في الثاني من شهر كانون الاول / ديسمبر من العام 1977 اعتبرت الجمعية العامة للامم المتحدة ذكرى تقسيم فلسطين يوما للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، لكن ضرورة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني كان من المفترض ان ياخذ طابعا عمليا مع نهايات القرن الثامن عشر ومع بدايات المخطط الصهيوني لفلسطين وتهويد الارض، وتحديدا منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول في مدينة بال السويسرية في العام 1897، وبعدها جاء وعد وزير خارجية بريطانيا ارثر بلفور في 2 تشرين ثاني / نوفمبر 1917 (وعد من لا يملك لمن لا يستحق) ليشكل مفصلا استراتيجيا جديدا لضرورة المزيد من التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي بات مهددا في القتل والتهجير ومصادرة الاراضي والممتلكات، ومع تفكك وانهيار الدولة العثمانية ووقوع الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1918 باتت مسألة التضامن العالمي طلبا استثنائيا وملحا ذلك تزامنا مع ما كان يمارسه الانتداب من عمليات قهر وظلم بحق ابناء الشعب الفلسطينني، وغض الطرف عن ارتكاب العصابات الصهيونية للمجازر بحق الشعب الفلسطيني، الا ان حاجة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بلغت اوجها عند وقوع مسألتين، الاولى مع تسبب الكيان الصهيوني ومعها الامم المتحدة بنشوء مشكلة لاكثر من مليون فلسطيني تحولوا الى لاجئين مشتتين في بقاع الدنيا، والثانية قبول (دولة اسرائيل) في هيئة الامم المتحدة الذي كان بمثابة اعتراف جماعي بدولة الاحتلال، وحصلت على توصية من مجلس الامن في 4/3/49 وفي 11/5/1949 ووافقت الجمعية العامة للامم المتحدة على التوصية وقبلت (اسرائيل) بالدولة رقم (59) في الامم المتحدة الامر الذي يشكل اعترافا جماعيا بها، الا ان قرار قبول العضوية كان مشروطا بالتزامها بميثاق الامم المتحدة، وتطبيق قرار التقسيم والقرار 194 في 11/12/1948 الخاص بعودة اللاجئين والتعويض عليهم واستعادة ممتلكاتهم، حيث لم تلتزم حكومات الكيان الصهيوني بتنفيذ القرارين او قرارات الامم المتحدة اللاحقة، واثبتت ولا تزال وعلى مدى اكثر من ستة عقود من الزمن عدم احترامها للاتفاقيات والمعاهدات والمبادئ الدولية التي تتضمن معاقبة من يمارس سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، وينتهك الاعلان العالمي لحقوق الانسان، او ينتهك الاتفاق الخاص بشؤون اللاجئين في جنيف، او التنكر للعهد الخاص بحقوق الانسان المدنية والسياسية، اضافة الى عدم التزامها بتطبيق البروتوكولات الخاصة باللاجئين الفلسطينين ، حق العودة، حق التعويض، استعادة الممتلكات، حق تقرير المصير، حق الشعوب في اختيار من يمثلهم.
أن الرفض الصهيوني لقرارات الشرعية الدولية، لم يكن ممكنا بدون الدعم المباشر والصريح من القوى الاستعمارية ثم الإمبريالية الأمريكية من ناحية وبدون استمرار حالة الخضوع والتبعية والتخلف للحكومات العربية المتواطئة مع النظام الامبريالي من جهة ثانية، ما يعني أن استنهاض قوى حركة التحرر العربية وخروجها من أزماتها صوب استعادة دورها في النضال السياسي والكفاحي والديمقراطي من أجل توفير كل أسس الصمود والمقاومة في فلسطين ومن أجل تجاوز أنظمة ارتمت في خدمة المشروع الاستعماري.
أن قضية الأرض وعودة أصحابها من اللاجئين الفلسطينيين إليها، تشكل جوهر القضية الفلسطينية، كما أنها تمثل التجسيد لمأساة الشعب الفلسطيني. إنها تجسيد سياسي وإنساني وأخلاقي في إطار الصراع العربي الصهيوني ، وباعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، يجب ان يكون هنالك موقف عربي في مواجهة مشروع للهيمنة والسيطرة على العرب هو المشروع الامبريالي الصهيوني، وهذا التحديد أساسي في وعي طبيعة الصراع كما في تحديد الحل الممكن.
إن المسألة المركزية تقوم على أن الصراع مع دولة العدو الإسرائيلي ، باعتباره صراعاً عربياً صهيونياً بالدرجة الأولى، لن يجد حلاً إلا من خلال تفعيل الحراك الشعبي العربي الكفيل وحده بالقضاء على أسباب ضعف جبهة الشعوب ، كل ذلك يمكن أن يصاغ حل يقوم على أساس العمل من أجل أن تكون فلسطين جزءاً من دولة عربية ديمقراطية موحدة، عبر نضال شعبي عربي يكون الشعب الفلسطيني في طليعته .
ان الشعب الفلسطيني قدم الآلاف من قوافل الشهداء وهو ما زال مستمراً في صموده ونضاله رغم كل التنازلات السياسية والمفاوضات العبثية ، ورغم الانقسام ، الأمر الذي يفرض على كافة القوى مراجعة خطابها السياسي بما في ذلك خطاب حل الدولتين ، من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق قواعد النضال باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي صهيوني بالدرجة الأولى.
ان الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعمليات الإرهاب والتشريد والتعذيب والقتل والمعاناة على يد الاحتلال الصهيوني المدعوم من قبل القوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة لم تنجح في اقتلاع هذا الشعب من أرضه بالكامل، وفق المخططات التي رسمت لهذه الغاية.
ان المرحلة تتطلب من الجميع وضع برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل، الأمر الذي يستدعي حوار واسع بين مختلف القوى لصياغة استراتيجية وطنية تحمي النسيج الفلسطيني وبما يكفل ويضمن استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه التاريخية والسياسية والسيادية في فلسطين وهو حل مرهون بتغيير موازين القوى.
ان ظروف النضال طوال المرحلة التاريخية الماضية وصولاً إلى اللحظة الراهنة كانت ظروفاً مجافية، ونقيضة لكل أهداف وتطلعات شعبنا في نضاله من أجل الحرية وتقرير المصير والعودة، حيث قدم تضحيات غالية من شهداء وجرحى واسرى .
ان الاستمرار في المفاوضات العقيمة هي مجرد مضيعة للوقت في ظل سياسة الاستيطان التهويد والتطهير العرقي الذي تمارسه حكومة الاحتلال في الضفة و القدس ومناطق الأغوار، مما يستدعي التوجه الى الامم المتحدة بكل جدية من اجل نيل عضوية فلسطين في جميع المؤسسات الدولية الحقوقية والسياسية والاجتماعية والعلمية والانسانية .، والتمسك بالمقاومة الوطنية المشروعة المدروسة ،وخاصة بعد ان تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 26 تشرين الثاني بأغلبية ساحقة من الأصوات قرارا يقضي بإعلان عام 2014 المقبل عاما دوليا للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وهنا يطرح السؤال التالي هل بقي حبر في قلم الامم المتحدة لتكتب فيه قرارات عن فلسطين.
ختاما : لا بد من القول يبقى يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني مناسبة تؤكد على حق هذا الشعب بتقرير مصيره بنفسه، وعلى تمسك هذا الشعب بحقه غير قابل للتصرف، وعلى العالم ألا يحتفل بهذا اليوم، بل عليه أن يتذكر أن شعباً ما زال تحت الاحتلال.
كاتب سياسي