التحقيق الدولي والمحلي

بقلم: أسامه الفرا

لا يساور أحد منا مثقال ذرة من شك في أن الرئيس ياسر عرفات إغتالته إسرائيل، ولسنا بحاجة لتقرير خبير يؤكد لنا هذه الحقيقة، فالتدهور الصحي السريع والأعراض التي رافقت ذلك وعجز أطباء مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي عن تحديد سبب ذلك، كل ذلك يشير إلى أن الرئيس مات مسموماً، وسواء جاءت التقارير بتائج تحليل عينات من رفات الرئيس بما يؤكد على ذلك أم أنها خلت من تلك الدلائل فلا يعني نفي جريمة التسمم، ما يثير الاستغراب ما صرح به رئيس فريق الخبراء الروسي بأن وفاة الرئيس كانت طبيعية، رغم أن التقرير الروسي يؤكد على وجود نسبة عالية من مادة البلوتونيوم المشع في العينات التي أخذت من رفات الرئيس، قد نتفهم ما جاء به الخبير الروسي "وهو محل شك لدينا كبير" لو اقتصر الأمر على نفيه لوجود البلوتونيوم المشع، لكن أن يذهب الخبير للتأكيد على أن الوفاة طبيعية فهذا ما لا يمكن فهمة بالمطلق، نتائج تحاليل المختبر السويسري أكدت وفاته بالتسمم بالبلوتونيوم المشع، ولكن ما علينا أن نحذر منه جيداً أن السم قد يكون بمادة البلوتونيوم وقد يكون بمادة أخرى ليس لها علاقة بالاشعاعات.

علم السموم بتشعباته المختلفة لا يتضمن المواد السمية التي تستخدمها أجهزة مخابرات الدول المتقدمة، والأخيرة عادة ما تلجأ لإستخدام مادة سمية تنفرد بها عن غيرها من الدول، وبطبيعة الحال من الصعب على الغير اكتشافها أو ابطال مفعولها، هذا من جانب ومن جانب آخر السذج وحدهم هم من يعتقدون بأن الفرق الطبية الدولية يمكن لها أن تكشف سر تسمم الرئيس، حيث تخضع نتائجهم لحسابات دقيقة تحدد مسارها أجهزة مخابراتهم، على قاعدة الربح والخسارة وتخضع عادة لصفقات متشابكة، ناهيك عن البعد الفردي وما يمكن أن يتضمنه من تهديد وابتزاز وشراء الذمم كما هو الواضح ما خضع إليه الخبير الروسي، المؤكد أن جريمة اغتيال عرفات تتمحور حول سؤالين، ما هي المادة السمية التي استخدمت؟، وكيف وصلت إلى الرئيس؟، لا شك أن الاجابة عن السؤال الأول هي كمن يبحث عن شيء لا يعلمه، ناهيك عن أن تحديد ذلك لا يشير بدلالة كبيرة على المتهم، وإن كان يحمل القليل منه، لكن الأهم بالنسبة لنا والذي بمقدروة فك طلاسم جريمة الاغتيال وتحديد المسؤول عنها بشكل واضح هو كيف وصل السم إلى ياسر عرفات؟، على الرغم من يقيننا المطلق بأن ذلك أيضاً ليس بالأمر الهين كون الجريمة تتعلق بجهاز مخابرات متعمق في الاغتيال عن بعد، إلا أن تكثيف التحقيق في ذلك يمكن له أن يأتي بنتائج أو يقودنا إلى فك بعض خيوط الجريمة.

مجلس الجامعة العربية، بناءاً على مقترح من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قرر تشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف الوقائع المتعلقة باغتيال ياسر عرفات، ورغم أهمية ذلك إلا أن علينا أن نفرق بين التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق "رفيق الحريري" والتحقيق الدولي في اغتيال ياسر عرفات، فالأول تقف خلفه دول عظمى على رأسها الإدارة الأمريكية تريد كشف الجريمة ومن يقف خلفها، وهي ذاتها التي لا تريد كشف جريمة اغتيال ياسر عرفات، لأنه إن لم تكن هي متورطة في الجريمة فهي تعلم علم اليقين بأن طفلتها المدللة هي من فعلت ذلك، وبالتالي لن تسمح بتوجيه الاتهام لها، لعل أهمية قرار الجامعة العربية يكمن في الابقاء على ملف الاغتيال مفتوحاً ليس فقط داخل الساحة الفلسطينية وإنما أيضاً داخل المحافل الدولية.

اغتيال ياسر عرفات وإن حظي بإهتمام كل مواطن فلسطيني نظراً لمكانته لديهم، إلا أن الجريمة بأبعادها المختلفة تفرض علينا أن نبقي ملفها مفتوحاً كونها تتعدى حدود اغتيال قائد إلى حدود إغتيال فكر ومنهج.