من الطبيعي جدا أن تنعي الجامعة العربية نيابة عن الوطن العربي الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم فقيد مصر والعالم العربي. وبلمحة بسيطة عما قاله البعض عنه فنجد أن الشاعر الفرنسي لويس أراغون: يقول عنه «إن فيه قوة تسقط الأسوار» بينما أسماه الدكتور علي الراعي « الشاعر البندقية» ،ومن الطبيعي أيضا.. أن أخط بقلمي لأرسم ملمح تاريخي في نعيي عن شخصية بل طفرة إنسانية بالدرجة الأولى ،لما تتمتع به تلك الشخصية من طيبة وبساطة ،وشفافية راقية تفوق في بياضها صفاء الحليب ،وحنايا الجليد ،شخصية تمتلك بفطرية عميقة كالجذور من حس وطني وشعبي مرهف وانسجام إيجابي لسفير الطبقة الكادحة و كل المعذبين والمكافحين ،والفقراء في الأرض .. لم يهنأ لي بال بعدما علمت بخبر وفاته أن يمر ذاك الحدث مرور السحاب ،كأمطار وهمية حلم بها فلاحي الأرض لكي ينبت الزرع أو العطشى الذين ينتظرون رشفة ماء ، اعترف انه تقصير متعمد مني كالآخرين الذين لا يشعرون بأهمية ،ومكانه من حولهم إلا عندما يرحلون ،هي مجرد ومضات خاطفة كالبرق أردت أن أشير بها في مقالي هذا عن هذا العملاق الثوري ،..فلم تفقد مصر وحدها ،الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم أحد أهم شعراء العامية والذي عرف بأشعاره الوطنية وانتقاداته اللاذعة ، ليس فقط لحكومات مصرية متوالية بل للشأن العربي بصورة عامة .. نجم ذاك الفارس الشاعري الثوري الملتزم و المعاصر ذاك برأيي أنه أقل ما يمكن أن أوصفه به .. ذاك " النجم" اللامع في سماء الثائرين عن الذين يفتشون عن التحرر ،والكرامة، وحرية العيش ، لم يكن نجم شاعرا شعبيا خالصا بل كان عالميا في كلماته الملتهبة ،والتي كم أدفئت القلوب البائسة وسط شتاء البطش ،والقهر وظلم الحكام والساسة ، المعروف بأشعاره السياسية النقدية صاحب "مصر يامّا يا بهيه " وصاحب رائعة " البتاع"وكلمتين يا مصر" و"جيفارا مات" و"كلب الست" والذي شكل بكلماته الوطنية ظاهرة فنية رائعة وساحرة في عالم الدويتو قلما تتكرر مع المغني الشيخ الإمام عيسى ،حقيقة أني أقول من أن يحب أن يرى مصر ،فلينظر إلى عبقرية الشعر العامي احمد فؤاد نجم فسمرة بشرته هي صورة منسوخة من تراب مصر ،وتعاريج جبينه تبدو كمياه النهر..نهر النيل في انسيابه ،ووجنتاه الحمروان خوفا من ضياع مصر وخجلا تراءت كحبات الفراولة المزروعة على ضفاف النهر.. لقد كانت جلبيته البسيطة خريطة نجاة للأحياء الفقيرة والشعبية .. ،لو كنت احد مسئولي جائزة نوبل ،أو من ذوي القرار في لجنة الحكم ما ترددت ولو لحظة في منحة لقب الفوز بتلك الجائزة العالمية وفي تكريم ٍ يليق بمكانته ،فهو لا يقل مكانة عن الأديب / نجيب محفوظ أو غيره إلا أن النقطة الفارقة والمركزية والتي تحول دون منحه جائزة نوبل سوى أن نجيب محفوظ رضي عنه الحكام والساسة والمستشرقين والمنافقين وما أكثرهم ،لكن نجم يعتبر العدو اللدود ليس لأنه يعري المرأة، ويجسد أواصر جسدها كما في روايات محفوظ ، مع خالص اعتذاري لعشاق نجيب محفوظ ،ولكنه أي احمد فؤاد نجم كان دوما يعري زيف الزعامات ، والحكام ،ويُساقط عن براثن خياناتهم أوراق التوت التي يلتحفون بها ،فهناك فرقا شاسعا بين من يُعري الجسد ،ومن يعري أعداء الوطن والوطنية ..إن نجم لا يقل وطنية عن "همنجواي " الذي أصيب 227 قذيفة في ساقه ،أثناء الحرب الأهلية الاسبانية دفاعا عن المظلومين ،أصحاب الحق كما كان يقول عنهم .. صحيح أن نجم رحل عن عالمنا ،ولكن أعماله الشعرية لم تزل تشع بكل حفاوة لتنير دروب البؤساء ويبقى السؤال :هل سينصفه المؤرخون الذين يدعون كتابة التاريخ أم سيسقط كما يسقط العظماء ،لعدم رضى الحكام عنهم ؟!