ونحن على اعتاب الذكرى التاسعة والاربعين لانطلاقة حركة التحرير الوطنى " فتح فلا يمكن الحديث عن الانطلاقة دون تسليط الضوء على قادتها العظام الذين قادوا النضال والكفاح المسلح والعمل الفدائى منذ انطلاقتها .
قليلون جداً، ونادرون جداً، هم بالفعل الرجال العظماء الذين يتركون انطباعاً لا يمحى من ذاكرة التاريخ وأذهان الأجيال لوقت طويل من الزمن أمثال المناضل الوطني الجسور، وفقيد الوطن الكبير الشهيد/مجيد عبد الله الاغا " ابو سامر " ـ طيب الله ثراه، الفارس الذي ترجل عن صهوة جواده يوم 26/04/2007م.بعد عناق حميم ونبيل ورائع مع الحياة الحافلة بالمآثر والعطاء الخلاق والمتميز والمعروف للجميع طوال عمره الزاخر الثري الذي كرسه للوطن وحريته وتقدمه وازدهاره سواء من خلال نضاله الوطني الطويل أو من خلال عطائه الدافق في ميادين العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي، وروحه الوثابة والمتدفقة بينابيع الحب والوفاء والإخلاص للوطن فلسطين الحبيبة التى سكنت سويداء قلبه.. وكانت إسهاماته وبصماته ومآثره النابضة بعشق فلسطين تتألق زهواً على الدوام بأمجاده وأحلام شعبه العظيم وهمومه النبيلة.
إن الشهيد مجيد الاغا رحمه الله ظاهرة إنسانية فريدة لا تتكرر كثيراً، حيث كان نبأ الإعلان عن وفاته , وان كان الموت حق علينا , فاجعة مروعة هزت المشاعر والوجدان ، وأدمت القلوب وانهمرت المآقي وتقرحت الجفون والأكباد وأعلنت جميع مدن وقرى فلسطين أحزانها عليه .
لقد أصعق نبأ الرحيل المفاجئ للشهيد مجيد جموع ملايين هذا الشعب العظيم الذي عرفه مكافحاً مناضلاً صلباً شديد التمسك بالمبادىء والقيم، اجتمعت في نفسه وروحه صفات متميزة ونادرة في البشر، وجسد في حياته المثال الحسن للنزاهة الوطنية والإخلاص والتفاني في تحمل المسئولية، وترك بصمات واضحة من خلال كل المهام والأعمال التي أسندت إليه وأداها بكفاءة نادرة واقتدار كبير، مورثاً قيمة حقيقية لمن يبتغي العزة واحترام الذات، فظل متصالحاً مع نفسه كبيراً في حياته وفي مماته دون تأثير من منصب أو ثروة أو جاه.
فهو إلى جانب دوره في صناعة تاريخ النضال الفلسطينى الحديث وهو دور لا يمكن لأحد أن ينكره أو أن يقلل منه، فقد كان شديد البساطة والتواضع والتفاؤل بالمستقبل وفياً وصادقا وصدوقاً ومخلصاً، مالفظت كلمة النقاء إلا واقترن معها اسمه ولا الطيبة والتواضع إلا وكان صنوهما ولا السمو ونبل الأخلاق إلا وكان وحده توأمهما، وكان رجل الانفتاح والحوار والقبول بالرأي الآخر، ومحاور جيد حريص على الجميع ويحاول أن يجمع الجميع مهما اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم السياسية، ولا يسع الإنسان إلا أن يحترمه حتى وهو مختلف معه أو متفق معه، وهو دائماً ذلك الشخص المتسم بالحيوية والكفاءة والقدرة والأناقة في الشكل والكلام وفي الملبس وفي التمثيل الإيجابي المشرف للإنساني الفلسطينى، وكذا الرزانة والوقار والحصافة والرصانة في تصرفاته وأقواله وأفعاله، وغير ذلك من المزايا والسمات التي لا يمكن أن يوصف بها إلا القادة العظماء والكبار المخلصون لأوطانهم وشعوبهم.
ولذا كان رحيل مثل هذه الأسماء الكبيرة والأعلام الشامخة خسارة كبيرة للوطن وجرحاً لا يندمل ونقصاً لا يكتمل.. إلا أن الأمر يختلف تماماً عند ما يتعلق برحيل موسوعة علمية واقتصادية وهامة تنموية ونهضوية عملاقة تنشد التغيير والتحديث ورائد نضالي همام.. نعم يختلف الأمر كثيراً عندما يتعلق برحيل قائد كبير ومناضل قدير بحجم ومكانة القائد مجيد الاغا الذي حمل طوال مشوار حياته هموم وقضايا وطنه وأمته، وحمل مشاعل التنوير والتجديد والتغيير، وكان علامة مضيئة في مسار العمل النضالى و التنموي والنهضوي والحضاري والتطوير الاجتماعي، ورفد الواقع الفلسطينى بكم هائل من المشاركات والمواقف والإسهامات والدرر النادرة التي ينبغي جمعها وحفظها ونشرها للأجيال القادمة، لكي يبقى صاحبها نبراساً يهتدى بسيرة حياته العملية النورانية العطرة وحاضراً في قلوبنا وأذهاننا ووجداننا إلى الأبد.
لقد كان الشهيد العظيم أحد الأسماء المضيئة في سماء الوطن وفي الصفحات الناصعة للتاريخ الفلسطينى الحديث والمعاصر، نعم كان ابا سامر سابقاً مثل فجر، سامقاً مثل نخلة، يتكئ على ظل النور في زمن ولادة الفجر الصادق، فجر خلاص الوطن وتحقق آماله وتطلعاته في تجاوز واقع الجهل والتخلف والاستعمار والاستبداد والتشطير، منذ البواكير الأولى لمخاضات الحركة الوطنية الفلسطينية.. ملتزماً بما ينفع الشعب.. حاضراً وبقوة في متن الأحداث والتحولات الكبرى على الصعيد الوطني.. وسيظل تلك القامة السامقة في ذاكرة المجد، وذلك البرق المسافر نحو الدهشة والإبهار، لأنه كان من الرجال الصادقين الذين اخلصوا لوطنهم ولقضاياه وضحوا بكل شيء من أجل حريته وأحلامه.. لم يمتلك سلاحاً طوال حياته سوى أخلاقه وكفاءته وعلمه وآرائه ورؤاه القيمة والناضجة التي كانت تحقق للبلد الخير والسعادة وخدم من خلالها الوطن بتفانٍ وإخلاص وعفة ونزاهة ليقدم لكل أقرانه من المسئولين في الدولة درساً بليغاً في طهارة اليد وشفافية العمل.. فأهّله ذلك كله لأن يغدو بحق رمزاً للإنسانية ومثالاً لكل كرامة يتحلى بها الإنسان الذي تتوافر فيه المثل العليا التي كانت تتجلى في هذا الفقيد العظيم.
فرحم الله الشهيد مجيد عبد الله الاغا " أبا سامر " وأسكنه فسيح جناته