مقتنياته الخاصة تفوق 50 ألف دولار.. تامر الحمرى: عشريني قاد المقاومة بالمنطقة الوسطى

انتهت الحرب الأخيرة على قطاع غزة  قبل عام ، ولم يتبق منها سوى الذكريات الأليمة التي حلت ببعض الأسر بفقدان أبنائها أو بدمار بيوتها أو بتشتيت عائلتها ، والتي لربما حملت في بعض الأوقات وسام فخر واعتزاز لأمهات الشهداء.

حرب بكل ما تحمل الكلمة من حروف صواريخ هنا وهناك ،قصف ودمار في كل حارة ،استهداف قيادات ومنازل وأطفال ، صواريخ لأول مرة تصل لتل أبيب  وتدخل العمق الاسرائيلي ، ارتباك في الشارع الفلسطيني خشية من تصاعد الحرب يوما بعد يوم ،كابوس مر في ثمانية أيام مخلفا دمارا يحتاج أعماره لسنوات.

انتهت الحرب بعد ثمانية أيام من الضرب في كل مكان ، وبدأت الإحصائيات تتولى لعدد الشهداء والجرحى والدمار الذي خلفه القصف الاسرائيلى ، وخلال هذه الحرب استشهد قيادات شابة لم نكن نعرف أنها تقود  جيش بأكمله ، وحملوا مهام صعبة يحملها قيادات بعد خبرة تفوق عشرات السنوات.

الشهيد تامر الحمرى " 26 عاما " استشهد خلال حرب الثمانية أيام ، واتضح بعد استشهاده انه قائد سلاح المدفعية والوحدة  الخاصة في المنطقة الوسطى ، والمسئول الأول عن عمليات القنص وضرب الصواريخ ، مهام كبيرة كان يحملها هذا الشاب والذي لم يظهر لأحد يوما انه على علاقة بعمل عسكري سوى انه متدين وحلوق وملتزم بتعاليم الإسلام ، برغم المهام التي حملها وهو بداية العشرينات نتيجة خبرته.

وما إن تدخل منزله  ترى مدخلا يزينه ما يقارب عشرون صورة في إطارات كبيرة للشهيد في مراحل حياته بالإضافة  لمعرض صغير يحتوى على مقتنيات الشهيد الخاصة والتي اشتراها على نفقته والتي ما زال أهله يحتفظون بها ، وبرغم صغر مساحة التي تتواجد فيها المقتنيات الخاصة إلا أن سعر هذه المقتنيات يفوق الـ 50 ألف دولار.

أم تامر الحمرى " 48 عاما" والدة الشهيد والتي ما أن تسير بين مقتنيات ابنها الشهيد تنساب دموعها شوقا له ولرؤيته ، وفخرا بهذا الشاب الذي لوع الجيش الاسرائيلى بصواريخه  وحرك طائراته بحثا عنه، وتشرح لنا بداية حياته قائلة :" منذ طفولته كان يطلب باستمرار أن اشترى له جنود ، وعندما اشتريهم كان يضعهم أمامه وينبطح على بطنه ثم يقوم بقنصهم وإيقاعهم  ، وبعد وصوله المرحلة الإعدادية انضم للجهاد الاسلامى بعد تأثير ابن خاله عليه وإقناعه بالالتحاق معهم ".

وتابعت " انضم للجناح العسكري للجهاد الاسلامى بمرحلة الإعدادية ، وانضم بعدها لجهاز الأمن الوقائي وحافظ على عمله في الجهازين ، وكان يتواجد يوميا عند ابن خاله يسرى المصري ، وخلال تواجده معه في منزله في إحدى الليالي ، هاجمت الدبابات الإسرائيلية منزل يسرى المصري  عندما كانت المستوطنات في قطاع غزة ، وطلبت عبر مكبرات الصوت بخروج يسرى وتامر وصديقهم الثالث ، ولحسن حظ تامر كان قد غادر المنزل قبل 5 دقائق من وصول الدبابات إلى منزل خاله ، وتم اعتقال يسرى وصديقه وحكم عليهم بالسجن عشرون عاما ".

وما زالت أم تامر تتنفس رائحته الطيبة وذلك بعد أن خرج  لدورة عسكرية خارج فلسطين  وأرسل مع احد أصدقائه العائدين القران الكريم هدية لامه ، والتي ما زالت تحتفظ برائحته في هذا المصحف وتتابع قراءة القران في مصحفه  وتختمه باستمرار إرضاء له.

وبقى تامر سريا وغامضا في عمله في المقاومة ولم يطلع احد على تفاصيل حياته ، إلا انه ابلغ أمه وأهله أخيرا انه مطلوب لقوات الاحتلال الإسرائيلي وذلك بعد أن اتصل به عدة مرات ضباط الموساد الإسرائيلي على هاتفه الخلوي قائلين له " إحنا مش ناسيينك "و " قربنا نصيدك " وكان وقتها يسخر منهم ويغلق هاتفه .

وتضحك أمه مستذكرة كلامه حينما أفصحت له عن رغبتهم في تزويجه فطلب وقتها مواصفات خيالية مثل عروس طويلة وشقراء وشعرها اصفر وعيونها زرقاء ثم قال خضراء فأيقن وقتها والده إن رغبة ابنه لم تتوفر في الدنيا ، وانه لا ينظر إلى الدنيا بل ينظر إلى الآخرة.

وقالت أمه " سألنى في احد الأيام كم مهر العروس فأبلغته تقريبا 4000 ألاف دينار اردنى ، وكان وقتها قد اشترى من حسابه الشخصي سلاح ام 16 مطورة أمريكية الصنع ، ففأجئنى بالسلاح وقال لي هذه عروستي اشتريتها قبل أيام ، ففرحت وباركت له ولكن اصريت أيضا على أن نقوم بتزويجه".

وزار تامر اهله خلال الحرب قبل استشهاده بأيام وتناول وجبة الغذاء بحضور والدته والتي كانت تقوم بإطعامه بيدها ، وكان الطعام ينزل في حلقه بصعوبة وكانت ملامح التعب والإرهاق واضحة على وجهه.

وتبتسم والدته ودموع الفرحة في عينيها قائلة " عندما كنت اطبخ وبالى مشغول كان ياتينى على غفلة وينفخ في اذنى ، ثم أطارده ويهرب منى ونجرى داخل المنزل وتنتهي جولتنا بالضحك ، ورغم شخصيته القوية لكنه يحمل طباع الأدب والأخلاق  المرحة ، وتمنيت منه دائما أن يكمل تعلميه الجامعي حتى يحصل على شهادة عليا وتكون مكانته عالية بين أصدقائه في عمله ، إلا انه كان يجيب دائما سأتى لك بشهادة  مميزة والحمدلله ها هو حصل على شهادة نفتخر بها".

وتستغرب أمه من كثر طلبه للمال ولم تعرف أين ينفقها ، إلا أنها بعد استشهاده اكتشفت أن الأموال يشترى فيها سلاحا خاصا حيث تم عرض كل مقتنياته بعد استشهاده وتجميعها في منزلهم .

وتؤكد والدته أن ابنها قاد الجناح العسكري للجهاد الاسلامى في المنطقة الوسطى منذ عدة سنوات بعد تخطيه سن العشرين ، وكان يتولى قيادة ضرب الصواريخ على إسرائيل وقيادة الوحدة الخاصة التي تقوم بعمليات القنص وقيادة وحدة المدفعية.

وتقدر مقتنيات الشهيد تامر الحمرى التي تم حصرها بعد استشهاده والتي تم شرائها على نفقته الخاصة بما يفوق الـ 50 ألف دولار ، حيث عشرات من اجهزة العتاد العسكري والسلاح   وأشهر مقتنياته سيارة مرسيدس عيون ، وسلاح ام 16 وكلاشن كوف "بن لادن" وكلاشن كوف " زرقاوي" ومسدس روجر تبلغ تكلفته  12 ألف دولار ، ويرفض والده التفريط باى من مقتنيات ابنه الشهيد وما زال يحتفظ بهن .

 ونظرا  لظروف والده التي تمكنه من مساعدة ابنه في شراء كل ما يرغب ، فقد ساعده  في شراء الكثير من أملاكه الخاصة والتي كان يطلبها منه ابنه الشهيد لأنه يعرف انه على صواب في طلباته  .

ويتابع خالد الحمرى  "49 عاما  " والد الشهيد قائلا "ابلغني انه شاهد سلاح من نوع ام  16  وأعجبته جدا ويرغب في شرائها فوافقت بناء على موافقته ، وأعطيته ثمن السلاح واشتراه ،وشاهد كلاشنكوف  وطلبت منى مبلغا وأعطيته إياه ثم اشتراه ، ثم اشترى مسدس روجر بلغت تكلفته 7 آلاف دولار واشتريته له ، وبعد استشهاده جاء أصدقائه ليشتروا بعض مقتنياته بأضعاف سعرها لكننا نرفض التفريط باى من مقتنيات ابني الشهيد حيث كان يهتم دائما في السيارات والخيل والسلاح ".

ومن ضمن مقتنيات الشهيد عدة جعب عسكرية مليئة بالذخائر وساعة يد حاول الشهيد جلبها من الخارج إلا أن ظروف قطاع غزة لم تسمح له بذلك ، ولكنه احضرها فيما بعد عن طريق احد أصدقائه  حيث تلبس هذه الساعة في اليد وتقدم خدمات إضافية للمقاومين مثلا تحديد الاتجاهات ومهام أخرى رفض والده الإفصاح عنها.

ويتواجد في معرضه أربع أجهزة هواتف خلوية اثنين منهن استشهد فيهم وما زالت دمائه على إحدى هذه الهواتف  ، وجهازين لا سلكي خاصات بالمقاومة.

 وخلال عمله زار العريش سرا واستقر عند احد أصدقائه عدة أيام وأعجبته سيارة مرسيدس عيون   فقام بشرائها وابلغ والده بذلك ، وتم إدخالها عن طريق الإنفاق لغزة وقام والده بدفع تكاليف السيارة كاملة والتي تقدر32الف دولار وحاول بعض أصدقاء والده شراء السيارة بما يفوق سعرها الحالي  إلا انه رفض بناء على رفض ابنه وانه الأحق والأجدر باقتناء السيارة.

وقال والده " نجا ابني من الاعتقال في بيت خاله مرة واحدة ونجا من الاغتيال مرتين حيث بعدما انتهى من ضرب الصواريخ شمال القطاع برفقة صديقه الشهيد أبو إسلام عقل ، وبينما كان يحاول  الرجوع بالسيارة لحمل ما تبقى من الصواريخ والمنصة استهدفت الطائرات المنصة واستشهد (شقيقه) على الفور ، في المرة الثانية لاحقته طائرة استطلاع  فنجا منها بعد أن قام برمي هاتفه الخلوي من السيارة على طريق نتساريم  واتجه الصاروخ إلى الهاتف ".

وازدادت لحظات القلق على حياة ابنهم بعد بدء الحرب مباشرة حيث كان أخر اتصال بينه وبين والده في نهار اغتيال احمد الجعبرى، حيث ابلغ  والده أن الأوضاع في تصعيد  ، وطلب منه الاهتمام بنفسه .

وكانت العائلة تعمم على أفرادها بعدم الاتصال به في اى وقت وإرسال له رسالة خوفا من تحديد مكانه من خلال الاتصال به أو إرسال الرسائل.

وعلمت الأم باستشهاد ابنها من خلال قراءة اسمه على شاشة التلفزيون، وأصيبت بالصدمة في حينها ، وانقلب المنزل رأسا على عقب بعدما أشيع الخبر في المنطقة.

وكان الحمرى هو أول شهيد للجهاد الاسلامى في المنطقة الوسطى في الحرب ، وتم قصفه الساعة العاشرة مساءا وتم تشييعه ظهر اليوم التالي وحضر الجنازة آلاف من أصدقائه  برغم ظروف الحرب الصعبة ، ولو  تزوج لما حضر هذا العدد الكبير من الحضور ، وكان تواصله مباشرة في العمل العسكري مع القائد العام للسرايا أبو مرشد قبل استشهاده  منذ  عدة سنوات " حسب أقوال والده"

وكان الشهيد يقوم بالعديد من الإعمال الخيرية  ومساعدة الشباب والعائلة المحتاجة وذلك بعد أن يقوم والده  بإعطائه  مبالغ مالية بناء على رغبته ، ويقوم بتوزيعها حسب حاجة الشباب  والمحتاجين .

أما عمه الاعلامى سعيد الحمرى " 37 عاما " والذي يعتبر الأقرب للشهيد  حيث كانت تربطه علاقة صداقة منذ القدم  فيستذكر الشهيد في عدة مواقف قائلا "  عندما كان تامر صغيرا كان يتأخر عن المنزل دائما ولم نلاحظ عليه انضمامه للعمل العسكري ، ولكن بعد معرفتنا أصبحنا أكثر خوفا عليه وعلى حياته ونتابع كل أموره ".

وأضاف " كان يتمنى تامر أن يستشهد بصاروخ أف  16 ليستشهد على الفور ، لان صاروخ طائرة الاستطلاع قد يسبب عاهة مستديمة أو أعاقة للشخص المستهدف ، وفى أيام الحرب كان يسير مشيا على الإقدام من النصيرات  وصولا للقرارة شمال خان يونس ".

وعندما كان عمه يحذره من الوقوع فريسة للطائرات  كان يرد الشهيد قائلا " الطائرات دواهم عندى أنا اخذت دورة عسكرية  بعرف كيف اموه للطائرات لتكون بعيدة عنى ".

واستخدم تامر خلال عمله في المقاومة ما يقارب 30 شريحة هاتف خلوى  ، للتمويه  وعدم تحديد مكانه في اى يوم ، وما  زالت الأسرة تحتفظ بكل هذه الشرائح .

وأكدت تقارير الشرطة لعائلة الشهيد أن تامر استشهد عن طريقة بصمة الصوت بصاروخ ارض ارض من بارجة حربية على شاطئ دير البلح.

ويذكر أن الأسير يسرى المصري الذي ساعد تامر على الانضمام للجهاد الاسلامى ما زال يقبع في سجون الاحتلال  في ظروف صعبة ، وخرجت مسيرات عدة قبل أيام منادية بالاهتمام بحالة يسرى الصحية وذلك بعد أصابته بسرطان في الغدد في الرقبة ، وما زال يقبع في ظروف صعبة نتيجة وضعه الصحي الخطير.

 

تقرير : أسامة الكحلوت

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -