأنوف، فيزداد بذلك الألم الشعبي الفلسطيني جراء ذاك الفشل المنتظر لتلك المفاوضات، يتزامن معه استمرار اتساع هوة الانقسام والتشظي الفلسطيني من جانب، فيما يزداد الصهاينة غيا وجبروتا وصلفا متمثلا باتساع رقعة الاستيطان وتهويد سافر للمقدسات الإسلامية الفلسطينية... من جانب آخر!!.
قبل أيام قلائل خرج إلينا الرئيس الفلسطيني معلنا عن موافقته على جولة جديدة من مسلسل تلك المفاوضات، مصرحاً بذات الوقت عن تمسكه بها حتى آخر جولتها بعد تسعة أشهر وأنه لن يتراجع عنها مهما حصل على الأرض، برغم أنباء تواترت عن استقالة الوفد الفلسطيني المفاوض!!، وأتساءل والحيرة تتملكني مستذكرا في الوقت ذاته حديث رسولنا الكريم بأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، بأي ذريعة هذه المرة جاء قرار الرئيس عباس لبدء جولة جديدة من المفاوضات!؟، أي بارقة أمل لاحت له في الأفق!؟، ثم اي منطق ذاك الذي يدفعه ليعلن قبل أيام قلائل - دونما اكتراث لمشاعر الفلسطينيين المحبطة وأنباء عن استقالة الوفد الفلسطيني المفاوض- عن تمسكه بالمفاوضات الفلسطينية الصهيونية الجديدة حتى آخر يوم في الأشهر التسعة المقررة لهذه الجولة وأنه لن يتراجع عنها مهما حصل على الأرض!؟، أتساءل بمرارة واضعاً أمام أنظاركم أيها الأحبة الكرام جملة الحقائق والمعطيات التالية:
أولاً... الاستخفاف السابق لحكومات تل أبيب المتعاقبة بجهود ما يسمى بالسلام ومواصلتها بتنفيذ سياسة قضمها للأراضي الفلسطينية الواقعة ضمن مدن وقرى طدولة فلسطين الموعودة!!"، وأن استخفافها ذاك لم يتغير رغم الاعلان عن جولة المفاوضات هذه، وشاهدنا على استمرار استخفافها ذاك ما كشفته مصادر إعلامية عبرية النقاب عن قيام وزارة الإسكان وما تسمى بـ"سلطة الأراضي الإسرائيلية" بطرح عطاءات جديدة لبناء حوالي ثلاثمائة وحدة استيطانية جديدة في حي "جيلو" اليهودي المقام على أراضي المواطنين الفلسطينيين جنوب مدينة القدس المحتلة!!.
ثانيا... مواصلة قوات الاحتلال الصهيوني بتنفيذها أجندتها بفرض سيطرتها على الأراضي والمعالم التاريخية المحيطة بالمسجد الأقصى من خلال مخططات ومشاريع تهويدية، وثبوت قيام حكومة الاحتلال الصهيوني ببناء كُنـُس "جمع كنيس" في الأنفاق تحت المسجد الأقصى كما أعلنته وسائل إعلام عالمية!!.
ثالثا... استمرار حملة الاجتياحات والاعتقالات الصهيونية في مدن وقرى "دولة فلسطين الموعودة"، وتزايد اعتداءات قطعان المستوطنين على أبناء شعبنا الفلسطيني هناك أمام مرآى ومسمع قوات الأمن الفلسطينية!!!.
رابعاً...سوء أحوال وأوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية وإعلانهم عن استمرار إضرابهم عن الطعام ولفترات طويلة جدا جراء ما يعانونه من إجراءات تعسفية ظالمة وانتهاكات لأبسط حقوقهم الإنسانية!!.
خامساً... وأخيرا وليس آخراً... كشف حقيقة استشهاد أبي عمار "رحمه الله" من خلال دس السم له بمادة لا تمتلكها غير من يمتلك المفاعلات النووية، وما غيابه القسري كان إلا مصلحة للكيان الصهيوني!!.
تبريرات وأعذار سيقت من قبل من أجل مواصلة جولات المفاوضات تلك ما أنزل الله بها من سلطان، فندتها على الدوام الوقائع المأساوية الجارية على الأرض الفلسطينية، فإن كان تبرير تمسك رئيس السلطة الفلسطينية بخيار المفاوضات بحجة منح الشعب الفلسطيني فرصة للتنفس بعيداً عن أهوال المقاومة ونزف الدم وصعابها، فتبريره ذاك واه مرجوع إليه، ذاك لأنني لم أسمع أو أقرأ يوماً أن أبناء شعب فلسطين قد ضاقوا ذرعا بمقاومة الاحتلال ومجابهته، بل على العكس من ذلك، فها هي السجون والمعتقلات الصهيونية ملأى بأبناء شعبنا المقاوم المتطلع للحياة الحرة الكريمة، وها هي لجان التنسيق الأمني الفلسطيني الصهيوني تمارس مهامها الموكولة إليها بتعطيل قدرات شبابنا التواق لمناهضة الاحتلال والمتطلع دوما لمقاومته وكسر إرادته!!، أما إذا كانت ذريعة رئيس السلطة الفلسطينية بتلبية دعوة الجلوس للمفاوضات كرة أخرى "رغم فشلها وعبث جولاتها" تتلخص بخشيته من إلقاء تبعات فشل تلك المفاوضات على عاتق سلطته، فأطمئنه بأنه لا تثريب عليه، فالمفاوضات التي يصر على المضي قدما بها حتى آخر شوطها- والمقرر أن تستمر لتسعة أشهر- ستبوء كسابقاتها بالفشل الذريع، مهما قدم ومهما تنازل، ولست أول المتشائمين والمبشرين بضياع وقت وهدر جهود الفلسطينيين في مفاوضات جديدة قديمة، فلقد أكد المُتحدث الرسمى باسم رئاسة جمهورية مصر السفير إيهاب بدوى بأن حكومته تشعر بالقلق الشديد وتساورها شكوك حول ما يمكن أن تسفر عنه تلك المفاوضات من نتائج، فى ضوء استمرار النشاط الاستيطانى الإسرائيلى المدمر لفرص السلام، فضلاً عن الاستفزازات والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للحرم القدسى الشريف، ولا ننسى أن نذكر حقيقة بات يدركها الجميع وصارت يقينا لديهم مفادها بأن العدو الصهيوني لن يتخلى عن خياره الستراتيجي المتمثل بتعطيل المفاوضات وقتل الوقت وهدر الجهد أولاً واستمرار نهج الاستيطان وقضم الأراضي وتهويد مقدساتنا في القدس وغيرها ثانيا!!.
لقد آن الأوان، وإن تأخر طويلاً، لتعترف السلطة الفلسطينية بفشل محادثات ما يسمى بالسلام مع الكيان الصهيوني وموتها، كما وآن لها بالتالي أن تتخذ قرارا فلسطينيا جريئا وشجاعا طالما انتظرناه طويلا بالعودة من جديد لرص الصف وتوحيد الكلمة وترصين الجبهة الداخلية الفلسطينية والسير في طريق العز والكرامة الذي كفلته الشرائع السماوية وقرارات الأمم المتحدة، وسترى قيادة السلطة الفلسطينية بأم عينيها حجم الابتهاج والارتياح الشعبي الفلسطيني لقراراتها تلك، لاسيما وأن شعب فلسطين لن يخسر اكثر مما خسره، فالنكبة قد حلت عام 1948 وشرد الكثير من أبناء فلسطين، وما تبقى من أبناء فلسطين المرابطين رازح تحت نير احتلال صهيوني جائر لا يحترم قرارات أممية ولا يستسيغ شرعية دولية، يضاف لذلك كله أن شعب فلسطين قد ذاق تداعيات مرارة قرارات اتفاقية أوسلو التي فرضت عليه فرضاً إبان انتفاضة فلسطينية شعبية مباركة عارمة كان الهدف منها وأدها وتدجين ثورتها وتحجيم أحلامها وحرف أهدافها عن مسارها الصحيح، كما أفرزت تلك الاتفاقية سلطة فلسطينية غدت مهمتها وشاغلها تأمين تنسيق أمني مع قوات احتلال صهيوني راح يمارس القهر ضد المواطن الفلسطيني العادي والمقاوم، في ظل اقتصاد فلسطيني مهلهل غدا يخسر نحوا من 3,4 مليار دولار كل سنة (حسب تقرير للبنك الدولي)، أي نحوا من 35 بالمئة من الانتاج الوطني الخام الفلسطيني بسبب السيطرة "الإسرائيلية" على 61 بالمئة من الضفة الغربية (المنطقة ج)، في وقت نصت تلك الاتفاقية التي أبرمت في أوسلو عام 1993 على أن تنتقل المنطقة "ج" تدريجياً إلى سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية بحلول عام 1998 والذي لم يحدث حتى الآن!!.
لقد بات الخروج من مأزق اتفاقية أوسلو وانعتاق الفلسطيني من قمقمه ضرورة وطنية ملحة لا يجوز للقيادة الفلسطينية وفصائل وحركات التحرير الفلسطينية الانتظار طويلاً أمامه، كما وصار إعادة الاعتبار للمشروع الوطني والتمترس خلف خيار المقاومة في الدفاع عن حقوق شعبنا أمراً واجباً لا فكاك منه ... وإلا فما جدوى التشبث باتفاقية جلبت لشعبنا الويل والآهات، ولقضيتنا الوطنية المزيد من التسويف المماطلة يرافقه محاولات صهيونية حثيثة ومحمومة تسابق الزمن لتغيير ديمغرافية فلسطين التاريخية وصولا لفرض سياسة الأمر الواقع!!.
فهل من مجيب ... أم علينا انتظار انقضاء فترة "الحمل الكاذب"، لنعود بعدها لذات المربع الذي لم نغادره أبدا، ولمنطق التبرير والأعذار!!؟.