البعد المائي في تحديد ملامح خريطة تقسيم فلسطين

بقلم: مازن البنا

صادف أمس الجمعة الذكرى السادسة و الستين لقرار تقسيم فلسطين في التاسع و العشرين من نوفمبر من العام 1947 و لربما يتسأل المتابع للشأن الفلسطيني ما هي الاسس التي تمت عليها تحديد ملامح خريطة تقسيم فلسطين الى دولة يهودية بنسبة 55% و عربية بنسبة 44% واخرى دولية بنسبة 1% في منطقتي القدس و بيت لحم تدار من خلال هيئة الامم المتحدة و لماذا هذا التداخل الغريب في المناطق بين الدولتين اليهودية و العربية. في هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على الاسباب و الابعاد الاساسية وراء تحديد ملامح هذه الخريطة.

في نهابة القرن التاسع عشر و بعد اشتداد الضغوط و المضايقات على الجاليات اليهودية في روسيا و دول اوروبا الشرقية بسبب حملات ما يعرف ضد السامية فقد اتخذ اليهود قرارهم بان يتم انشاء دولتهم المزعومة على ارض فلسطين حيث طلبت الحركة الصهيونية العالمية من الدولة البريطانية في العام 1870 ارسال بعثة علمية من الباحثين و الجيولوجين لاستكشاف الموارد المائية و الطبيعية لارض فلسطين و بالتالي يتم تحديد المناطق التي سيتم الاستيطان فيها و بالفعل بدأت البعثة عملها في العام 1873 حيث قدمت تقريرها للحكومة البريطانية في العام 1875. افادت اللجنة في تقريرها ان موارد المياه في فلسطين تتركز في المنطقة الشمالية الشرقية لهذه الارض و هو ما يعرف بالجليل الشرقي حيث بحيرتي الحولة و طبريا و نهر الاردن و منابعه في كل من سوريا و لبنان و نهر اليرموك و بالاضافة الى وجود الخزانات الجوفية في المناطق الساحلية علاوة الى انه بالامكان توليد الطاقة الكهربائية بسبب الاختلاف في مناسيب الطبوغرافيا على طول مجرى نهر الاردن و ما بين نهري الاردن و اليرموك عند نقطة تلاقيهما و انه يمكن جر المياه من بحيرة طبريا الى منطقة النقب في الجنوب و عليه يمكن استيعاب اكثر من خمسة ملايين من المستوطنين الصهاينة في تلك المنطقة و هذا بالفعل ما تم تطبيقه من خلال انشاء ما يسمى بناقل المياه القطري من شمال فلسطين حتى منطقة النقب حيث تم افتتاح هذا المشروع في العام 1964

عند النظر لخريطة تقسيم فلسطين نجد ان البؤر الاستيطانية و الاراضي التي تملكها الصهاينة من ارض فلسطين منذ حملات الهجرة في نهاية القرن التاسع عشر و حتى اصدار قرار التقسيم قد توزعت و انتشرت في منطقة الجليل الشرقي و على طول الحدود الفلسطينية السورية اللبنانية بالقرب من روافد نهر الاردن متمثلة في نهر الدان الذي ينبع من شمال فلسطين و نهري بنياس والحصباني اللذان ينبعان من سوريا و لبنان على التوالي و كذلك في محيط بحيرتي الحولة و طبريا و منطقة بيسان مما يمكن هذه الدولة من التحكم في تدفق المياه في مجرى نهر الاردن علاوة على انتشار هذه البؤر الاستيطانية على طول الساحل الغربي لفلسطين ابتداءا من مدينة يافا و حتى مدينة حيفا شمالا و ذلك لغناء تلك المنطقة بموارد المياه الجوفية و كذلك لايجاد نافذة للدولة اليهودية المزعومة على اوروبا من خلال ساحل البحر

و عليه نجد ان الدولة اليهودية و من خلال قرار تقسيم ارض فلسطين قد استحوزت على اكثر من 70 بالمائة من موارد المياه الموجودة في فلسطين و ذلك بسبب انتشارهم الجغرافي الذي بني على اسس و ابعاد مائية و التي مثلت و لازالت العمود الفقري لانشاء و وجود الكيان الصهيوني و استجلاب المستوطنين من مختلف اصقاع العالم. في نهاية هذه المقالة اتمنى من الله ان يكون لدينا كفلسطينيين نفس التخطيط و التفكير فيما يخص اهمية المياه في واقع و مستقبل حياتنا.

الكاتب م. مازن البنا

دائرة العلاقات العامة والإعلام -وزارة الزراعة

المستشار الاعلامي لوزير الزراعة