كثيرا من الأشخاص العاديين أو المرموقة يحملون أفكاراً إيجابية بغض النظر عن طبيعة هذه الأفكار سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ما دامت تساهم في بناء المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان بإرادته الحرة الغير مسلوبة، ولما الفكرة الايجابية تنبع من قلب طاهر ونظيف من الأحقاد والحسد محب للخير له وللجميع ضمن رؤية مستقبلية واضحة ومتفائلة وراضية ومسترخية لجذب الناس إليها، في المقابل هناك أشخاص يحملون أفكاراً سلبية بعيده كل البعد عن الواقع وإنما هي نسيج خيالهم الواسع المدفوعة لغرض في أنفسهم، ليس لديهم صورة ذهنية واضحة مستقبلية للوصول إليها، قلوبهم مليئة بالهموم والعقلية المقيدة ويحملون رسائل سلبية تجاه الموقف، فالفكرة عموما تأتي من خلال مشروع يطلقه شخص ويتبناه مجموعة من الأفراد يعملون معا وسوياً على تحقيق الهدف من الفكرة البناءة والايجابية التي تكون رافعة للأفراد والجماعات والمجتمع، فالطيبون ينجذبون للطيبين، والخبيثون ينجذبون للخبيثين، والعقلاء للعقلاء، والجميلين للجميليين، والإيجابيين للإيجابيين، وهذا حكم ثابث في الدنيا، وقانون محكم ومهيمن.
ولكي تبقي هذه الفكرة واضحة ومقبولة لدى الآخرين لا بد من تجسيدها قولا وفعلا من الشخص الذي أطلقها وعلى كل من آمن واقتنع فيها، وتجسيدها يجب أن تتوافق مع العادات والتقاليد والمسلكيات الشخصية لتكون طابعا يسير في الشارع وبين الجماهير حتى تجلب اكبر فئة نحوها وتدعمها لاحقا في طريقها نحو أهدافها النبيلة والايجابية، وأما إذا كانت للتجمل فيها واستعراض العضلات والنفوذ المصطنع كما في واقعنا المعاش اليوم الذين يدعون الهم العام والوطن فهي كالقشور اللامعة ليس أكثر، ومن هنا فالبعض الكثير ممن يحملون فكرة سرعان ما تظهر قشورهم في حملهم لهذه الفكرة في أول تمسك في موقع بسلطة أو اعتلاء صف القيادة في حزب أو حركة ثورية او اصطدام بنقاش أو حوار، وهنا تتكشف وتتجلى عفونة قشورهم الداخلية بما ينطق فيه لسانهم مما يعبر أيضا عن سطحيتهم حتى بمفهوم أخلاقيات الحوار والخلاف، وهمهم الوحيد تسجيل النقاط والاصطياد في المياه العكرة .
فالأفكار وليدة مراحل متعددة، والإنسان له الحرية في تبني تلك الفكرة لخدمة مجتمعة ليس إلا، فالشخص زائل ولكن الفكرة تبقي موجودة، ومن الجيد أن يكون الإنسان صاحب فكر ومبدأ ونظرية على أن تكون ذات عمق في فكرة وكيانه لا أن تكون مجرد تجمل بين الناس للتغني ببطولات أكل الدهر عليها وشرب، فلا هو يعيش الواقع ويتعاطى معه ضمن بطولات سبقت وكانت لها ظروفها الموضوعية والذاتية، فهؤلاء يخالفون حتى أبجديات أخلاقيات المجتمع والحوار والخلاف، ويطلقون أزلامهم لتجسيد العداء لكل من لا يؤمن بفكرتهم أو حتي انتقادهم.
ولعل في واقعنا الفلسطيني بعض المظاهر الغريبة التي يندهش منها العاقل، عندما يتبني أشخاص فكرة شخص معين بذاته ويعبدوا هذا الشخص ويقدسوه لأنه صاحب الفكرة التي يعتقدون أنه بأفكاره تستقيم أمور المجتمع، كأن الأفكار الإبداعية هي حكر على شخص محدد بالرغم من أنهم أنفسهم يمتلكون القدرة على خلق أفكار ايجابية أكثر من هذا الشخص الذي يعبدوه، فالفكرة البناءة لا تنبع من برج عاجي غير مواكب لما يحدث لنا وما يحدث حولنا لأنها بذلك تفقد واقعيتها وتحكم على نفسها بالتأقيت، والفكرة البناءة تتجاوز الحدث المرتبطة به أو الذي سبب ظهورها إلى آفاق من التعميم تمنحها عمرا أطول وانتشارا أوسع، وعليكم أن تعبدوا الفكرة البناءة الواقعية، خليكوا بشر ولا تعبدوا الشخص صاحب الفكرة !!