عدّتُ الى البيت مُكفهِّرَ الوجه.
أفكر في ثمن التحاليل والعلاج.
طرحت السلام على أم العبد،
فبادرتني بالسؤال بعد رد التحية:
"خير طمني شو صار معك؟"
لا.. لا.. لن أكمل العلاج النفسي،
إنها ورطة لا أول لها ولا آخر،
من أين لنا ثمن التحاليل والعلاج؟.
"لا .. يا إبن الحلال،
صحتك أهم من أي شيء آخر،
لدينا مبلغ وفرناهُ لأقساط الجامعات،
لا ضير من أن يؤجل الأولاد هذا الفصل.
أصلاً كل خريجين الجامعة عاطلين عن العمل.
وليش نستعجل على قدرنا وقضانا".
يجلس الأولاد فصلاً بالبيت،
وتكمل أنت العلاج".
لا يا أم العبد، مستحيل.
"إذن أترك الأمر لمحسوبتك أم العبد،
سأدبر المبلغ بمعرفتي".
في اليوم التالي،
أعطتني أم العبد ألف دينار.
من أين لك هذا أيتها الخنساء؟
بِعتُ بعضاً من ذهبي وشيئاً من مدخراتي.
" الغالي يرخصلك يا ابو العبد"
قلت في نفسي:
"مسكينة أم العبد،
يبدو أنها حنَّت لأيام شهر العسل".
آه... المعذرة يا أم العبد
لقد نسيت، إن ذاكرتي مثقوبة،
كل عام وأنت بألف خير
اليوم عيد زواجنا الثلاثين،
لقد انقلب الحال في هذا الزمان
تعطيني ألف دينار،
بدلاً من أهديك هدية تليق بتضحياتك.
"والله إنك بنت حلال مصفية وأصيلة،
الله يقدرني وأعوضك بأحسن من الذهب
... يا رب .. يا كريم. قولي آمين".
آمين... واستطردت:
لكن قل لي يا أبو العبد:
هل رآك أحد من معارفنا في العيادة؟
"آه صحيح نسيت أحكيلك"
رأيت إمام المسجد متخفياً بلباسِ إفرنجي.
ضحكنا ... "شر البلية ما يُضحك"،
أشحت بوجهي عنه،
لحسن الحظ لم يلمحني.
وكان جارنا أبو محمد "مدير المدرسة"،
يدور حول العيادة يتلفَّت يُسرة ويُمنة،
تلعثم في الكلام لما رآني.
تظاهر بأنه يبحث عن مكتبٍ عقاري بالعمارة.
أما أنا فكنت ذكياً،
أخبرته بصفتي صيدلي:
"أنني أريد مقابلة الطبيب لتسويق دواءٍ جديد".
غطيت وجهي بالكوفية.
تظاهرت بالنوم في صالة الإنتظار،
إطمئني ... لم يرنِ أحد.
"فضيحة بجلاجل لو شافك ناس من معارفنا،
بعدين يقولوا عنك مجنون يا مسخمط".
ما يهمك .. يقولوا إلّي يقولوه.
كل الناس في بلادنا صارت مجانين.
وبحاجة للعلاج النفسي.
أصلاً لو في عُقّال في البلاد،
كان ما وصلنا لهذا الحال.
إلى اللقاء في تكملة أحداث ما قبل الجلسة الثانية