مثلما أثار الكثير من الناس، فإن ما نشر عن طلب لإحدى موظفات هيئة الإذاعة والتلفزيون – إيمان هريدي- "الزواج من الرئيس محمود عباس"، أثارنا أيضا، بحيث بادرنا وغيرنا وخاصة بعد أن تم تشكيل هيئة للتحقيق مع الموظفة، إلى التوقيع على بيان يدعو إلى الحفاظ على حرية الرأي والتعبير،هذه الحرية التي قال السيد الرئيس عنها "إن سقفها السماء".
حقيقة الأمر أن ما طرقته الموظفة، كان ترجمة لواقع موجود لا يمكن نكرانه، فهي أرادت القول وبحسب ما نُشِرَ في وسائل الإعلام المختلفة، إن هنالك مشكلة مستعصية يواجهها الشباب الفلسطيني تتعلق بهذا الكم من البطالة وعدم القدرة على "بناء" حياة كريمة لائقة إلا إذا ارتبط الشاب أو الشابة بشخصية مرموقة تتمتع بقدر كاف من الجاه والمال والسلطة،وهي ومن خلال طلب" يد الرئيس" أرادت إيصال رسالة ونجحت في ذلك،حيث حركت في الشارع نقاشا لمشكلة حقيقية موجودة.
إضافة إلى ذلك، فان موضوع الواسطة والمحسوبية الذي تم التطرق إليه، هو أيضا واقع موجود وهو على أية حال آفة موجودة بشكل صارخ في دول العالم الثالث بشكل عام، وذلك حتى لا يعتقد البعض ان هذه المشكلة موجودة حصريا في فلسطين، أو ان فلسطين تتميز بها.
كتابة هذا المقال تأتي على أرضية ان ليس كل ما يقال صحيحا خاصة بعد ان قامت إحدى زميلات الموظفة بالتعقيب على ما كتبته زميلتها "طالبة الزواج من الرئيس" حيث أشارت إلى ان "هريدي" التي تتحدث عن الفساد والواسطة والمحسوبية، إنما أتت عبر الواسطة والمحسوبية، وإنها نزلت على الهيئة "بالبراشوت".
ومن خلال متابعتنا للموضوع، فقد تبين ان الموظفة "هريدي" عينت بعقد وهي ما تزال طالبة في الجامعة، وانها بمجرد تخرجها تم تثبيت تعيينها في الهيئة، وان الموضوع المثار حاليا قد يكون له علاقة بكتاب قدمته للسيد أبو مازن، هو في ظاهره طلب ولكن في الواقع هو أشبه "بالأمر"، حيث ترغب في ان تكمل دراستها الجامعية لنيل شهادة الدكتوراه في الصين، وبناء على ذلك تطالب السيد أبومازن "بعد ان حددت المنصب الذي تريد في السفارة في الصين كملحق إعلامي" ان يرسلها إلى هناك "لكي تدعم مكانة المرأة الفلسطينية" كما جاء في الكتاب، ومن الواضح ان الكتاب لم يلق الاستجابة اللازمة.
إننا نعتقد بان مثل هذا الكتاب إنما هو ترسيخ لعملية الواسطة والمحسوبية التي تحدثت عنهما الموظفة "هريدي" حيث ان من المعلوم ان هنالك طرقا محددة يمكن للشخص الذي لا يزال على رأس عمله في القطاع العام والذي يرغب في إكمال تحصيله العلمي ان يسلكها، والتي منها على سبيل المثال أخذ إجازة لمدة محددة بدون راتب، أما ان يتم إرسال كل من يريد الحصول على درجة جامعية عليا بهذه الطريقة فهذا ليس سوى إهدار للمال العام وهو بالتالي احد أنواع الفساد التي يجب محاربتها.
ان المناداة بحرية التعبير والرأي وكذلك الدعوة إلى محاربة الواسطة والمحسوبية وكل مظاهر الفساد يجب إلا تكون بشكل مُضَللْ ومن أجل استدرار حالة التعاطف والتضامن من الآخرين، لأن في ذلك خداعا قد يرتد على من يرتكبه، وهذا ما حصل بحسب تقديرنا في حالة الموظفة هريدي، التي كتبت فيما كتبت بشكل مجتزأ كَيٌفَتْهُ كما يتلاءم مع مصالحها الخاصة والشخصية.
على أية حال وبرغم ما تعرضنا له من "خداع" في هذه المسألة، فإننا نتمسك بدعوتنا لعدم محاربة الرأي والتعبير، مطالبين الآخرين بعدم إساءة هذه الحرية من أجل ان لا تستخدم هذه الإساءة كمبرر لقمع الحريات وتخفيض سقفها.
9-12-2013
[email protected]