تقهقر مكانة الدولة العبرية لدى الرأي العام العالمي وزيادة عزلتها


أظهرت دراسة إسرائيلية تراجعًا ملحوظًا في مكانة الدولة العبريّة لدى الرأي العام الدوليّ، مؤكدة على أنّ صورتها غدت اليوم سلبيّة للغاية، ومختلف الدوائر في الغرب، وخاصة المثقفين، يحاولون مرارًا وتكرارًا فرض مقاطعة على منتجات إسرائيلية، وحتى على الجامعات وعلى باحثين إسرائيليين.
واعترف معد الدراسة د. شلومو سفيرسكي بأنّ تأثيرات الاحتلال والانشغال بالصراع مع الفلسطينيين تركت بصماتها الواضحة على الساحة السياسية والداخلية في إسرائيل.
علاوة على ذلك، أقرّت الدراسة بأنّ ما تصفه بالنزاع الإسرائيليّ ـ الفلسطينيّ عامة، والاحتلال بشكلٍ خاصٍ يُضعفان المكانة الدولية لإسرائيل، ويثيران الشك حول قانونية نشاطاتها، ويضران بمكانتها لدى الرأي العام العالميّ كدولة ديمقراطية ملزمة بالحفاظ على حقوق الإنسان.
وتصف الدراسة التي أصدرها مركز ادفا، وهو معهد بحوث متخصّص برصد التوجّهات الاجتماعية والاقتصاديّة وتحليل السياسة الحكومية المعتمَدة في هذه التوجّهات، تأثير النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ على الجوانب المختلفة للدولة العبرية، وحجم الأعباء التي تثقل كاهل المجتمع والجمهور الإسرائيلي جراء استمرار هذا الصراع.
وتطرقت الدراسة أيضًا إلى تراجع المكانة الدولية لإسرائيل مع استمرار الاحتلال، والى عدم اعتراف دول العالم بضم القدس، أو بشرعية المستوطنات، أو ببناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، بالإضافة إلى التقارير الدولية التي تدين إسرائيل مثل قرار المحكمة الدولية في لاهاي، والذي أكّد عدم قانونية جدار العزل العنصري، بالإضافة إلى تقرير القاضي ريتشارد غولدستون.
وأوردت نحو عشرين نموذجًا من أعمال المقاطعة العالمية ضد إسرائيل، بسبب احتلالها الأراضي الفلسطينية كإشارة على تراجع مكانة إسرائيل بين دول العالم. وأشار الباحث إلى أنّه في الدولة العبريّة يُعتبر الخط المميز هو الموقف تجاه القضية الفلسطينية، النتيجة الرئيسية لهذا الوضع هو ضعف النقاش العام عند الذين يحددون مستوى الحياة، ونوعية الحياة للإسرائيليين في الحاضر والمستقبل.
وتابع قائلاً إنّه منذ سنوات تقوم حكومات في إسرائيل وتسقط بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، وليس على القضايا الأساسية للمجتمع الإسرائيليّ، وعلى هذا النحو فإنّ الأحزاب لا تهتم بتطوير، أوْ بوضع جدول أعمال اجتماعيّ ـ اقتصاديّ حقيقي. ونتيجة لاشتداد وتيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن رؤساء الحكومة في الدولة اليهوديّة غارقون في النزاع من مفاوضات مع الفلسطينيين، وقتالهم والتعاطي مع الضغوط الدولية في الموضوع، إلى الحفاظ على سلامة التكتل نظرًا للتطورات في الساحة الإسرائيليّة وما شابه ذلك، على حد وصف الباحث.
أمّا في ما يتعلق بالمكانة الدولية لإسرائيل في ظل النزاع القائم فقال الباحث إن الاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية يضع إسرائيل في مكانة خلافية، بل حتى في مواجهة مستمرة مع أجزاء كبيرة من المجتمع الدوليّ، سيما أنّه لا دولة واحدة من دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة التي تعترف بسيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية أوْ تعترف بضم القدس الشرقية أو بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ولا بخطوط الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل.
ولفتت الدراسة إلى ظاهرة مقلقة أكثر، من وجهة نظر إسرائيل، تتمثل حسب الدراسة في ابتعاد الجيل الشاب العلماني في المجتمع اليهودي الأمريكيّ عن الاهتمام بالدولة العبريّة وعن التساوق معها.
وقالت خلال سنوات طويلة بعد 1967 كانت إسرائيل منعزلة عن كثير من بلدان العالم، الأمر الذي اضّر بها بصورةٍ شديدةٍ في عدة مجالات، صحيح أنّ إسرائيل خرجت من عزلتها، ولكنها لم تزل معزولة عن بلدان كثيرة في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.
واستشهد الباحث بما كان قد قاله الكاتب اليهودي الأمريكيّ، توماس فريدمان، الذي شبّه حكومة إسرائيل بـالسائق السكران الذي فقد الاتصال مع الواقع، والذي يتوقع بأنْ يُورط حليفه الحقيقي الوحيد دون أنْ يتأثر أوْ أنْ يتضرر من ذلك. وخلافًا للعلاقات القوية لإسرائيل مع الولايات المتحدة، فإنّ علاقاتها مع الاتحاد الأوروبيّ تتميز بالخلافات المتكررة حول القضية الفلسطينية، لافتةً إلى أنّ الاتحاد الأوروبيّ استعمل قوته في مقاطعة المنتجات الإسرائيليّة التي تُصنّع في المستوطنات الإسرائيليّة في الضفة الغربيّة المحتلّة.
وتطرقت الدراسة إلى انتشار أعمال المقاطعة على إسرائيل بشكلٍ عامٍ، وعلى المستوطنات بشكل خاص، لكنّها رأت أنّ حركة مقاطعة إسرائيل في الدول الغربية آخذة في الانتشار منذ الانتفاضة الثانية حيث يدور الحديث حول مقاطعة على مجموعات أو قطاعات في إسرائيل، وعلى المنتجات وخاصّةً منتجات المستوطنات. وقال الباحث إنّ دراسة حركة المقاطعة ليس فيها ما يهدد الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن فيها ما يدل على المساس الآخذ في الازدياد في المكانة الدولية لإسرائيل في أعقاب النزاع، على حد تعبيره. ولفتت الدراسة إلى قرار المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبيّ الذي قضى بأنّ المنتجات المنتجة في المستوطنات ليست إسرائيلية، وأنه سيُفرض عليها جمرك، مطلع العام القادم. وعلاوة على المقاطعة الاقتصادية رفضت منظمة الاتحاد الأوروبي لمحاربة الجريمة الدولية، ومنظمات الإرهاب، (يوروفول) التعاون مع شرطة إسرائيل لأنّ القيادة القطريّة للشرطة تقع في شرقي القدس وامتدت أصوات المقاطعة لتصل مدينة تورينو في ايطاليا في أيار/مايو الماضي حيث نشر بيان يدعو إلى مقاطعة الأكاديمية والمؤسسات الثقافية في إسرائيل، بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية في القضية الفلسطينية، وأكّد معد الدراسة على أنّ هناك ثمة مقاطعات ينظر إليها الإسرائيليون بخطر أكبر ومن بينها أنّ متظاهرين في الولايات المتحدة الأمريكيّة علقوا يافطة على فرع شبكة المقاهي الإسرائيلية (ماكس برنر) كتب عليها: الحصار على غزة ليس حلوًا، قاطعوا ماكس برنر.