كثير هي الأمثال والحواديت الشعبية التي انتشرت في واقعنا الفلسطيني الحديث والمعاصر ، جزء منها يأخذ طابع السخرية الكوميدية ، وآخر يأخذ الطابع المأساوي التراجيدي ، ولكن جميعها في محصلتها النهائية تعبر عن واقع حقيقي ، يعيشها أجيال تعانى ستة عقود من نكبة ونكبات اكبرمن النكبة ..
هذه الأمثال والحواديت الشعبية ، اعتبرها بعض علماء النفس أنها شحنات تفريغية من باطن الشعور ، وتنفيس عن الكبت المتواصل ، وفى كثير من الأحيان تأخذ طابع الحيل الدفاعية من ( إزاحة وتبرير ونكوص وتوحد )ووو الخ
سمعنا الكثير عنها ومنها (تمخض الجبل فولد فارا ) و(صعود الجمل على المئذنة) أو (عندما يطير الحمار) وغيرها من الأمثال الشعبية الساخرة0000000
واليوم نحن أمام سخرية أدبية سياسية جديدة ،حصلت في إمبراطورية غزة العظمى ربما يستغرب منها البعض ، بل ويستهجن من عنوانها ، أنها سخرية تكمن من ورائها العديد من الأبعاد لمن يتفكرون !!!!000
سخرية بعنوان امرأة تلد جرة غاز !
استوحيت هذه الفكرة من قصة حقيقية أثناء توجهي مع بعض أصدقائي لحضور معرض تراثي فلسطيني قي ( جمعية الثقافة والفكر الحر) بخان يونس ..
وبعد طول انتظار على شارع صلاح الدين المحاذي لمخيمي( البريج والنصيرات ) وبعد أن كدنا نصاب بحالة من الإغماء الناتج عن ارتفاع ضغطنا من رائحة زيت القلي المنبعث من السيارات ،توقفت لنا سيارة لست أدرى ما نوعها ؟! وما موديلها ؟ولا تاريخ أنتاجها ؟ لأنها خليط من رقع عدة سيارات ، لا يستطيع أرقى الخبراء معرفة هل هي( سوبارو أم هونداي أم ماتسوبيشى) الله اعلم فكل شيء أصبح في غزة غريب وعجيب حتى أن الحمار أصبح يطير من الحدود ..
وعلى بعد أمتار وقفت على قارعة الطريق امرأة يبدو الإعياء والتعب على تضاريس وجها الفلسطيني المتزاحم هماً ، وأشارت بيدها المتقشفة إلى السيارة وتوقف السائق على بعد أمتار منها ..
وبسرعة مفاجئة ألقت المرأة بجسدها النحيف المنهك داخل السيارة ، وسألها السائق إلى أين يا أختاه ؟؟ فأجابت المرأة بكل سخرية أريد أن ألد!!!!!!!! 00
فنظرنا إليها باستغراب ، ولم يبدو عليها الحمل إطلاقا ، وظننا أنها تهذى ، ولكنها أسعفتنا بالإجابة عن تساؤلاتنا قائلة: بنظرة سياسية ثاقبة ،نعم أريد أن ألد جرة غزة يا اخوانى !
بعد سبع سنين من حمل مستعسر، حملت من زوجي البغيض انقسام ، وطلقني وتركني للحصار والانتظار المضني !!!
وأردفت قائلة ، أخيرا وصلت بنا الحال أن ننتظر مولود فلسطيني جديد على شكل جرة غاز، نعم جرة غاز، ليس من اجل كماليات ، ولا رفاهية ، بل حتى يتسنى لي أن أعد لقيمات لأطفالي ، أو إعداد كوب من الشاي ، مع قليل من الخبز لإعداد وجبة من فطور لأولادي قبل الذهاب إلى امتحاناتهم ، عسى أن يساعدهم ذلك للتركيز في الامتحانات ويدفأ بطونهم بعد منخفض ضرتي الروسية أليكسا ..
وقفت هنا عند كلمات تلك المرأة الشعبية ، وأدركت ذلك المكنون الفلسفي المختبئ في ثنايا عقلها الباطني ، وأيقنت أنها تحمل رسالة ،،، وتذكرت المثل الذي بدأت به مقالي ( تمخض الجبل فولد فارا )
وتساءلت هل قصدت المرأة أن القضية الفلسطينية بعد حمل عسير أصبحت تبحث عن مولود اسمه جرة غاز ..
ونزلت المرأة من السيارة 00 أمام محطة لتعبئة الغاز في المنطقة الوسطى ، إنها لست محطة كما كانت معهودة، إنها محطة من محطات طوابير الذل المضافة لطوابير الذل ،التي رسمت للفلسطينيين من طوابير الكوبونات ، وطوابير وكالة الغوث المذلة للإنسانية ،ورجعت هنا بذاكرتي للوراء ،، وتذكرت حياة الستينات وما سمعته من أبى عن طوابير الذل في الأربعينات، والخمسينات، للحصول على بعض لقيمات من محطات التموين و التغذية التابعة لوكالة الغوث ، ولكن ما آلمنا حقا أيها المسلمون والعرب ، أن حرائر فلسطين وخاصة من فقدت ولدها وزوجها إما تحت فريسة المرض والبرد ، أو القتل أو الاستشهاد ، أصبحن يصطفن على أبواب المحطات لنيل بعض كيلوات من الغاز لتصرف شئون حياتهن البائسة، فهل ترضون أيها العرب على نسائكم المنعمة! أن تصطف ساعات تحت حر الشمس وبرد الشتاء القارص ؟ لماذا ؟ للحصول على وسيلة ليشرب أبنائهن كأسا من الشاي ..
أترك لكم التفكير بكلماتي قبل الإجابة ، وبعد الإجابة لا أريد أن أفكركم بموقف المعتصم قبل فتح عمورية ، ولا أريد أن استصرخكم ب(وا اسلاماه) وا (عروباتاه )لان البعض يعتبرها شعارات مبتذلة؟ ، فهل بالفعل أصبحت كذلك ..