هم أصحاب الأرض الأصليين، فقدوا بيوتهم ومصدر رزقهم بعد حرب 1948م، وكبر المشردون وصاروا رجالا وشيوخا، ولازالوا يكتبون حكاياتهم الأولى منذ أن تفتحت عيونهم على الحياة ، فقد لمسوا عمق مأساتهم ومعاناتهم اليومية، كان عبق الوطن المغتصب يصلهم صباح مساء، وكانوا يحلمون ويخططون للعودة القريبة، ويشتد الحنين والالتصاق، ويبدأ الاغتراب برغم الاندماج، وبرغم احتضان الأهل في سوريا الحبيبة لمن قِدموا من عمق المأساة والوطن المحتل والأرض القريبة فلسطين .
في يوم الجمعة 18 مارس 2011 بدأت الاضطرابات في جنوب سورية، امتدت الثورة والأحداث وتحولت إلى أحداث مسلحة ووجه آخر من الحرب الأهلية وسقط آلاف الشهداء، ولأن اللاجئ الفلسطيني الذي اندمج في المجتمع السوري، لا يمكن فصله " نظريا عن المجتمع" ولم تكن المخيمات الفلسطينية بمعزل عن المدن والقرى السورية، وتحولت بعض المخيمات الى نقاط صراع سوري سوري، وفي بعض الأحيان تحولت المخيمات الى ساحة من المواجهات والقصف والقتل والتشريد، والحصار والنقص الشديد مقومات الحياة الكريمة، إن مصير اللاجئين الآن يسير نحو المجهول مع غياب لأي أفق للحل في سوريا مع اقتراب دخول الأزمة عامها الثالث، ويبقى اللاجئ هو اللاجئ وتستمر دورة المعاناة والمأساة وعيونه تنظر الى أرض الوطن المحتل والبعيد والقرارات الدولية المجمدة حتى إشعار آخر لا يأتي إلا في توابيت الأموات عبر رحلات ومغامرات للنجاة من الموت بالموت أو مجازر الطرقات أو انتهاك الأعراض وفظائع يندي لها الجبين الإنساني، إنها النكبات التي لا تتوقف.
هؤلاء الصامدون الذين تتقاذفهم النكبات تلو النكبات يقول التاريخ القريب عنهم أنهم نتيجة جرائم ومجازر الصهاينة ونتيجة لهزيمة 1948 م التجئوا إلى دول أخرى من شمال فلسطين، من مدن وقرى حيفا وصفد وطبريا وعكا ويافا والناصرة والقدس الحبيبة والرملة واللد وبيسان الشهداء بعد أن تم تم تشريدهم وحرق بيوتهم وارتكاب المجازر البشعة والتي يندى لها الضمير الإنساني، وهجِّروا من قدس موطنهم وتاريخهم وكل الآمال والأحلام دمرت، كان ذلك مأساويا بل نكبة فلسطينية، هناك تفتحت العيون في العام 1948 على حياة الغربة بعد معاناة الوصول الى الأهل في الطرف الآخر من فلسطين،
وصلوا إلى سوريا وكان الشعب السوري مضيافا كريما، تقاسموا رغيف الخبز والوظيفة والعناء، تسعون ألف لاجيء فلسطيني احتضنتهم مدن سوريا الحبيبة وكانت دمشق الفيحاء عروس أكبر المستقبلين والمرحبين، وطيلة سنوات الغربة والاغتراب، ، تبنت الحكومات السورية المتعاقبة موقفاً داعماً للفلسطينيين وحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتمت المحافظة على خصوصية الحالة الفلسطينية هوية وكيانا وعدم القفز عن حقوقه كلاجئ يناضل من أجل حق العودة وتقرير مصيره وفق ما كفلته قرارات الأمم المتحدة.
إنه مخيم اليرموك الشاهد الأبرز على معاناة ومأساة اللاجئين الفلسطينيين جرَّاء الحرب الأهلية في سوريا، وكما هو على الدوام شاهد على الصمود وحق العودة ورمزية المخيمات، وأيضا هناك فارقة حيث يعتبر أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سورية، وعلى الرغم من عدم الاعتراف به كمخيم من قِبل الأونروا، وإطلالة سريعة على المخيم نقول: لقد أنشئ عام 1957م ، ويقع إلى الجنوب من مدينة دمشق، على مسافة 8 كم من مركزها، تقدر مساحته بـ 2110 دونمات،، يبلغ عدد سكان المخيم أكثر من 250 ألف لاجئ فلسطيني ( أكثر من ثلث اللاجئين الفلسطينيين في سوريا )، لقد شهد المخيم يوم 17/12/2012 هجره أهله تحت وطأة القصف والتهديد بالتدمير، و نزح منه حتى الان أكثر من 90% من ساكنيه، وحتى 28/2/2013 سقط في مخيم اليرموك وحده 398 شهيداً فلسطينياً .
تتحدث التقارير قبل أيام ان عدد الطلاب اللاجئين المسجلين في الأونروا 47000 طالب ( 19000 لازالوا حتى اليوم يذهبون للمدارس التابعة للأونروا ، و27000 يذهبون للمدارس الحكومية السورية) أي أن جميع الطلبة الفلسطينيين من اللاجئين في سوريا على مقاعد الدراسة . وهذا يعبر عن قدسية التعليم في كينونة اللاجئ الفلسطيني .
في المقال القادم : آفاق وحلول مقترحة لمعالجة أزمة اللاجئين الفلسطينيين