قضية فلسطين ، أولاً وقبل كل شيء ، قضية العرب ، فعلى الرغم من تعرض أكثر من جزء في الوطن العربي للاحتلال ، وبعضها لا يزال ، فإنه لم يحدث أن احتل أي منها تلك المكانة التي احتلتها فلسطين في الوجدان والذاكرة والواقع العربي ، لا لأن فلسطين أغلى من أي جزء آخر في الوطن العربي ، وإنما لأن المشروع الصهيوني - الإمبريالي الذي استوطن فلسطين ، تخطى بأهدافه المباشرة والبعيدة أي احتلال آخر لأي جزء من الوطن العربي
لقد مثل احتلال فلسطين التحدي الأكثر تاريخية وشمولا ، ومن هنا نرى ان ما يجري اليوم امام مرآى ومسمع دول عربية واسلامية وامام اعين المجتمع الدولي من عدوان ونهب للارض بهدف تكريس الاستيطان و التهويد و تحويل قضية الحقوق الوطنية الفلسطينية إلى نزاع حول مساحات من الأرض و تثبيت للاعتراف بالكيان الصهيوني ، من خلال وقائع التهويد والاستيلاء على أرض النقب الفلسطيني المحتل ليست سوى حيلة خبيثة لتغطية تصفية قضية فلسطين كليا والرضوخ للهيمنة الامريكية الإسرائيلية بكل شروطها .
لهذا نقول بكل وضوح ان الاستمرار في المفاوضات العقيمة تؤكد ان هنالك شيئ يطبخ في المطبخ ، وهنا لا بد ان نتخاوف مما يجري في الغرف المغلقة ، لان اي استعداد لتنازلات لاحقة سيكون أخطرها التسليم العلني بسقوط حق العودة و تحريك مشاريع العدو لتوطين الفلسطينيين و لتهجير سكان الأرض المحتلة عام 1948 و بدا واضحا من التقارير الإعلامية ، وما اقدمت عليه لجنة المتابعة العربية في واشنطن بموافقتها على تبادل الاراضي ، مما يؤكد التحالف العلني بين إسرائيل والدول العربية المتورطة في هذه الخطة
وامام ما يجري تعيش المنطقة حالات عصفت وتعصف بكل مقدراتها وتعرض الامن القومي والإقليمي لأخطار جمة، صحيح أن كل ذلك يجري بتخطيط وتدبير امريكي صهيوني، ولكن ذلك لا يعفينا من مسؤولية ما آلت إليه أوضاعنا وعجزنا عن إدارة هذا الصراع مع العدو، فالجميع يتحمل وزر هذا السقوط، فالكل يسعى لتقليل حجم المخاطر المترتبة دون النظر إلى ما هو أبعد من ذلك، فحالة القلق والإرتباك واللامبالاة قد بدلت سلوك البعض نحو قضية فلسطين، بحيث أصبحت الاتفاقات الفلسطينية- الإسرائيلية ذريعة للبعض من أجل التطبيع مع إسرائيل والتنصل من أية التزامات، بينما يقف آخرون موقف الحيرة والارتباك، وهناك من اتخذ موقف النقد والغضب، وحصيلة كل هذا أننا نخسر وحدة الموقف العربي المؤيد لقضية فلسطين كقضية مركزية للأمة العربية.
إن الانتهاكات الصهيونية للأراضي الفلسطينية لم تتوقف، والحصار الصهيوني المفروض على الشعب الفلسطيني بالقوة العسكرية ما زال مستمراً، مما يعطي صورة واضحة عن الجرائم الصهيونية، و الممارسات العدوانية، والتي يتصدى لها الشعب الفلسطيني، مما ستزيده إصراراً أكثر على الصمود والمقاومة والثبات.
وفي ظل هذه الاوضاع نرى ان ما يجري من ظروف ومناخات سياسية هي بكل تأكيد صعبة و خاصة في ظل المخاطر وألازمات التي تعصف في المنطقة العربية، ورغم ذلك تبقى صورة الشعب الفلسطيني راسخة في ثباته وتمسكه بأرضه وحقوقه وثوابته الوطنية، وما يجري في النقب والاغوار والقدس وعموم الضفة الفلسطينية يؤكد على تمسك الشعب الفلسطيني بوطنه وارضه حيث يجسد الإرادة الوطنية والرباط الروحي الوثيق بين الإنسان الفلسطيني وأرضه و هذه المناسبة مثلت نموذجاً لمعاني التضحية وعنواناً للاحتجاج والمقاومة والرد المستفيض على سياسة الاستيطان والتهويد.
وامام هذه الاوضاع الخطيرة نرى انه بات من الضروري ان ترفع الفصائل والقوى الفلسطينية صوتها من اجل انهاء الانقسام ، وكل من يسعى الى ابقائه ، لان الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الرد على سياسة الاحتلال الصهيوني في التهام ومصادرة المزيد من الأراضي، فالسياسة الصهيونية التي قامت على التوسع والاستيطان والاحتلال، لن تتوقف حتى بوجود ما يسمى اتفاقيات بل أثبتت التجربة أن حجم الأراضي المصادرة في ظل اتفاقيات اوسلو أكثر بكثير مما سبق. على مرأى ومسمع العالم أجمع
أن نضالات الشعب الفلسطيني في مناطق 48 هي رافد أساسي على خارطة الصراع داخل الكيان الصهيوني، وما جرى في النقب ضد مشروع برافر هو مكمل لمجمل النضال الوطني الفلسطيني كما تؤكد هذه الهبات الشعبية أن قضية فلسطين أكبر بكثير مما يحصل على الأرض من تشكيلات وتفصيلات جديدة وطرح الحلول الجزئية، أو الرهان مجدداً على المفاوضات التي يحصد فيها العدو المزيد من الوقت ومصادرة الأراضي.
ان التمسك بالثوابت الوطنية ووضع خطة للبدء في عملية تطوير وتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية، والمراهنة على إرادة الجماهير وليس على اتفاقات من شأنها أن تختزل صورة النضال الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وحق العودة جوهر القضية الفلسطينية، و إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والسيادة الكاملة غير المنقوصة.
إن النضال يتطلب المزيد من التضامن وإعداد الخطط والبرامج والاستراتيجيات على صعيد حركات التحرر والأحزاب العربية والقوى الفلسطينية، والمراهنة دوماً على قدرة وإرادة الجماهير في تجاوزها للأزمات، والعجز الذي بات يمثله النظام العربي الرسمي، والرهان على الجماهير العربية التي تؤيد المقاومة الوطنية بكافة اشكالها وتعتبرها إحدى الخيارات المشروعة ، لإفشال سياسة الإدارة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة، والوقوف في وجه الهيمنة وما تمثله السياسة الأمريكية من انحياز إلى جانب الكيان الصهيوني وداعم لهذا الكيان وتقف إلى جانبه بوجود شراكة أمريكية صهيونية.
إن النضال الفلسطيني هو جزء من النضال العالمي بمواجهة قوى الامبريالية ، وهذا يتطلب من كافة الشعوب والأحزاب والحركات العالمية الصديقة المزيد من تفعيل صورة التضامن مع الشعب الفلسطيني، خصوصاً إرسال لجان التضامن إلى داخل الأراضي المحتلة لفضح وتعرية السياسة الصهيونية العنصرية فيما تقيمه من معازل وسجون كبيرة وما تفرضه من حصار.
ختاما : لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني بارادته الحية سينتصر وينال الحرية، مهما كانت التحديات والصعوبات ، وهو يرى وقفة مناضلي الحرية القابضين على الجمر في سجون الاحتلال ومعهم الشرفاء والاحرار في العالم ليثبتوا ان ارادة الصمود والتضحية اقوى من جبروت الاحتلال واعلى من اسوار سجونه وبأن النصر آت لا محاله.
كاتب سياسي