الوحدة الوطنية وأعياد الميلاد

بقلم: أسامة نجاتي سدر

هي قيمة عليا وهدف لكل أفراد الوطن يسعون للحفاظ عليها وإعلائها في المجتمع وتعتبر شرطا لنهضة الوطن والوصول إلى أهدافه العليا، تعبت من البحث عن تعريف خاص بها فمن يجزئها ويبحث في القاموس عن مرادف لكلمة الوحدة: "الالتحام والترابط"، ثم يبحث عن كلمة الوطن فيتوه بين الأرض التي تضم الشعب أو الشعب الذي يلتحم بالأرض ويجمع أفراده تاريخ وحاضر ومستقبل؛ ومنهم من يرى الوحدة الوطنية كخاصية يميزها كل شعب حسب تركيبته والاختلاف الجغرافي أو السياسي أو العرقي أو الاجتماعي بين أفراده .
لكم نفتقد الوحدة الوطنية سياسيا في فلسطين ونعتبرها أمل نضحي من أجله بالغالي والنفيس، ونلوم ساستنا جميعا على إهدارها باتباع منهجين مختلفين يجب أن يكمل أحدهما الآخر، ولا يتفقان على بناء الوطن وهو أشد ما يرنوا إليه الشعب بعينه وعقله وقلبه، لكننا نملك وحدة وطنية تتجلى بالتحام الشعب بكل طوائفه وملله وأديانه التحاماً يميزه عن غيره في أي مكان، لا تشير إليه وثيقة ("كايروس أو وقفة حق") التي تؤكد على عدم استخدام نصوص الكتاب المقدس في الصراع السياسي، وأن أولوية الوجود الفلسطيني، مسيحيين ومسلمين، على الأرض ليس طارئا وإنما له جذور عميقة تعكس ارتباطا لا حق لأي كان أن يضعه في ميزان التفاوض أو التنازل، بل تعود جذوره إلى العهدة العمرية بين خليفة المسلمين وصفرونيوس بطريرك القدس، وليس ذلك غريبا لأن فلسطين مهد الديانات السماوية، وإليها يحج أكثر من نصف البشر أو يقدسون حجتهم.
يشكل المسيحيين بطوائفهم(كنائسهم)الأساسية الأرثوذكسية الخلقيدونية، الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية، الكنائس الرومانية الكاثوليكية (اللاتينية والشرقية)، والكنائس البروتستانتية حسب تعداد السكان لعام 2012 أكثر من 47 ألف نسمة في الضفة الغربية و3 آلاف مسيحي في غزة بما نسبته 2%من مجموع السكان، وأكثر من 147 ألف في داخل ما يسمى الخط الأخضر بما نسبته 7% من السكان يعيشون قرب المشاهد المقدسة في القدس وبيت لحم والناصرة وغيرها، وهم من بقي بعد موجات الهجرة المستمرة منذ بداية القرن العشرين إلى أوروبا والأمريكيتين، ولو قدر لهم أن يعودوا جميعا لفلسطين لكانوا أكثر من 2 مليون إنسان أي 10% من مجموع الشعب الفلسطيني.
يعتبر الاحتفال بعيد الميلاد جزءا من شعائر الدين المسيحي، وتحتفل كل طائفة منهم بطريقتها الخاصة وفي موعد مختلف عن غيرها، والاحتفال في بيت لحم له طابع خاص، حيث يصل إليها آلاف السياح من كل أنحاء العالم فيصعدون في الطريق الجبلي المُتعرج بين القدس وبيت لحم ويدخلون كنيسة المهد وهو المكان الذي ولد فيه السيد المسيح فيحضرون صلاة القداس الكبير وبعده يخرجون ليشتروا منتجات بيت لحم المعروفة من مسابح وخشب زيتون ويشارك عدد كبير من الفلسطينيون بهذا الاحتفال معهم !!!
تعتمد الحكومة الفلسطينية أعياد الميلاد لكل طائفة من طوائف المسيحيين عطلة رسمية لكل أبناء الشعب الفلسطيني، أي أن 98% من الشعب الفلسطيني يأخذ عطلة لثلاث أيام في السنة خاصة بأقل من 2% منه على أكثر تقدير، ويشارك في الاحتفالات الرسمية أعداد كبيرة من الشباب غير المسيحي، يحتسي فيها المشروبات الروحية، ويفعل المنكرات، وينفق أموالا كثيرة، ويعطي صورة غير لائقة للسائحين عن المسلمين في هذا البلد.
لن تكفر خاتمة المقال بمقدمته فلا اعتراض على تهنئة المسيحيين بأعيادهم، ومشاركة الجيران لجيرانهم بمناسباتهم، فكلنا أبناء وطن واحد، ولهذه المناسبة اهتمام عند العالم المسيحي بأسره، ولكن الغلو الرسمي وغير الرسمي في ذلك يضع الكثير من علامات التعجب، ويدفعنا إلى السؤال عن أعياد المسلمين في الدول التي يغلب على سكانها المسيحية، بل كيف يتفاعل المسيحيون مع أعيادنا في فلسطين، وما جدوى تعطيل الحياة العامة لثلاث أيام، وكم ينفق المسلمون في الاحتفال بعيد الميلاد ومن المستفيد والأهم من كل ذلك ما حكم الشريعة الإسلامية في ذلك، هل تتفق الرواية القرآنية مع روايتهم عن هذا اليوم، أم أن بها تكذيب لعقيدة الإسلام والمسلمين.