الإله الرقمي وشريعة العولمة!

القرن ال21..هل هو قرن الأديان؟ بعبارة أدق، هل ثمة يقظة للأديان يعيشها العالم في هذا القرن؟..أم أن ما نعيشه – خاصة في منطقتنا - من صعود نسبي للأديان والطائفية الدينية هو صحوة الموت على نحو ما يرى البعض؟ وهل يمكن للأديان أن تزوي وأن تموت كالبشر؟

"الرقمية" هي ما قد يساعدنا على تشريح الاجابة الغربية على هكذا تساؤل، بقدر ما يزعم العولميون من نجاح في فك شفرة الدين. ثمة إمكانية برأيهم لظهور أديان إفتراضية(!!)، تكون خليطا هجينا من نحل وشرائع سماوية وغير سماوية، استنادا إلى سطوة الرقمية وقدرتها على النفاذ إلى قلوب وعقول البشر على نحو لم يسبق له نظير في تاريخ البشر. نسمع اليوم عن الحج الافتراضي والمعابد الافتراضية والزواج الافتراضي..الخ. أمور كهذه لطالما أحيطت بسياج رهيب من القداسة والتوقير تأتي الرقمية للتجرأ عليها وتحاكيها ببساطة، لم نعرفها قبلا.

الرقمية هي نتاج العبقرية الغربية، بكل ثوريتها وتمردها ونزوعها لاقتحام المجهول، ومن ثم فالرقمية وإن كانت وسيلة إلا أنها جزء أصيل من الرسالة! العولمة هي المضمون الذى تبثه الرقمية على نحو شديد المنهجية والدربة غير مسبوق في قلوب وعقول البشر، في كل مكان. الرقمية في علاقتها بالعولمة نتيجة وسبب، مخلوق وخالق، رسالة ورسول، شريعة وإله، تريدها قوى السوق الكونية ديانة رقمية توحد البشر وتحقق ما لم تحققه الأديان المتعارف عليها اليوم.

 نحن – إذن-، إلى جانب الأديان الافتراضية التى يُهيأ الفضاء الرقمي بقوة لافرازها، إزاء ديانة جديدة، الاله فيها – كما تريده قوى السوق المستترة – هو الرقمية، والشريعة هي العولمة، ديانة يُراد لها – كما أسلفت توا – توحيد البشر، ذلك الحلم الذى لطالما راود الكثيرون عبر التاريخ، ولو أن أحدا منهم لم ينجح – ربما لتعارض ذلك مع سنة كونية هى التنوع والاختلاف -. الاله الرقمي..هل ينجح هذه المرة في توحيد البشر في ظل شريعة عولمية، يؤدي البشر بموجبها فريضة التسوق بلا كلل، تقربا لهذا الاله الرقمي، صاحب ما يسمونه "المشيئة الذكية".

أفكار كالمعروضة توا بعيدة تماما عن تفكير مجتمعاتنا ومنظرينا عدا قلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لا تجد دراساتها وأبحاثها اهتماما يُذكر. لكن، مثل هذه الأفكار في بؤرة اهتمام الغربيين، خاصة من ناحية إمكانية توظيفها في تفكيك الحضارات غير الغربية – خاصة الاسلامية -، باعتبارنا محل اهتمام غربي شديد منذ هجمات 11/9. يظهر ذلك من كم الأبحاث والمراكز البحثية المتخصصة في مجتمعاتنا. إنه استشراق "تفكيكي" لم نعرفه من قبل!

استشراق تفكيكي ليس كنظيره "التنويري" الذى لطالما شكونا منه وشككنا في نوايا أصحابه. هم ملائكة مقارنة بالمستشرقين "الجدد"، والذين هم في خدمة قوى السوق الكونية..