كثيرا ما تخدعنا العناوين في حياتنا العملية ،فمثلا نجد على أحد عربات الباعة المتجولين ملك الكبده ،وما أن نقترب منه وإلا فنجد أن عربته تكاد تنخلع عجلاتها المتموجة ،وتنفطر من هشاشة العظام الخشبية ،ولا نجد في سندوتش الكبده سوى فتات بصيلات متزاحمة تحاول دوما أن تطمس معالم الكبدة الوهمية ..!! وكذلك الحال عندما نمر بأحد الشوارع فنجد على أحد صالونات الحلاقة يافطة مكتوب عليها "أحلى قصات الشعر الشرقية والعالمية "،وما أن ندخل ذاك الصالون ،وإلا ونكتشف بأن صاحبه لا يدرك الشرق من الغرب ،ولا الشنيون من الشنيور "المقدح الكهربائي " ..!! وكذلك عندما نريد أن نتناول طعام ما في أحد المطاعم يلفت انتباهنا كثيرا اليافطات التي منها أشهى المأكولات الشرقية والغربية ،ولا أعلم لما يصر أولئك على الجمع السلبي بين الشرق والغرب رغم إننا كشرقيين قد ألتهمتنا دودة الانقسام ،والانسلاخ ..المهم ، وما أن ندخل تلك المطاعم وإلا علينا قبل الدخول التأكد من أننا نحتفظ برقم واحد فقط ضروري ألا وهو رقم عربة الإسعاف .. !! عندما سافر أحد الأصدقاء إلى اليمن لأول مرة نهاية الثمانينات ،أيان التحاقه بالكلية البحرية هناك .. حيث كان على متن سيارة مسرعة كانت تسابق الريح في طريقها من صنعاء إلى الحديدة ،و الحديدة هي أحد محافظات اليمن على ساحل البحر الأحمر،وتعرف بعروس البحر الأحمر هناك ، وتبعد مدينة الحديدة عن العاصمة صنعاء بمسافة تصل إلى حوالي (226) كيلو متراً. وتعد من أجمل المدن اليمنية المهم هو انه.. ما لفت انتباهه كما حكي لي .. يافطة كبيرة على مقربة من مدخل المدينة .. مكتوب عليها بالخط العريض كأفيشات السينما " ابتسم أنت في الحديدة " فما كان منه ،وبصورة تلقائية سوى أنه قد ابتسم ،وتفاءل جدا فاليافطة في رأيه تدعونا كمسافرين أغراب عن البلاد إلى الابتسامة ،ولما دخل المدينة الفاضلة ابتسم من كل قلبه ووجدانه ليس بسبب الاخضرار، والجمال الخلاب الذي يخيم على المدينة ،ولا لجمال الشاطئ .. أو النشاط الاصطياد السمكي الملاحظ ، بل كانت ابتسامته بسبب درجات الحرارة الملتهبة ،التي تفوق الوصف مقارنة بالحياة التي عاشها من قبل ،والتي تعرض للفحاتها بكل قساوة، فهناك أيقن فيما بعد أنه لا يمكن العيش بدون الكونديشن فلا تكفي المراوح الكهربائية ،وحدها ولا تجدي نفعا ،ولما دخل ذاك الصديق أسوار الكلية البحرية هناك،ذات الصرح الشامخ ،والتي كم يعتز بذكراها لأنها كانت نقطة تحول حقيقي في مستقبل حياته ، وهناك من أغرب ما حكاه لي هو أنه بمجرد الاستحمام بعد التدريبات اليومية الشاقة ، وإلا وكأن شيئا لم يحدث فالعرق تغتال قطيراته حنايا الجسم بسرعة فتتصبب تلك القطيرات المتواصلة كالدماء التي يصعب وقف نزيفها.. بل كالشلال المتدفق بالمياه ،وعندها أيضا كان يبتسم رغما عنه لأنه في مدينة الحديدة ..!!،ما جعلني أحلق بتلك الفكرة التي اجتاحت مخيلتي ،هي أن صديقا عزيزا لي عرض صورة له ببزته العسكرية عبر الفيس على صفحتي وفي أعلى الصورة عنوان هو بيت القصيد ، والعنوان اسمه" أمام القصر" ..فابتسمت ابتسامة عريضة لأن من يقرأ العنوان يتوهم لأول وهلة أن القصر مكان عظيم ورائع عموما ففي القصور تسكن الملوك ،والملكات وفي القصور كل من فيها مسخر لخدمة الملوك من خدم وحشم وجواري وحراسات وامن وتنابلة للسلطان أو الحاكم ،وفي القصور الحالة السائدة الترف واللهو و تقديم أشهى المأكولات كما في حواديت ألف ليلة وليلة .. تلك هي النظرة الظاهرية عن عنوان الصورة أمام القصر ،والحقيقة غير ذلك تماما فداخل القصر ،وما أدراكم ما بالقصر ،وكما يقول صديقي انه أي القصر بيت لرحلة عناء وعسكرة مرة وشاقة ،طوال اليوم ولما لا وهم كما تعلموا أنهم في مصنع الرجال آنذاك !!،وأحلى اللحظات التي ينعمون بها داخل القصر هي فقط عندما يصيح الجميع من الطلاب الأحدث نوبة "نوم" عندها فقط كان يتيقن صديقي حقيقة اليافطة :ابتسم أنت في الحديدة ..!!