يحتفل العالم المسيحي في الخامس والعشرين من شهر كانون الاول من كل عام بعيد ميلاد سيدنا يسوع المسيح ... حيث في انجيل لوقا, يقول الملاك لمريم بانها ستحبل بقوة الروح القدس. تجيب مريم بأنها لازالت عذراء. ولكن يقول لها الملاك بانه لا يوجد شيئ مستحيل عند الله. بعد فترة اخذها يوسف ورحلوا من بيتهم الذي في الناصرة الى بيت لحم التي هي البلدة التي ينسب لها يوسف وتبعد 150 كيلو متر عن الناصرة, لعمل تعداد سكاني هناك في عهد القيصر هيرودوس. لم يجد اي غرفة في الفنادق, فمكثوا في اسطبل, وهناك ولدت مريم المسيح. ذهب ملاك الرب الى الرعاة في البرية وبشرهم بنشيد الفرح "المجد لله في الاعالي, وعلى الارض السلام, وبالناس المسرة". نعم بهذه الكلمات المقدسة التي وردت في انجيل لوقا ولد المسيح عليه السلام في مدينة بيت لحم ليعتبر عيد الميلاد المجيد ثاني الاعياد السيدية الكبيرة التي تخص السيد المسيح بعد عيد القيامة, ويسمى "سيدي" نسبة الى السيد المسيح, ويحتفل به المسيحيون في كل المسكونة تذكاراً لميلاد المسيح من السيدة العذراء مريم حسب نبوات "الكتب" ها ان العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا اسمه عمانوئيل (سفر اشيعيا 7:14).
وعيد الميلاد عند المسيحيين, هو عيد التجسد الالهي (تجسيد كلمة الله في جسم بشري) كما يقول الكتاب المقدس: "عظيم هو سر التقوى, الله ظهر في الجسد".
نعم,; بالنسبة لنا كفلسطينيين ما أجمل عيد الميلاد, هذا العيد له طعم خاص, يلتقي فيه الاحبة ويفرحون ويتواصلون للإطمئنان والتهنئة, الكل فرحان سعيد ولاسيما الاطفال منهم يستمتعون بمحبة الاهل والاقارب وبما يقدمونه لهم وكذلك بتفقد بابا نويل لهم وزيارته لهم ومعه من الهدايا التي حملها لأجلهم.
ورغم اوضاعنا الصعبة في فلسطين نتيجة وجود الاحتلال واجراءاته القمعية الا ان عيد الميلاد مناسبة لتفقد احوال بعضنا البعض وتبادل الزيارات التي تضفي رونقاً على معنى وجوهر العيد. هذا ما يجسد روح الاخوة والمحبة والفرح والمسرة.
ان ما تعيشه فلسطين من تناغم بين ابنائها هو تناغم نابع من حالة السلام الداخلي في كل فرد منا التي تجعل المجتمع الفلسطيني وتجعل تماسكه اكثر متانة وقوة وان فلسطين ترسل دائماً الرسائل للاخرين عبر المحبة والاخوة والرحمة والسلام الموجودة بين افراد شعبها, وان العلاقة التي تجمع الاديان في فلسطين هي علاقة تكامل عميقة عمق التاريخ, لان الله اختار فلسطين لتكون مهداً للديانات السماوية الثلاث وما يحمله ذلك من معان عظيمة.
ان أبعاد قوة فلسطين وثبات مواقفها ينبع من دورها في نقل ونشر ثقافة المحبة والتسامح الى الاخرين في اطار إرثها الحضاري الذي كان الرسالة الحقيقية للمسيحية وللاسلام الى العالم اجمع ولابد ان تستمر في تأدية واجباتها في نقل هذه الرسالة.
وعلى ضوء ما ذكر اعلاه, فان الاحتفال بعيد الميلاد المجيد يعطي دلالة واضحة على العمق الحضاري المنفتح والمعبر عن روح فلسطين الحية التي كانت ولاتزال وطناً للتعدد والتسامح الاصيل وان الاحتفال بعيد ميلاد سيدنا يسوع المسيح في مدينة بيت لحم تعكس ثقافة المحبة وتحاكي الارث الحضاري الذي عرفته فلسطين منذ ولادة التاريخ, وان أعياد أبناء الشعب العربي الفلسطيني مسيحيين ومسلمين هي اعياد وطنية تتآلف في القلوب وتلتقي عندها محبة الجميع للوطن.
وبمناسبة هذه الذكرة المجيدة, لايسعنا الا ان نرفع قلوبنا الى السماء ضارعين اليه تعالى ان يعيد علينا هذه المناسبة المباركة بالصحة والتوفيق وغزارة النعم والبركات, وعلى وطننا العزيز فلسطين باليمن والطمأنينا والسلام, بعون سيدنا يسوع المسيح. وكل عام وشعبنا بالف خير.