الشرف والاهانة

   قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ) المائدة، آية 51"

يذهل الإنسان العادي ، فكيف بالمسلم الكيس الفطن ؟! عندما يسمع أن رئيساً منتخباً من شعبه توجه إليه اتهامات تعتبر شرفاً له ، ولأركان وزارته ، فإذا بها – الاتهامات – تستخدم ضده للإدانة أنه خان الشعب المصري ، باتصاله بالشعب الفلسطيني وممثليه الحقيقيين الذين وصلوا إلى الحكم عن طريق الانتخابات النزيهة والشفافة ، ولم يأتوا بانقلاب عسكري أزهقت فيه الأرواح بالآلاف ، ثم هل هو الوحيد الذي اتصل بحركة المقاومة الإسلامية حماس ؟ ألم يكن أركان الحكومة السابقة التي حاصرت القطاع مع أعداء الإنسانية – يهود – مثل عمر سليمان الذي كان مسئولاً عن المخابرات المصرية ، وملف القضية الفلسطينية والمصالحة والمعابر بين يديه ؟ ألم يكن يتصل بالحركة المقاومة التي رفعت رأس الأمة العربية والإسلامية ؟ أم كان الاتصال بها سابقاً شرفاً ، وأما في عهد الرئيس المنتخب إهانة ؟ ولا أدري من الذي خان الله وخان رسوله وخان الشعب المصري العريق ، وخان القسم الذي أقسمه بين يدي الرئيس محمد مرسي ؟ هل الذي حافظ على استقلال البلاد والعباد ، ووقف مع دينه وأمته وشعبه ، ولم يبع آخرته للعاعة من الحياة الدنيا ، وشيء هزيل من زينتها ، وهو الذي رفض أن يميَّز نفسه عن إخوانه الوزراء العاملين في الحكومة المصرية ، ورفض أن يرهن مقدرات الشعب لأعدائه كما كان الرئيس السابق المخلوع وزمرته التي نهبت العباد ، ورهنت البلاد ، وكانت تبيع النفط والغاز إلى الأعداء الذين أوصلوا مصر وشعبها إلى ما وصلت إليه من الفقر المدقع ، في الوقت الذي كان الشعب المصري يبحث عن أنبوبة الغاز فلا يجدها إلا بشق الأنفس . هل اتصاله بحركة المقاومة الإسلامية حماس ليؤازرها في مصيبتها وحربها مع العدو لها وللعشب المصري ، وليكون شريكاً في مفاوضات صفقة وفاء الأحرار والتي نجحت المقاومة بانتزاع (1075) ألف وخمسة وسبعين من الأسرى ورجال المقاومة المحكوم عليهم بالمؤبدات عشرات المرات ، وانتزاع أكثر من عشرين حرة مقاومة كانت في باستيلات الصهاينة ، هل يعتبر ذلك شرفاً له أم إهانة واتهامات تدينه أمام قضاء مسيس ؟! حيث يستحيي بعض القضاة من الخوض في مثل هذه القضايا ، احتراماً لمهنتهم التي ائتمنهم الله والشعب عليها . فهل عندما يتولى الرئيس مرسي المؤمنين وينصرهم ويقف معهم ضد أعداء الله وأعداء الدين يكون متهماً أم يكون شرفاً له ؟ أما الذين يتولون الكافرين فقد جمعهم الله في بوتقة واحدة مع من أحبوهم ووالوهم فقال تعالى : (ومن يتولهم منكم فإنه منهم). ومن أحب قوماً حشر معهم كما قال الصطفى r . والناظر إلى حال أهل الإسلام تجاه نازلة العراق وأفغانستان ومصر وليبيا وسوريا ، يرى انحسارا وذهولاً عن معاني القرآن، ومن ذلك قوله - تعالى -: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فمظاهرة الكفار على أهل الإسلام ردة وخروج عن الملة، والمقصود بالمظاهرة أن يكون أولئك أنصاراً وظهوراً وأعواناً للكفار ضد المسلمين.  فهل من يقاتل يهود ويقف لهم بالمرصاد دفاعاً عن حياض الأمة ومقدساتها أحب إلى الله وإلى المسلمين أم من أحب أعداء الله وولاهم ، ويأمر غيره أن يضرب لهم سلاماً ، ويحثهم على إبادة المسلمين في فلسطين والأرض المقدسة ؟!!
يقول شيخ المفسرين ابن جرير- رحمه الله - في تفسير هذه الآية: (من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه ، فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه). "تفسير الطبري 6/160".  وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية مع سعة علمه ورحابة صدره يقرر ذلك بكل صرامة قائلاً: (فمن قفز منهم إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار، فإن التتار فيهم المكره وغير المكره، وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي فمن وجوه متعددة). "مجموع الفتاوى 28/534".مع أن الحكم على التتار في حد ذاته- مشكل على بعض أهل العمل، لكن الإمام ابن تيمية يقطع بكفرهم، وكفر من لحق بهم وظاهرهم، فما بالك بالقتال مع يهود المغضوب عليهم   والأمريكان الصليبيين الضالين المقطوع بكفرهم وظلمهم واستبدادهم؟! 
ويقول ابن القيم "إنه - سبحانه - قد حكم ـ ولا أحسن من حكمه ـ أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم"، (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم" (أحكام أهل الذمة 3/67). وقد عني أئمة الدعوة السلفية في الجزيرة العربية بهذه النازلة ابتداءً من الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وإلى سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حيث قال: (وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال - سبحانه - (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم). (فتاوى ابن باز 1/274). 
ولم يقتصر علماء الدعوة السلفية على مجرد تنظير هذه المسألة، بل نّزلوا هذا الحكم الشرعي على ما يلائم من الوقائع وبكل رسوخ وتحقيق، والناظر إلى رسالتيّ "الدلائل" للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب، و(النجاة والفكاك من مولاة المرتدين وأهل الإشراك) للشيخ حمد بن عتيق، ومناسبة تأليفهما يدرك جلياً صرامة هؤلاء الأعلام تجاه هذه القضية وتنزيل حكم الله على من تلبّس بهذه الردة .

كما أفتى علماء من المالكية أن من حمل السلاح مع العدو الكافر ضد المسلمين ويحاربهم يكون حكمه كحكم الكافر في نفسه وماله ، (أنظر كتبا الفتاوى الفقهية في أهم القضايا لحسن اليوبي 229-234) والذي نجزم به أن من حاصر المسلمين ، ومن أعان الذين يحاصرونهم هو منهم ، ومن حارب من يدافع عن الإسلام والمسلمين ومقدساتهم ، ويعاديهم فهو في صف الأعداء قولاً واحداً ، لأنه والى أعداء الله ، وتنكر لدين الله سبحانه وتعالى. 

 

النائب سالم أحمد سلامة

رئيس رابطة علماء فلسطين

22/12/2013م