المصالحة مع الذات

بقلم: أسامه الفرا

أخذت أتمعن تلك الصور الجميلة التي جاءت في اللقاء الكروي الذي جمع نادي الرجاء البيضاوي المغربي مع نادي بايرن ميونخ الألماني، سجل النادي المغربي أول حضور عربي في المباراة النهائية لبطولة كأس أندية العالم، وبطبيعة الحال لا وجه للمقارنة بين الفريقين، فثمن أقل لاعب في النادي الألماني يزيد عن الموازنة السنوية للنادي المغربي، لكن المشهد الذي ظهر به الملعب والرقي الذي كانت عليه الجماهير المغربية كانا كفيلين ببث الفرح في النفس، ولعل حضور الملك ومصافحته للجماهير وهو في طريقه إلى مقعده هي الأخرى تضاف إلى ما يمكن إلتقاطه من اللقاء.
كانت زيارتي الأولى للمغرب للإطلاع على تجربة شركة فرنسية في إدارة قطاع المياة والصرف الصحي، غادرتها والحزن لم يبق لمشهد جميل فيها مساحة له، على مقربة من مسجد الحسن الثاني الذي يحتضن المحيط كانت بيوت الصفيح تنتشر في المكان، تعيد إلى الأذهان مخيمات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة الضرورية، كان البؤس يلقي بظلاله أينما وقع البصر، رأيت يومها أن حالنا أفضل من حالهم، عدت إلى المغرب بعد عقد من الزمان وصورة الماضي ما زالت تسكن الذاكرة، حاولت يومها أن أبحث عن شيء من تلك الصورة فلم أجد لها أثراً، غابت مساكن الصفيح وحل مكانها مباني حديثة تنطق بالنعمة، الشوارع تزينت بالطبيعة كفتاة ارتدت أجمل ما لديها، سلوك المواطن المغربي تبدل أو بمعنى أدق أصابته ثورة اقتلعت سلبياته وقذفت بها في المحيط، أعدت المقارنة بين ما كانوا عليه وما اصبحوا عليه، كل شيء تغير في عقد من الزمان.
خلال زيارتي كان همي أن اهتدي لكلمة السر التي غيرت أحوال الناس والوطن، لم يكتشف المغرب حقول نفط ولا ثروات طبيعية أخرى تتكفل بهذا التطور، لم تهبط عليه ثروة من السماء، الشيء المؤكد أنهم إهتدوا إلى البوابة الكفيلة بإخراجهم من حالة الفقر والجهل والظلم إلى رحاب الرقي والتقدم والازدهار، كانت بوابتهم هي المصالحة مع الذات، أو فيما بات يعرف بالعدالة الإنتقالية، حيث استطاعت المغرب أن تشق طريقها في ذلك بثبات جعلها في مصاف الدول القليلة في العالم التي حققت نجاحات كبيرة فيها، تحدث الكثير ممن التقيناهم عن ظلم وقهر الماضي، ولكنهم تحدثوا أيضاً بكثير من الفخر والاعتزاز عن العدالة الانتقالية التي مكنتهم من مغادرة مربع الماضي الضيق إلى رحاب المستقبل الفسيح، لم يعد التطور الذي أصاب البنية التحتية هو ما يستوقفك، بل التطور والرقي في التفكير كان الأهم، ما يلفت النظر الإزدحام الكبير للمطبوعات، تحول المجتمع بين عشية وضحاها لمجتمع قاريء، وإنعكس ذلك على تطور ملحوظ في سلوك المجتمع.
كنا نتناول الغذاء في مطعم بمركز العاصمة، تمتد ساحة من أمامه تحددها شوارع أنيقة، تجمع المئات في الساحة حاملين يافطات تطالب بحقوق فئوية، كان الملفت للنظر أن أياً من المتظاهرين لم يقطع طريق أو حتى يعرقل مرور سيارة، ومن بينهم كان مجموعة من الشباب بزي موحد مهمتهم المحافظة على النظام ونظافة المكان، خلال تواجدهم في الميدان كانت مجموعة من أفراد الشرطة على مقربة منهم دون تدخل يذكر، الشرطي يعرف جيداً دوره وكذلك المتظاهر، أخذت أرقب المشهد وقيادات مغاربية تؤم المكان لتبادل الحديث والنقاش مع المتظاهرين، المشهد يوحي بأن الحوار والنقاش الهاديء هو الحاضر، استمر تواجدهم في المكان لأكثر من ساعة انفضوا بعدها كل إلى حاله بهدوء.
أعتقد أننا اليوم بحاجة لأن نتصالح مع أنفسنا كي نتمكن من تحقيق المصالحة المجتمعية وإنهاء حالة الانقسام التي أدمتنا، وليس بمقدورنا طي صفحة الانقسام ونحن على حالنا من الخصومة مع أنفسنا.
[email protected]