حين ننزلق إلى منعطفات خطرة، لا يبق الأمر عابراً، وفي حياة الشعوب تشكل النزاعات الداخلية مدخلا لهدم البنية الاجتماعية ومسرحا للاختلافات والتناقضات .
في حياتنا الفلسطينية لازلنا نعاني من الانقسام ومن آثاره وتداعياته، وما أن تطل علينا أزمة أو حوادث حتى نلجأ إلى وحدة الشعب والإسناد النفسي، وتذوب الفوارق والاختلافات والتناقضات، ولكنها تبدو كرد فعل أو التحام مؤقت، ويبدو أننا تعودنا على ذلك وفي أعماقنا نتوقعه، وهنا لا أتحدث في نطاق جغرافيا قطاع غزة بل على مستوى الوطن الغالي علينا جميعا .
إن العاصفة الثلجية التي مرت بنا، ولازالت آثارها باقية، والمشاهد المحزنة جدا والخسائر التي تفوق طاقتنا وقدرتنا، قد كشفت أصالة شعبنا الفلسطيني وإمكانية تقارب القيادات من بعضها البعض في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم نجد شماتة من أحد "لا سمح الله" أو شكليات سلبية خارجة عن المألوف، وكما هو الحال اليوم في مواجهة تداعيات المنخفض الجوي، كان الحال أبان العدوان الإسرائيلي علينا، حيث ذابت الفوارق والحزبيات وآثار الانقسام لنتوحد خلف الدم الفلسطيني والهجمة العدوانية، هذا هو شعبنا العظيم، وهذا هو امتداده الداخلي، وهذا هو البنيان الذي يشد بعضه بعضا في النكبات والمآسي.
ربما يصف البعض ما أكتبه بأنه نوع من التبسيط أو المبالغة أو الهشاشة في وصف الأمر، وربما أقول لمن يصف ذلك، صدقت، فحتى كتاباتنا تبدو أحيانا تتعاطف مع دواخلنا ورغباتنا واحتياجاتنا الحقيقية لما نكتب عنه ولا نقدر أن نصل إليه، وبل الأسوأ حين تصل لنا القناعات أن ارتفاع حرارة الشمس وإعادة ما دمرته المأساة كفيل بانتهاء حالة الالتحام الشعبي "المؤقت" .
إنني أؤمن إيمانا راسخا أن الطريق إلى القدس والى الحرية والى الدولة والى قوتنا وصلابة مواقفنا وقرارنا المستقل يبدأ من إنهاء الانقسام والعودة إلى المصالحة الفلسطينية والوحدة وبناء مؤسساتنا، ففي سبيل الوطن لا هازم ولا مهزوم، نحن جميعا تحت الاحتلال الذي يغرقنا بالمياه كما يقتلنا بالصواريخ، كما يسرق مياهنا ويتنكر لحقوقنا ويمعن في المد الاستيطاني السرطاني، ويصفنا بأننا مجموعة من الإرهابيين .
علينا أن نذهب إلى الجانب المضيء من الوطن، وأن نتعاون من أجله، ونريد أن نتحرر مما علق في طريقنا طيلة السنوات الصعبة والمستمرة حتى الآن، لنلعن كل مشاعر الكراهية ونبذ الآخر أو أن نكون ضحايا لأنفسنا، لماذا في الأزمات والنكبات نترك وراء ظهورنا كل الأمور السلبية بكل ما تحمل ونمضي صفا واحدا، لماذا لا نفكر في أن نترك كل ذلك ونبني مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة التي تستحق الحياة الكريمة.
إن التسامح صفة محمودة ومطلوبة والتحرر من الكراهية هو قمة الإرادة النفسية والسلوكية، وعلينا أن نخرج من دوامة الانقسام وتبعاته بإرادة جماعية منشودة، إننا ننتصر دوما في معاركنا التي نلتحم فيها مع بعضنا البعض وفي مواجهتنا للكوارث والنكبات، ولكن لن ينتصر أحد في معركة التناقض والكراهية، نحن نخسر مقدرتنا على الصمود أمام الأجيال ومستقبلهم، ولن نكون بخير طالما بقي الانقسام وكل المشاعر السلبية التي تحيط بنا.