الغزل السياسي بين الفرقاء الفلسطينيين بين الواقع والأمنيات

بقلم: رمزي النجار

كثيراً ما نسمع عن الغزل العاطفي والتغني بالجمال ووصفه من جميل إلى أجمل، وأحياناً نسمع بين الحين والأخرى عن الغزل السياسي القائم على المصلحة، ويبدو أن حداثة لغة السياسة في فلسطين لم تسمح للفرد المتابع للمشهد الحالي بإدراك الفرق بين الغزل التقليدي الغارق في الشعر وبين الغزل السياسي المحمول أساسا على لغة الحركة والفذلكة والنصاحة الزائدة، ولما الساحة الفلسطينية مليئة بالقيادات الحزبية والمجتمعية السياسية بالفطرة والامتيازات الممنوحة لهم في ظل سياسة الاتهامات المتبادلة التي على ما يبدو تساهم في تشجيع الغزل السياسي بين الفرقاء الخصوم ليكون الخراج فقدان الثقة بين الجميع في ظل التنافس والصراع على السلطة والقيادة.

اليوم الفرقاء على الساحة الفلسطينية الذين يملكون القرار يغازلون بعضهم البعض من خلال التصريحات الإعلامية ليروضوا أنفسهم تدريجيا نحو توافق معين في مسألة محددة بذاتها والقبول بالتقارب في نقطة خلافية بينهم، فالغزل التقليدي عائم في أوهامه وأحلامه أما السياسي فليست مهمته تفسير الأحلام بقدر العمل على تحقيقها على أرض الواقع، والغزل السياسي ليس نظرة فابتسامة ثم موعد وأخيرا لقاء بل مثابرة في استمالة الخصم وقبول الجلوس معه على طاولة الحوار والبقاء معه لساعات وساعات حتى تلين المواقف وتهدأ النفوس، وهذا هو الدور الأساسي المتروك والمهمل مع الأسف للكواليس، أما البقاء في مجال التصريحات الحالمة والحافلة بالأمنيات في تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة دون سعي حقيقي لبلوغها فقد يحولها إلى كوابيس !

انظروا خلال تلك الفترة الوجيزة في الأيام الماضية خرجت الكثير من الفرقعات الإعلامية التي تتحدث عن لقاءات بين المسئولين الفلسطينيين المتخاصمين في الدوحة، والموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهناك نفي متبادل من جانب الطرفين، كما جرت اتصالات هاتفية بين هنية وعباس خلال الكارثة الطبيعية التي حلت على قطاع غزة، واتصال آخر بين مشعل وعباس وتبادلا الحديث في مختلف الأمور العالقة سياسية ومجتمعيا وإنسانيا، وكلها مغازلات سياسية كانت لفترة محددة بذاتها ومحصورة بين الفرقاء أصحاب القرار لتسيير أمور تلك الفترة ليبقي الحال على المحال، وهذا يعني ببساطة أن التصريحات الإعلامية التي تخرج من هنا وهناك تكون نتاج عمل مرهق ومثابر في الكواليس بين الأطراف المختلفة، فإنها بقيت حبيسة الأمنيات التي لا أساس واقعي لها سوى أن قائليها جاهروا بها في الإعلام، فإلى حد اليوم لا توجد أية تسريبات تدل أن الكواليس نشطت في تلك الفترة بين كل الفرقاء بين عرض وطلب، بين تنازل من هنا وآخر من هناك، هل وافق الجميع الرجوع إلي إرادة الشعب من أجل توافق شامل؟، يبقى السؤال بلا إجابة.

وعليه إذا أراد الجميع تغليب مصلحة الوطن العليا، فعليهم إتقان الغزل السياسي حالا وباللغة الفلسطينية العامية، ولا تنظروا بعيدا وانظروا هنا حيث الرغبة المشتركة الصادقة في الوصول إلى ضفة الأمان التي ينتظرها هذا الشعب حتى لا يموت من قهره .