حركة فتح في ذكرى انطلاقتها

بقلم: علي بدوان

”إن حركة فتح التي أطلقت الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة، تَعبُرُ هذه الأيام نحو عام من جديد من عمرها السياسي والتنظيمي والكفاحي بشكل مدوٍ مع الانهيار العملي لمسار التسوية السياسية المختلة والبعيدة عن منطق التوازن، ولتجد نفسها الآن أمام مطبات وعثرات قد تكون قاسية على عموم الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ..."”

تَدخُلُ حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بعد أيام قليلة عامها التاسع والأربعين، فقد أعلنت مشوارها الكفاحي فجر الأول من كانون الثاني/يناير من العام 1965، بإطلاق رصاصاتها الأولى في سماء فلسطين وتحديداً بعد تنفيذ مجموعتها الفدائية الأولى عملية نسف نفق (عيلبون) داخل عمق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 وسقوط الشهيد الأول أحمد موسى الدلكي، مُعلنةً انطلاقة شرارات الثورة الفلسطينية المعاصرة تحت رايتها، ومُعلنة في الوقت نفسه قيادتها للمشروع الوطني الفلسطيني، حيث ما لبثت أن دخلت حركة فتح في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت قد تأسست بقرار عربي في قمة الإسكندرية منتصف العام 1964، لتصبح بعد ذلك القائد العملي والفعلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وللثورة الفلسطينية المعاصرة، وللإئتلاف الوطني العريض الذي تم تأسيسه بداية العام 1968 عندما أصبحت منظمة التحرير تحت قيادة الفصائل الفلسطينية الفدائية وعلى رأسها حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وطلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، وقد توسع الإطار الإئتلافي بعد ذلك ليضم أيضاً جبهة النضال الشعبي الفلسطيني وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) وغيرها من القوى والأحزاب والفصائل الفدائية الفلسطينية التي نشأت بعد ذاك التاريخ.

وبالطبع، ونتيجة للوضع الاستثنائي والظروف المُعقدة التي إستولدت نشوء القضية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، فقد مرت حركة فتح بانعطافات كبرى وبمحطات مفصلية كانت صعبة وقاسية ليس على حركة فتح وحدها بل على عموم الحركة الوطنية الفلسطينية وفصائلها وقواها المختلفة بدءاً من المرحلة الأردنية في العمل الفلسطيني ومروراً بالمرحلة اللبنانية وما بعدها، وصولاً لتوقيع اتفاق أوسلو الأول في حديقة البيت الأبيض في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر 1993 وإقامة السلطة الفلسطينية.

واليوم تعيش منظمة التحرير وقيادتها الرئيسية المُمثلة بحركة فتح أمام منعطفات كبرى وخطيرة في الوقت نفسه مع اصطدام عملية التسوية بجدار سميك من التعنت "الإسرائيلي" الصهيوني، وتوالد الاستعصاءات في مسار تلك العملية، وهي استعصاءات مُصطنعة "إسرائيلية صهيونية" تحت الغطاء الأميركي للهروب من استحقاقات الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة التي قبلتها منظمة التحرير وحركة فتح بالرغم من الإجحاف الكبير الذي ألحقته وتلحقه بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب العربي الفلسطيني فوق ترابه الوطني على امتداد أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.

وعليه، إن حركة فتح التي أطلقت الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة، تَعبُرُ هذه الأيام نحو عام من جديد من عمرها السياسي والتنظيمي والكفاحي بشكل مدوٍ مع الانهيار العملي لمسار التسوية السياسية المختلة والبعيدة عن منطق التوازن، ولتجد نفسها الآن أمام مطبات وعثرات قد تكون قاسية على عموم الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية في ظل المساعي الأميركية لتمرير صفقة ما يسمى بـ "الترتيبات الأمنية" والضغط على الطرف الفلسطيني الرسمي للقبول بها والتوقيع عليها قبل نهاية الربع الأول من العام الجديد 2014، وفي مدة أقصاها نهاية شهر نيسان/إبريل 2014.

وبالتأكيد، فإن الرضوخ الفتحاوي حال وقوعه عبر إطار منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لمنطق الرؤية الأميركية "الإسرائيلية" لمستقبل الحل السياسي كما يدعو الآن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، سيجعل من حركة فتح قبل غيرها تدفع أثمانا صعبة من رصيدها بالشارع وبين الناس في عموم فلسطين والشتات، حيث تميل الغالبية الساحقة من الفلسطينيين بما في ذلك عموم قواعد وكادرات حركة فتح وحتى معظم قياداتها في اللجنة المركزية لرفض المقترحات الأميركية ومطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة للتدخل من أجل تصحيح مسار عملية التسوية وردها باتجاه الحديث عن تطبيق قرارات الشرعية الدولية نصاً وروحاً، وليس التفاوض عليها أو النزول تحت سقفها كما تريد حكومة نتنياهو ومعها الإدارة الأميركية.

إضافة لما سبق، فإن حركة فتح، وهي تدخل العام الجديد من عمرها، تنتظرها تحديات سياسية كبرى، ليس أقلها تحدي مواجهة المشروع السياسي المعروض حاليًّا تحت عنوان "الترتيبات الأمنية" في مسار العملية التسووية. فهناك تحديات كبرى لها علاقة بالوضع التنظيمي الداخلي للحركة في ظل الحديث عن الأمراض الداخلية التي ما زالت تعشعش داخل الجسد الفتحاوي، وقد انعكست سلباً على عملها وأدائها وعلى حضورها بين الناس، الذين باتوا يريدون حالة قيادية فلسطينية مغايرة على مستوى عموم الفصائل وتحديداً حركة فتح، فالجسم القيادي التنظيمي تقادم وباتت إطارات منه تَغُطُ في سبات عميق منذ سنوات طويلة، وبالتالي فإن الحاجة الملحة أمست تتطلب تجديداً داخليًّا على مستويات القيادات العليا والوسطى، كما أمست تفترض إدخال الحالات الشبابية الصاعدة وزجها في ميدان العمل والمواقع المختلفة في خطوات محسوسة وملموسة لدفع التدفق الجديد في دماء وشرايين حركة فتح، أقدم وأعرق القوى السياسية والتنظيمية والحزبية في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

إن احتفالات الفلسطينيين وحركة فتح وجمهورها في فلسطين والشتات بانطلاقتها الثامنة والأربعين ودخولها العام التاسع والأربعين من عمرها، لا تعني شيئاً مع استمرار حالة الانقسام الحالي في البيت الفلسطيني، وهو الانقسام الذي طال واستطال منذ العام 2007 وحتى اللحظات الرهنة. فالاحتفال الحقيقي يجب ان يُتوج بخطوات عملية من أجل رأب الصدع في البيت الفلسطيني، حيث تتحمل حركة فتح مسؤولية كبرى في هذا المجال من أجل الوصول لتوافقات وطنية بالمشاركة مع القوى الأساسية وعلى رأسها حركة حماس من أجل طي ملف الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني وقذفه وراء الظهر. وهنا يمكن العودة لنتائج حوارات القاهرة الفلسطينية التي جرت خلال الأعوام الماضية والبناء على ما توصلت إليه من توافقات تمت بمشاركة جميع القوى السياسية والحزبية والفصائلية في الساحة الفلسطينية.
أخيراً، إن الشعب الفلسطيني يريد عيداً وطنيًّا للثورة المعاصرة في ذكرى انطلاقتها، عيداً ينتهي فيه الانقسام الداخلي، وتعود الوحدة الوطنية من جديد راسخة على الأرض، خصوصاً في ظل استحقاقات صعبة ومتوقعة تنتظر الفلسطينيين مع إطلالة العام الجديد 2014.

 

صحيفة الوطن العمانية

تاريخ الخميس  26/12/2013

بقلم علي بدوان