قد يتبادر لذهن البعض أن هذا المقال يحمل صيغة نفاق أو مداهنة ، وقبل نشره سألت نفسى مرات حول النية الحقيقية منه ، وحينما تأكدت أن عمق الخطاب لا يحمل سوى الإعجاب والاحترام ليس إلا ، والتأثر من موقف إيجابي متواضع انعكس على نفسيتي وأحببت أن يتحلى كل المسئولين والوزراء والقيادات السياسية به فقررت الكتابة به وأعدت النظر مرات في نشره . كنت عاجز عن فعل أي شيء حينما تهددني الأمر بضياع الدكتوراة لقرب الامتحانات دون معرفة الوسيلة التي سأقنع بها الجانب المصري لتقديم الامتحانات المرتقبة ، فقد طلب من الضابط المصري بعض المعاجز للدخول في ظل عدم توفير واحدة منها " ورقة قيد 2013 + شيك الدفع للفصل + اسم على كشف السفارة " فأملك ورقة قديمة بدون قسيمة شيك دفع والاسم غير مدرج على كشف السفارة وضاقت بي السبل ، وكموظف قلت لزوجتي سأتصل بالوزير فقالت أحوال البلد غير مستقرة ومشاكلها كثيرة وقد لا يرد على الجميع ، كنت على ثقة بمصداقية هذا الانسان قبل أي اعتبار ، وضعت الرقم السلام عليكم .... وعليكم السلام... كيف الحال يا أبو خالد .... أهلا رأفت .... وضعي 1 2 3 4 .... بسيطة .... التعليم في غاية الأهمية وخاصة للأسرى .... لا تقلق .... ابعث لي صورة من جواز السفر وورقة القيد ولا يهمك .
في اليوم التالي قمت بإرسال الأوراق ، وجلست مع أحد الأصدقاء ، وإذ برقم خاص يرن : السلام عليكم .... وعليكم السلام ... كيف الحال يا رأفت .... أهلا أبو خالد .... أعطينى اسمك رباعى واسم الجامعة ؟؟ أعطيته ، ان شاء الله خير.
سألني صديقي الذى يتابع قضيتي للاطمئنان على صاحب المكالمة ؟ فأجبت " الوزير أبو خالد " .
لم يصدق جدية المتابعة ، وقال بإمكانه تحصيل المعلومات عن طريق مدير مكتبه ، وهل هنالك شخصيات لها رمزيتها ومكانتها وقيمتها بكل هذا التواضع ؟؟ فأجبت وأنا مدرك ما هو تاريخ هذا الشخص .... أبو خالد . والذين أجمعوا بالقول عنه في مقال لم أصل لاسم كاتبه رغم البحث :
الوزير أبو خالد الأسير قبل كل شيء والأديب والكاتب، تجده يجوب شوارع وأزقة وحواري المدن والمخيمات والقرى بحسه المرهف ليقبل يد عجوز أنهكتها سنوات الجلوس الطويلة على بوابات السجون بانتظار الإفراج عن فلذة كبدها.
وهو الوزير الوحيد في العالم الذي ابتكر وطبق فكرة المكتب المتنقل، التي تلائم الواقع الفلسطيني المرير، فمكتبه: خيام الاعتصام، والمظاهرات الشعبية، وبيوت الأسرى، وأفراح وأتراح عوائلهم، إنه على احتكاك مباشر مع الهم الإنساني لكل أسير بشكل فردي، وهذا ما يجعله مناضلاً وإنساناً مميزاً لأنه يلاقي استحسان الأسرى ويلامس مشاعرهم، ففي عهده لم يعد الأسير يعني رتبة وراتب وإنما عاد ليتجسد كائناً حياً ينبض باسمه وانسانيته!!
وبما أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، إلا أن أبا خالد الذي يخطو على درب الآلام ، ويستخدم وقت فراغه وإجازته العائلية ليكتب عن أوجاع ومعاناة المعتقلين بدموعه لا بقلمه، يحظى على اجماع الأسرى وأهاليهم خارج السجون .
وصفه أحد الأسرى : يذكرني هذا الإنسان بالرعيل الأول من المناضلين، وبعمله الرائع لصالح قضية الأسرى أثبت كفاءته وإخلاصه، حيث أثبت لي أنه مازال هناك أناس شرفاء في هذا الزمن الرديء!!
ووصفه أسير آخر : أبو خالد إنسان حقيقي، ويستحق وسام نجمة القدس بعد النقلة النوعية التي أحدثها في وزارة الأسرى، حيث نقل قضيتنا إلى العالمية، ونجح في إلغاء التمييز بين الأسرى على أساس الانتماء، فهو الرجل المناسب في المكان المناسب، وبفضله تعيش الوزارة عصرها الذهبي، مما يجعلنا كأسرى نفخر ونعتز بهذا الإنسان المناضل!!
ووصفه أسير محرر قيادي معارض : عجبتُ بهذا الرجل الثائر، إذ قلّما يجمع صاحب مسؤوليات حرجة - مثل صديقنا ، قلباً نابضاً بالعاطفة الصادقة مع قوة في الموقف الواضح، وقلماً وبياناً سيالاً بمعاني الإنسانية مع رباطة جأش في خدمة قضية شائكة مليئة بالتحدي والعنفوان كقضية الأسرى الثائرين، وأذكر كيف عاجل بلقائي ليهنئني بخروجي من السجن عام 2008 ضارباً مثلاً حياً في الترفع عن تأزمات "العلاقات الحزبية"، فقضية الأسرى تمثل في منهجه جسراً متيناً تتجسد من فوقه لحمة الشعب الواحد، ووحدة النضال الشعبي، وقد يحتار المرء وهو يتابع وزيرنا "أبا خالد" ويراه يتنقل دون كلل بين البيوت حاملاً عبرات الأسرى والأسيرات إلى قلوب ذويهم وعوائلهم، ماسحاً بيده الحانية على رؤوس اطفالهم دون تمييز لبيت عن بيت أو فصيل وطني عن آخر، فهلا أوفيناه بعض ما يستحق؟!
ووصفه قيادي إسلامي : أرى في أبي خالد "الفلسطيني الجديد" الذي يتوخاه حلم وطموح كل فلسطيني وطني حر، في سياق إعادة إنتاج الشعب الفلسطيني من جديد "شعب جديد" يتصرف أبناؤه وقياداته كشعب واحد وبروح وطنية جامعة وليس كقبائل، كل قبيلة تعمل لمصالحها ولصالحها ولو كانت على حساب مصالح الشعب وحاجاته.
وأضاف: " أبو خالد " يعني لي "الفلسطيني الجديد" بمهنيته الجادة ومثابرته التي لا تعرف الملل وبمنهجيته الدائمة في العمل، لأن أهداف عمله العام تشمل كافة أبناء الشعب الفلسطيني بغض النظر عن الانتماءات والأطياف، أتمنى عليك يا أبو خالد، لو بين الفينة والأخرى تكسر تجهمك ببسمة أو ضحكة حتى لا تشعرني بالذنب، مع علمي أن هم خمسة ألاف أسير وذويهم تقصم ظهر أعتى جبل من جبال الوطن!!.
ويداخل أحد أسرى اليسار الفلسطيني قائلاً: مع أبى خالد لم نعد مجرد رقم وراتب، فهو الذي قرع كل الجدران لإحياء قضيتنا وجعلها على أجندة العالم ومؤسساته، والشعب وقياداته، فأعادنا للوطن وأعاد الوطن لنا، فطوبى لهذا الخالد فينا!!
أما أحد أسرى الجولان السوري المحتل سابقاً ، فكان رأيه : تفاني هذا الرجل وإخلاصه ونزاهته بهذه المهمة تجعلك تحترمه وتقدره، حتى وإن لم يحقق كل ما نصبوا اليه، فما بالكم وهو يسعى اليوم بكل تفاني ليحقق متطلبات الأسرى وحماية الحركة الأسيرة، إنه إنسان بكل ما للكلمة من معنى، فله التقدير والاحترام!!
هذا هو الرأي السائد في أوساط الحركة الأسيرة حول معالي وزير الأسرى ، مع العلم أن مواقفه الجريئة والشجاعة في تجريم الاحتلال وفضح انتهاكاته اليومية بحق الأسرى، جعلته الوزير الوحيد الذي لم يتمكن من زيارة السجون حتى اليوم، لأنه يرفض أن يُخضع حقوق الناس ومعاناتهم الإنسانية لقواعد العمل الدبلوماسي التي لا تنطبق على السجين والسجان، وما نطرحه عبر هذه المقالة المتواضعة لا يتجاوز حدود نسْب الفضل لأهله، لأنه بحق وجدارة وزير برتبة مناضل!!
في النهاية أختم بموقف وهو في مؤتمر الأسرى في العراق ، أحد الأخوة قال له : رأفت غاضب بسبب عدم تمثيل مركز الأسرى للدراسات في المؤتمر ، وفوراً طلب رقمي من هناك وبأقل الكلمات الصادقة قال لي : العراق ليست جميلة بدونك يا رأفت ... فشكرته ورضيت .
ما الذى خسره هذا الشخص من كل هذا التواضع ، وكم خسر غيره دنيا وآخرة من الكبرياء على أقل مكانة منه ، التواضع دليل على طهارة النفس وسلامة القلب من الأمراض ، وهو محل قوة قوة ليس مكان ضعف ، نتمنى يا أبا خالد أن تستقبل الأسرى كما تطمح دوماً وتقول محررين معززين مكرمين لا محمولين على الأكتاف ، لأنك تستحق أن تحمل هذا الوسام.
أعرفتم من هو أبو خالد " انه الأسير المحرر وزير شئون الأسرى والمحررين عيسى قراقع "