كشفت صحيفة غلوبس الاقتصادية أن شركة الكهرباء القطرية الاسرائيلية إستأنفت المفاوضات مع الشركة البريطانية للغاز "بريتش غاز" لشراء الغاز الفلسطيني، كانت الشركة البريطانية قد وقعت اتفاقية مع السلطة الفلسطينية للتنقيب عن الغاز الطبيعي في بحر غزة في نوفمبر 1999، وفي عام 2000 بدأت الشركة أعمالها بحفر بئرين للغاز "غزة مارين 1،2 " على بعد 36 كم من شواطيء مدينة غزة، وقدرت الشركة احتياطي الغاز فيهما بما يقارب من 33 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي الاقتصاد الفلسطيني لما يزيد عن ربع قرن، وبإمكان فلسطين تصدير الفائض عن حاجتها، يوم انطلق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على متن قارب لتدشين آبار غزة للغاز، اتسعت دائرة التفاؤل كون ذلك يدخل فلسطين نادي الدول المصدرة للغاز، والتفاؤل له ما يبرره كون اكتشاف الغاز يشكل رافعة للاقتصاد الفلسطيني، ليس فقط من حيث الدخل الوطني وإنما أيضاً بما يرافقه من ضخ استثمارات كبيرة وتشغيل الأيدي العاملة وخلق صناعات رديفة له، الاشكالية الأساس تمثلت في المشتري.
حكومة الاحتلال حاولت من اليوم الأول لاكتشاف الغاز في بحر غزة أن تبقيه بلا طائل، حيث رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق "شارون" شراء الغاز الفلسطيني، مدعياً أن الأموال ستصب في خزينة السلطة الفلسطينية والتي بدورها تمول "الإرهاب"، وحقيقة الأمر أن خشية اسرائيل تمثلت في أن دخل الغاز سيمنح السلطة الفلسطينية القدرة الاقتصادية التي تخرجها من بوتقة اعتمادها على الدول المانحة، وبالتالي لن تمثل الأزمة الاقتصادية للسلطة السوط التي تجلد به حكومة الاحتلال طموحات الشعب الفلسطيني، ولعل الشروط التي وضعتها اسرائيل لاحقا تؤكد على ذلك، حيث اشترطت حكومة الاحتلال أن يذهب نصيب صندوق الاستثمار الفلسطيني "شريك شركة بريتش غاز مع CCC، إلى ذات الحساب الي تحتفظ فيه حكومة الاحتلال بقيمة العوائد الضريبية المستحقة للسلطة الفلسطينية، وهذا يعني أن بمقدورها تجميد التحويل وقتما أرادت ذلك، كما كانت تفعل دوما في أموال الضرائب، والشرط الثاني أن يمتد خط الغاز مباشرة من الآبار إلى ميناء عسقلان بحراً، وهذا يعني عدم قدرة السلطة الفلسطينية على التحكم بإمدادات الغاز إليها، ناهيك على أن حاجة القطاع من الغاز طبقاً للاشتراطات الاسرائيلية لا بد وأن يعود إليه بموافقة إسرائيلية.
اتفاقية 1999 رغم ما فيها من اجحاف، إلا أنها تؤكد على الملكية الفلسطينية للغاز في عمق شواطيء غزة، وبناءاً عليه بإمكان المالك وحدة وضع شروطه التي تخدم مصالحه، ولعل هذا ما دفع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لرفض الشروط الاسرائيلية جملة وتفصيلاً، وتوقفت حكومة الاحتلال عن التفاوض مع شركة بريتش غاز، إلا أنها عادت إليه قبل ستة أشهر من بدء حربها على غزة "الرصاص المصبوب" عام 2008، وما ما دفع البروفيسور ميشيل تشويفسكي "استاذ الاقتصاد بجامعة أوتاوا لأن يفجر مفاجأة أكد بالبراهين أن حرب اسرائيل على غزة كان من أهدافها تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي الموجود في سواحل غزة، كانت حكومة الاحتلال قد عرقلت اتفاقية كانت على وشك التوقيع بين الشركة البريطانية والحكومة المصرية عام 2006، وقيل يومها أن توني بلير لعب دورا في ذلك.
ما يعنينا اليوم أن شركة الكهرباء القطرية الاسرائيلية أعادت التفاوض مع الشركة البريطانية طبقاً لما تم تسريبه في وسائل الاعلام الاسرائيلية، وهذا يتطلب أن يكون المالك هو صاحب القرار الأول والأخير، ليس هذا فقط بل بات علينا دفع الشركة البريطانية لفتح أفاق جديدة سواء مع مصر أو الأردن، مستفيدين من مكانة فلسطين التي حظيت بها العام الماضي كدولة مراقب في الأمم المتحدة، وهو ما يجب أن يكفل لها حرية أكبر في استخراج غازها وتصديره إلى حيث شاءت، ولعل هذا ايضاً يؤكد على حاجتنا إلى إنهاء الانقسام اليوم قبل الغد، كي لا يبقى غزة مارين في دائرة الانقسام والنسيان.