اختصر نتانياهو مشاكل الشرق الأوسط بالخلاف بين التقدمية التي يقودها الصهاينة، وبين الرجعية الإسلامية التي حصرها في دولة إيران، وحزب الله، وحركة الجهاد الإسلامي، وحركة المقاومة الإسلامية حماس. وقد نقلت وسائل الإعلام الإيطالية عن نتانياهو تحذيره الشديد من امتلاك إيران للسلاح النووي، لأن ذلك سيضع حداً للتقدم في الشرق الأوسط، وسيهدد السلام في أوروبا والعالم بأسرة.
ودون فذلكة سياسية، ودون التدقيق في الخط الوهمي الفاصل بين المذاهب، ودون تمزيق العرب والمسلمين إلى خط معادٍ للصهاينة وخط مهادن لهم، ودون الأخذ بنظرية المؤامرة التي تستهدف أهل السنة فقط ـ كما يدعي البعض ـ فقد جاء تصريح نتانياهو بمثابة الصفعة على صدغ الفكرة التي لا تفرق بين مسلم سني مقاوم، وبين مسلم سني مساوم، صار شرط بقاؤه في الحكم أن يكون خادماً لأعداء الأمة، فجاء وصف نتانياهو لأعداء إسرائيل بالرجعية، بمثابة الرد الصريح على كل أولئك الحكام الذين اعتادوا الاصطفاف في طابور، لتلقي التعاليم السياسية مع حليب الصباح، ليبدءوا نشرتهم الإخبارية وفق مزاج الصهاينة، وبما يوافق هوى نتانياهو.
فمن هم أعداء إسرائيل الذين رسم معالم حضورهم عدوهم نتان ياهو؟ وبما يتميزون عن غيرهم من العرب والمسلمين؟ ولماذا اختار نتانياهو هذه القائمة من الدول والحركات الإسلامية الممتدة من إيران حتى قطاع غزة؟ لماذا استثنى نتانياهو كثيراً من دول المنطقة كثيرة العدد أو كثيرة المال، ولم يدرجهم ضمن قائمة الرجعية؟ ولماذا تجاهل كثيراً من الحركات، والقوى السياسية المتواجدة، ولم يلق لها بالاً، ولم يناصبهم العداء؟ ولماذا لم يشغله حجم السلاح المكدس في مخازن بعض الدول العربية؟
ودون فصاحة مصطنعة، ودون تحاليل سياسية مركبة، لقد فضح نتانياهو بتصريحه هذا حلفاءه في المنطقة، لقد فضح انضباطهم، ولعق بلسانه على تصرفهم المؤدب مع دولة الصهاينة، فاعتبرهم تقدميين، في الوقت الذي حصر الرجعية في أولئك الذين ما زلوا يصرون على حمل البندقية، ومواصلة المقاومة، أولئك الذين يهدد وجودهم وجود دولة الصهاينة، أولئك الذين يهدد امتلاكهم للطاقة النووية السلمية نفوذ الصهاينة في المنطقة، ورفضوا أن يكونوا حراساً على مصالح الغاصبين، ليصيروا من وجهة نظر نتانياهو رجعيين.
وعندما يصدق بعض الحكام العرب نتانياهو حين يقول: إن السلاح النووي الإيراني معيق للتقدم في المنطقة، ومهدد للسلام العالمي، فمعنى ذلك أنهم يصفقون للسلاح النووي الإسرائيلي، ويرقصون لوجوده بصفته مرآة الحضارة، ولأنه لمسة إنسانية رقيقة.