قبل أن نتحدث عن الأثر يجب التنويه بأن المشروع الوطني ليس مشروع حزب بعينه ولذا يجب إسقاط الوهم أو التصور الذي يهيمن على تفكير البعض ويؤثر على سلوكهم السياسي فالمشروع الوطني يعبر عن الكل الوطني باستحقاقاته النضالية .
وامام ذلك نرى خطورة ما يتعرض له المشروع الوطني الفلسطيني، ومكانة القضية الفلسطينية فيه، وخاصة في ظل طغيان التناقضات الداخلية على المشهد الفلسطيني، وتأثير التدخل الأمريكي على المشروع الوطني الفلسطيني بشقيه الدولي والداخلي، وما يجري من افرازات عن مسار ما يسمى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والدور الأمريكي فيها، وهنا أعتقد أن المأزق الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من المأزق العربي، وخاصة في ظل المشاريع التي تتعرض لها المنطقة ، وعليه يجب العمل على حماية المشروع الوطني وعدم وضع مزيد من العراقيل والعقبات امام انهاء الانقسام وتطبيق اليات اتفاق المصالحة وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وتحسين أدائها في خدمة الشّعب الفلسطيني، والحفاظ عليها كصرح وطني جامع.
لا بد من الاعتراف أن الشعب الفلسطيني هو الوحيد، من بين شعوب العالم، الذي تعرضت حقوقه التاريخية والشرعية والعادلة للتآكل نتيجة المشروع الصهيوني ومواقف الولايات المتحدة القائمة على ازدواجية المعايير ، وخاصة ان حقوق الشعب الفلسطيني لا تختلف عن حقوق كل الشعوب التي تعرضت للاحتلال والاستعمار ومن حقه ان يكون له وطن ، ولكن ليس وطن على اجزاء مقطوعة الاوصال او دولة منقوصة السيادة .
وفي ظل ما يتعرض له المشروع الوطني الفلسطيني ، لا بد ان نحذر من دور المنظمات غير الحكومية والتي تخضع لسيطرة وإشراف مباشرين من قبل المؤسسات الدولية، أو عبر شبكات الجمعيات التي بدا وجودها مؤخرا جزءا أساساً من المشهد الفلسطيني، أو من خلال المؤسسات التقييمية التي تعطي شهادات الشفافية وحسن السيرة والسلوك، بل وحتى المؤسسات المحلية الضخمة التي تدعم مؤسسات محلية أخرى. جميعها تعتمد على التمويل الخارجي وتنذر بحقبة طويلة من إعادة إنتاج هذه المنظومة في أبشع صورها في حال ما استمر المال بالتدفق، حيث تناسق ثقافة المشاريع المعادية تحت الإشراف الدولي مع الخطاب والسلوك الرسميين للسلطة الفلسطينية ولآلية عملها ، وهذا ينتج عن محاولة شطب المشروع الوطني الفلسطيني .
ان انسلاخ هذه المؤسسات عن مجتمعاتها، وابتعادها عن الفصائل وتوظيف طاقات الشباب و إستغلالهم وجرهم الى خانات تتعارض وتتناقض مع هويتهم وإنتمائهم وثقافتهم،وبما يخرجهم من دائرة الفعل والعمل الوطني وخدمة قضاياهم.
أن ما يطرح اليوم من تسوية او مشروع انتقالي ، يستهدف الأهداف والحقوق الوطنية ويؤدي إلى تكريس الرؤية والمخطط الصهيوني الأمريكي صوب مزيد من الهيمنة والتحكم بمصير قضيتنا وشعبنا.
إن الصراع مع العدو الصهيوني، هو صراع عربي ـ إسرائيلي بالدرجة الأولى، وان استعادة الروح القومية والنضالية في الصراع مع هذا العدو، تتطلب استنهاض طاقات الاحزاب والقوى العربية والفلسطينية ، واستنهاض طاقت شعوبها ، لانه لن يتحقق النصر الا بنضال وتضحية بمواجهة العدو الصهيوني ، وهذا يتطلب وحدة وطنية فلسطينية ومشهد عربي قومي ديمقراطي جديد بعيداً عن كل مظاهر وأشكال الخضوع والتبعية، بما سيؤدي حتماً إلى بداية النهاية والانتصار على دولة العدو الصهيوني وجلاء الاحتلال وتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني المشروعه .
ان ما نراه اليوم من متغيرات على المستوى العربي ، وفي ظل هجمة الاسلام السياسي المتناغم مع الادارة الامريكية ومشاريعها ، وفي ظل تزايد عدوانية دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وتزايد المخططات والمحاولات الامريكية الصهيونية بحل انتقالي بهدف انهاء القضية الفلسطينية وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقدس بهدف وقف نضال الشعب الفلسطيني، ولكن ارادة هذا الشعب سيواصل خياره النضالي حتى تحقيق أهدافه في الحرية وتقرير المصير والعودة.. ففلسطين ليست يهودية، ولن تكن إلا وطناً للشعب الفلسطيني، وهذا يحتم النهوض بالمشروع الوطني من كبوته وهبوطه، وبدون ذلك النهوض سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة والاستسلام.
ولهذا لا بد من ان ينظر الجميع إلى ما يدور داخل الجسد الفلسطيني من مخاضات ومناخات مثيرة للقلق، بسبب العجز عن تحديد الأزمة كمفهوم وحصائل عملية وسبل الخروج منها، هذا إن كان من إقرار بوجود الازمة ، وبالمعنى المشار له،
ومن خلال تحديد مفهوم المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يكون واحداً أو لا يكون، وأزمته واحدة أو لا تكون، وحلوله واحدة أو لا تكون، المشروع الوطني الفلسطيني، وبعيداً عن سجالات أو مزايدات، مستمد من إسمه، ربطاً بوطن إسمه فلسطين، ويوحد جميع الفلسطينيين.
ونحن اليوم امام حالة التشتت والتشرذم الجغرافي التي يعانيها الشعب الفلسطيني، والتي أسهمت في تعقيد القدرة على الاجتماع والتفاهم وصناعة القرار ، وعلى الرغم من تمسك الشعب الفلسطيني باستعادة ارضه وتحقيق حلمه في العودة والاستقلال، فإن المشروع الوطني الفلسطيني يواجه أزمة حقيقية. اذ لم يتم التوافق على برنامج سياسي متوافق مع الثوابت الفلسطينية ، لانه لا يمكن لأية قوة خارجية أن تمنع شعبا خاضعا للاحتلال من وضع إستراتيجية عمل وطني لمواجهة الاحتلال.
ان الخيارات الوطنية الفلسطينية المطلوبة خلال المرحلة المقبلة، والعوائق التي تترصدها وتنتصب في وجهها، والسيناريوهات المتوقعة لها، بقدر ما يرسم المحفزات والمنشطات اللازمة تتطلب اطلاق الطاقات الشعبية المعطلة التي تشكل صمام الأمان الفعلي للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على أسس صحيحة بعيدا عن المصالح الفئوية والأجندة الخارجية.
لذلك نقول بكل وضوح ان بناء رؤية وطنية تندرج في اطار توحيد كافة القوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية من اجل توجيه بوصلة النضال الوطني نحو الاهداف الوطنية هي وحدها الكفيلة بإزاحة كل عوامل الهزيمة واستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال والعودة.
ان الوعي والشعور بالمسؤولية والواجب، يفترض منا الاقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية، والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وإنهاء كافة أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد انطلاقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين فهي تنظر إلى الدين بوصفه جزءاً من تطوّر الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعه.
ختاما : لا بد من القول ، ان مسيرة تجديد المشروع الوطني الفلسطيني وتحديد الخيارات الوطنية الكفيلة بتحرير الأرض ودحر الاحتلال تبدأ بجهود متواضعة لا تلبث أن تزيد من بذلها وعزمها وإصرارها وتراكم على عملها وإنجازاتها حتى تتحول إلى قوة كبرى وجهد ضخم قادر على كتابة التاريخ وصناعة المستقبل وكنس الاحتلال وإطلاق فجر الحرية والاستقلال .
كاتب سياسي