رحيل مانديلا وجياب.....خسارة لكل الثوريين

بقلم: راسم عبيدات

برحيل نيلسون مانديلا الزعيم الأفريقي والقائد الأممي ومحرر جنوب افريقيا من العبودية وحكم الأقلية البيضاء العنصرية...ورحيل القائد الفيتنامي نجوين جياب الذي لعب دوراً مركزياً الى جانب رفيق دربه "هوشي منه"في هزيمة اعتى قوتين استعماريتين فرنسا وامريكا وتحرير فيتنام وتوحيدها تكون الحركة الثورية العالمية وكل قوى التحرر والسلم والتقدم والديمقراطية في العالم، في اقل من شهرين،قد خسرت قائدين كبيرين قلما يتكرر وجودهم في التاريخ البشري،فهما لم يكونا مجرد قائدين وملهمين،لكل الشعوب المضطهدة والمظلومة وحركات التحرر في العالم اجمع فقط،فالقائد قد يقود معركة او حرباً،ويحقق فيها انتصاراً،بل كلاهما كان مدرسة في النضال والكفاح،فجياب غلب على عمله الجانب العسكري،في حين مانديلا كان نضاله وكفاحه شعبياً وسلمياً،ودفع مانديلا في سبيل قيمه ومبادئه واهدافه وحرية شعبه 27 عاماً من حياته في سجون العنصرية والأقلية البيضاء في جنوب افريقيا،ورفض المساومة على حرية شعبه،عندما عرض عليه عام 1985 صفقة من النظام العنصري تشمل إطلاق سراحه مقابل وقف المقاومة المسلحة،ورفض ذلك بعناد وإصرار،ومقاومته للتميز العنصري ومدى الظلم والقهر الذي ألحقته الأقلية البيضاء بشعب جنوب افريقيا باغلبيته السوداء،لم تصنع منه زعيماً حاقداً او متحاملاً على تلك الأقلية،ولم يتعامل معها بلغة الثأر والإنتقام،فهو من قال بعد تحرره وفوزه برئاسة جنوب أفريقيا،من خلال حزبه المؤتمر الوطني الأفريقي": "كرّست حياتي لكفاح الشعب الأفريقي وحاربت هيمنة البيض بقدر ما حاربت فكرة هيمنة السود. كنت دائماً أرفع عالياً نموذج المجتمع الديموقراطي الحر، حيث الجميع يعطون فرصاً متعادلة ومنسجمة. وإذا اقتضى الأمر سأموت من أجل هذا الهدف".وما يجمع هذين القائدين،ليس الوفاء لقيميهما ومبادئهما وافكارهما واهدافهما وحرية شعبيهما،بل إمتلاكهم للإرادة ووضوح الهدف واتجاه البوصلة،فهذه من العناصر الهامة لتحقيق الإنتصار، وكم من فئة قليلة هزمت فئة كبيرة، فئة مؤمنة بحتمية انتصارها وثابتة على مبادئها،ومصممة على نيل حريتها وإستقلالها مهما غلى الثمن وعلت التضحيات.
تعلمنا من جياب والفيتناميين كيف لحركة ثورية أو حزب ثوري في بلد فقير بموارده،غني بكرامته وإرادته ومؤمنا بحتمية إنتصاره،أن يصنع نصراً كبيراً،رغم كل الإختلال الكبير في موازين القوى على أعتى قوى الظلم والإستغلال في العالم،فالثورة الفيتنامية وحزب الشعب الذي كان عمودها الفقري،بقيادة الجنرالين الكبيرين هوشي منه وجياب حققت انتصارين تاريخيين،على أكبر وأشرس قوتين استعماريتين في العالم فرنسا وامريكا،حيث منيتا بهزائم ساحقة أمام قوى الثورة،رغم تفوقها بالعدد والعدة وأحدث انواع السلاح.
وتعلمنا من مانديلا ورفاقه بأن النضال الشعبي والجماهيري وفرض المقاطعة والعقوبات على نظام الأقلية البيضاء والتميز العنصري"الأبارتهايد" كفيلة بان تفكك مثل هذا النظام وتسقطه،شريطة ان تكون هناك قيادة ثورية بمستوى التحدي والمهام والمسؤوليات،ومستعدة للتضحية في سبيل حرية شعبها اولاً واخيراً،وليس من اجل مصالحها او فئويتها او مشروع استثماري،ولو كان على شكل سلطة هزيلة مهزومة،مجردة الصلاحيات ومحدودة السلطات.
جياب وهوشي منه وغيرهما من القادة الثوريين من أمثال الشيخ حسن نصرالله،لم يفقدوا البوصلة،وكان لديهم وضوح في الرؤيا والهدف والإستراتيجية،ولذلك هم كانت أولويات صراعهم،نحو العدو المحتل.
نعم هؤلاء القادة العظام حققوا إنتصارات كبرى،ولكنهم كانوا زاهدين في الحياة،إنسحبوا وابتعدوا عن الأضواء وعاشوا عيشة طبيعية،ولكن أفعالهم واعمالهم ومآثرهم وبطولاتهم تبقى تتداولها وتتناقلها الشعوب من جيل لجيل،ويبقون هم أحياء في ضمائر شعوبهم الوفيّة لذكراهم، فأكّدوا بذلك أن الثوريين لا يموتوا بل يتجددون باستمرار عبر كفاح شعوبهم.
القائد والراحل الكبير مانديلا،ترك أثراً طيباً،وفرض احترامه على أعدائه قبل أصدقائه،فكان مثالاً للقائد والمناضل في كل شيء وائم بين قناعاته وأفكاره ومبادئه،وعمل على ترجمتها على ارض الواقع،وليس كحال الكثير من قادة منظماتنا واحزابنا العربية والفلسطينية،الذين لا يتخلون عن قيادة تلك الأحزاب،إلا بتغييب الموت لهم،وإن كان الحكيم جورج حبش استثناءاً في هذا المجال،يتربعون على قيادة تلك الأحزاب والتنظيمات طيلة فترة حياتهم،و"يجترون" ليل نهار عبارات الديمقراطية والتجديد والتغيير في قيادة تلك الأحزاب،دون ان تطالهم او تمس بمكانتهم ومصالحهم وإمتيازاتهم،ودائماً يجرون انتخابات على مقاساتهم بعد طول غياب،وبما يجدد الثقة والبيعة بهم،رغم كل الخراب والدمار الذي يلحقونه بتلك التنظيمات والأحزاب.
مانديلا الحائز على جائزة نوبل عام 1993،نالها عند جدارة وإستحقاق،فهو لم يكن طامع او ساع لسلطة،بقدر ما هو مناضل من اجل حرية شعبه،ومناضلاً عنيداً وصلباً ضد كل اشكال القهر والظلم والتميز والفصل العنصري،ومن هنا رأينا مجرد وفاته كيف كان لها صدى على مستوى العالم،حتى ألد اعداء البشرية من قادة الرأسمالية المتغولة والمتوحشة نعوه وبلدانهم نكست أعلامها إحتراماً وحزناً عليه،كذلك الفنانين والممثلين العالميين،وفي هذا الجانب نسجل وننقل ما قاله رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما " إن مانديلا ضحى بحريته من أجل حريات الآخرين، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يتصور حياته الشخصية بدون النموذج الذي قدمه مانديلا.واضاف أوباما اليوم، الولايات المتحدة فقدت صديقا قريبا،وجنوب أفريقيا فقدت محررا عظيما، والعالم فقد الهاما للحرية والعدل والكرامة الانسانية .
وقال الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إن العالم فقد بوفاة مانديلا أحد أهم قادته وواحد من كائناته البشرية الممتازة.أما رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون فقال"إن لقائه بمانديلا كان بمثابة شرف عظيم.في حين وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مانديلا بأنه عملاق العدالة الذي أثر على أناس كثيرين حول العالم بكفاحه من أجل الكرامة البشرية، والمساواة والعدل.واضاف بان بأنه عندما شكرته على الأعمال التي قدمها في حياته، أصر على أن الفضل يعود للآخرين، لن أنسى أبدا احساسه بالايثار وحسه العميق بالهدف المشترك . اما الممثلان الأمريكي مورجان فريمان والبريطاني إدريس إلبا فقد قالا في نعيمها للراحل الكبير،فريمان الذي قام بدور مانديلا في فيلم (انفكتوس) في 2009 إن مانديلا "قديس بالنسبة للكثيرين وبطل لكل من يقدرون التحرر والحرية وكرامة الإنسانية".
وقال إلبا بطل فيلم (مانديلا: مسيرة طويلة الي الحرية) الذي صدر هذا العام "كم كان شرفًا لي أن أقوم بدور نيلسون مانديلا وأن أجسد شخصية رجل تحدى الظروف وكسر الأغلال وحارب من أجل حقوق الإنسان أمام أعين العالم."
نعم برحيل مانديلا وجياب خسارتنا كفلسطينيين اولاً وكمناضلين وثوريين وتقدميين على مستوى العالم كبيرة،فهما عمودين من اعمدة النضال والكفاح العالمي،ستبقي قيمها ومبادئهما وتعاليمهما خالدة فينا وفي كل الثوريين،فهم ليسوا مثالين للتضحية والفداء من اجل حرية بلديهما وحرية كل الشعوب المضهدة والمظلومة فقط،بل مثال في التواضع والإنسانية،ومغادرة الساحة السياسية بعد تحقيق اهدافهما بدون صخب وطلب للنياشين والأوسمة،التي تمنح عندنا ونحن تحت الإحتلال لمن لا يستحقونها او ان ما انجزوه وحققوه لا يليق بتلك الأوسمة والنياشين.
القدس- فلسطين
6/12/2013
0524533879
[email protected]
».