انطلاقة الثورة الفلسطينية تشكل حقبة جديدة من تاريخ النضال

بقلم: عباس الجمعة

يحتفل الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات والمنافي بعيد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، الذكرى التاسعة والاربعين لانطلاقة شرارة الكفاح المسلح، انطلاقة الثورة الفلسطينية، انطلاقة حركة فتح، هذه الثورة التي وحدت الفلسطينيين حول الهوية والهدف، وارتقت بهم من حالة الشتات والتشتت إلى مستويات الكفاح من اجل تحقيق الأماني بالتحرر من نير الاحتلال وتقرير المصير والعودة.

نعم قبل 49 عاماً، في الأول من يناير 1965، زغردت بنادق الثوار ليسمع صداها في حناجر نساء فلسطين إيذاناً بانطلاقة الثورة التي بددت سواد الليل والخذلان العربي، رصاصات فلسطينية رفضت الاستسلام للذل المر وخنوع الأنظمة لواقع النكبة والهزيمة التي كانوا مأساتها في العام 1948، وعلى وقع أمواج البحر في قطاع غزة والقدس والجليل، كانت انطلاقة الثورة والمارد الفلسطيني، لتسجل حقبة جديدة من تاريخ النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني.

ان الثورة الفلسطينية التي دخلت تاريخ الشعوب العربية تجسيداً حياً للمعاني الكفاحية في النضال من اجل تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وواجباً وطنياً وثورياً التزمه المناضلون الذين شقوا طريقً الكفاح وبنوا صرحاً من البطولات اثمرت اول انتصارات عربيه على العدو الاسرائيلي، ورسموا فيها اسلوباً جديداً في النضال وما زالت العيون شاخصة باتجاه تحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة

تسعة وأربعون عاماً من انطلاقة الثورة، مرت فيها القضية الفلسطينية بمنعطفات حادة وقاسية، أخطرها نكسة حزيران في العام 1967 التي احتل فيها الكيان الصهيوني ما تبقى من فلسطين، حيث كانت الأنظمة العربية في سبات عميق بعيداً عن القضية المركزية للأمة، قضية فلسطين التي هي عنوان الصراع العربي الصهيوني في المنطقة، وبعدها بعام كانت معركة الكرامة البطولية ، لتضيف شعلة النضال زخما في الصراع، ورغم مجازر أيلول في الأردن عام 1970، بقيت الثورة، وكانت عملية الخالصة البطولية باكورة النضال الفلسطيني وجاءت حرب تشرين لتشكل النصر العسكري في أكتوبر 1973، ورغم محاولة البعض جر الثورة الى مكان اخر بسبب الحرب الاهلية اللبنانية ، الا ان الثورة استمرت وكانت عملياتها البطولية ضد العدو تشكل نموذجا نضاليا ، وتصدت القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية لاجتياح العدو الصهيوني عام 1978 ، ورغم اتفاقية كامب ديفيد الذي وقعها السادات بعد مفاوضات عقيمة ، ، ورغم رفض الثورة بكافة فصائلها وقواه وكذلك القوى العربية الحليفة للثورة ، أتى اجتياح العدو الصهيوني للبنان وصمود القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية فشكلت كوفية الرئيس الرمز ياسر عرفات نموذجا يحتذى به

وامام كل هذا الصمود والعطاء ورحيل مقاتلي الثورة الفلسطينية من لبنان إلى بلدان الشتات بعيداً عن الجغرافيا الفلسطينية، دخلت الثورة في مرحلة أخرى أكثر قساوة، فكان تخطيط امير الشهداء ابو جهاد الوزير لاندلاع الانتفاضة الاولى عام 1987 في الداخل الفلسطيني لتعيد الروح لحالة الانكسار التي خلقها غزو بيروت ، وامام المحاولات المعادية اتى انعقاد مؤتمر مدريد الذي أسس لمرحلة التفاوض الفردي مع الكيان الصهيوني، فجاءت اتفاقية وادي عربة مع الأردن واتفاقية أوسلو في 1993، التي باعت أوهام للفلسطينيين، ولم تعد لهم الأرض التي وعدوا بها، وان من نتائجها مزيد من تهويد مدينة القدس والجدران العازلةوالترويج للدولة اليهودية وبدء تآكل مقاطعة الكيان وبضائعه في البلدان العربية.

ان الثورة الفلسطينية العملاقة، وتجربتها الفريدة، وما حققته ، تعرضت لكثير من الانتكاسات، نتيجة للاختلاف الاستراتجي بين النظام السياسي ومبدأ الثورة، وأهدافهما المتباينة والذي غذته عوامل إقليمية وعالمية مختلفة،، وهذا يتطلب منا الوقوف الى أين وصلنا بعد 49 عاماً من النضال والتضحية والفداء، بفعل تضحيات الشعب الفلسطيني وشهدائه الأبطال وفي المقدمة منهم الرئيس الرمز الشهيد "ياسر عرفات" وامير الشهداء ابو جهاد الوزير وابو اياد وابو الهول ومحمود درويش وفيصل الحسيني وحكيم الثورة جورج حبش والأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية فارس فلسطين "أبو العباس" والأمين العام للجبهة الشعبية فارس الشهداء "أبو علي مصطفى" وشيخ المجاهدين "أحمد ياسين" والامناء العامين للفصائل سمير غوشه وطلعت يعقوب وابو احمد حلب وزهير محسن وعبد الرحيم احمد وفتحي الشقاقي وعمر القاسم وغيرهم من القادة والمناضلين فشلال الدم ما زال مستمراً والشعب الفلسطيني يعاني صنوفاً من العذاب والمرارة.

ورغم اشتداد العاصفة فيجب ان لا ننحني ولن نغفل ، فهذه المدرسة الثورية أخذت على نفسها العهد بالمقاومة حتى الرمق الأخير كيف لا وهي من خطت في سفر حياتنا ملامح مواجهة العدو وأدواته دون ان نتنازل عن الثوابت الفلسطينية.

ان الحفاظ على الثورة بمعناها الحقيقي ، وعلى المشروع الوطني الفلسطيني ، والإنحياز للقضية والشعب والارض حتى تبقى البوصله واضحة ، فالنضال رغم كل الظروف يجب ان لا يتوقف ، ويجب الخروج من المرحلة اليأس والإنكفاء على الذات ، فعدونا يحاول نهب الارض وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وتقويض مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها، بينما تحاول الادارة الامريكية تفتيت المنطقة وزرع الفتنة وتفجير النزاعات وعزل كل قطر عربي عن الآخر بتقويض أركان قوميته ، ومحاصرة قضية العرب المركزية " فلسطين " من خلال طرح مشروع تصفوي بعد مفاوضات عقيمة دامت اكثر من عشرون عاما ، وهذا يتطلب من الجميع التحرك لوقف المفاوضات والعودة بملف القضية الفلسطينية الى هيئة الامم المتحدة ومنظماتها المختصة،بما فيها محكمة الجنايات الدولية لوضع الاحتلال والاستيطان موضع المسائلة والمقاطعة والعقاب، ونيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين وتوفير الحماية الدولية المؤقتة للشعب الفلسطيني من ارهاب الدولة ومستوطنيها تحت اشراف الامم المتحدة ، وعقد المؤتمر الدولي من كافة الاطراف المعنية، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، ورفض التفرد الامريكي الصهيوني على المستوى الدولي في معالجة القضية الفلسطينية

أن الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز الصعاب، فهو جبل المحامل، وطائر الفينيق الذي ينفض الرماد ويعود من جديد إلى حياة النضال والتحرير ، أليس هذا ما فعله الأسير البطل المحرر سامر العيساوي وقبله الاسير المناضل محمد التاج والأسرى الأبطال خضر عدنان وثائر حلاحلة ، هذا الصمود الأسطوري من شعب أبى الا ان يخوض معاركه على عدة جبهات ومنها معركة الأمعاء الخاوية من خلال هؤلاء المناضلون الذين علموا الكثير في أنحاء الدنيا وفي مقدمتهم احمد سعدات ومروان البرغوثي ووائل سمارة وباسم الخندقجي وفؤاد الشوبكي التواقين للحرية والعدالة والمساواة والتحرر، رغم الظروف الصعبة والقساوة حيث تنتهك حقوق المعتقل بما فيها منعه من العلاج، فهؤلاء مصممون على خوض النضال وهم يتطلعون الى فجر الحرية بانه بات قريب.

وامام ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية نتطلع الى اهمية ترتيب البيت الفلسطيني، والتوافق على بناء نظام سياسي ديمقراطي ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية الهوية والكيان والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، على اساس برنامجها الجامع ، وانهاء الانقسام وتطبيق اليات اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية وكذلك اجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني على اساس التمثيل النسبي الكامل ، وذلك حرصا على الوحدة الوطنية واستعادة موقع القضية الفلسطينية بوصفها جوهر الصراع في المنطقة وقضية الامة العربية باسرها، وكل الاحرار والشرفاء في العالم.

ان ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية تستدعي منا الوقوف امام ما يعانيه فلسطينيي سوريا، من رحيل قسري ، فما يجري في مخيم اليرموك والمخيمات الاخرى في سوريا ينتج كوارث إنسانية ، حيث الموت اما الرحيل إلى المجهول، هذا الشعب المؤمن بثقافة العودة وحق العودة يتعرض للموت البطيء نتيجة الأزمة السورية التي تدفعنا للقول، اين نحن من مأساة الشعب الفلسطيني في سوريا الذي قدم الشهداء في الثورة الفلسطينية ورفع راياتها من اجل الحرية والاستقلال والعودة ، ومن هنا نقول لا بد من اطلاق صرخة لتسوية اوضاع المخيمات وادخال قوافل المساعدات الغذائية لمن بقي من مدنيين في المخيمات ، كما يتطلب هذا الموضوع استمرار التحرك للحفاظ على حيادية المخيمات وتجنيب الفلسطينيين ويلات الصراع الدائر في سوريا وفك الحصار عن المخيمات وتحديدا مخيم اليرموك ، وتأمين عودة آمنة للنازحين من اللاجئين الفلسطينيين إلى مخيماتهم والحفاظ عليها بيئة آمنة تحتضن اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم الى ديارهم .

ختاما : لا بد من القول في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة علينا أن ننهض فكريا وثقافيا ونضاليا ونحمل هموم الشعب والقضية ونضع الحلول الخلاقة والمبدعة لكافة المشاكل التى تواجهنا , ولعل حركة فتح وكافة فصائل الثورة لديها الإمكانية أن تكون الرائدة فى هذا المجال، فيجب نستعد فيها من اجل استمرار مسيرة العطاء هذه المسيرة ، التي لا تعترف بعمراً ولا تعترف بالهزيمة، وحتى تبقى بريق في خندق واحد ، إن هذا التحدي يظل ماثلاً أمامنا أحزاباً وفصائل ومثقفين.