الصورة التقليدية

بقلم: أسامه الفرا

نشرت ملكة الأردن على حسابها على الفيس بوك تهانيها للأردنيين بالعام الجديد، وأرفقتها بصورة تجمعها مع زوجها الملك ذيلتها بجملة "هكذا استقبلنا سنة 2014، حيث أبدى نحو 71 ألف شخص اعجابهم بالصورة، كان مقطع فيديو للملك وهو يساعد في دفع سيارة مواطن علقت في الثلوج أثناء موجة اليسكا قد استحوذت على اهتمام بالغ من المواطنين، يأتي ذلك ضمن ما بات يعرف بالملك شو، حيث يعكف فريق الإعلام في القصر الملكي على نقل بعض التفاصيل الخاصة للملك خلال ممارسته لوظيفة الحكم، هذه المادة عادة ما تلتقطها كاميرات خاصة بعيدأ عن الكاميرا العامة التي تنقل دوماً الصورة الرسمية، من الواضح أن الفريق الإعلامي يهدف من وراء ذلك لهدم الجدار الذي حاولت العقلية التقليدية الإبقاء عليه بين الملك والشعب، لطالما حاول البعض العمل على تقنين صورة الحاكم في ذهن المواطن بالصورة الرسمية التقليدية، وهي ذات الفلسفة التي اعتمدتها العائلة الملكية البريطانية مع وسائل الإعلام على مدار العقود الطويلة السابقة، وكثيرا ما وجهت الاسرة الملكية انتقادها للاعلام بالتطفل على الحياة الخاصة لها، لمجرد أن الصورة كانت خارج قواعد البروتوكول الملكي المحكم.

تطور وسائل الاتصالات وقوة حضور مواقع التواصل الاجتماعي في صياغة الرأي العام تفرض ذاتها في الصراع المستتر بين الحداثة والأنماط التقليدية، ومن الغباء إهمال قوة أدواتها وتأثيرها، وفي عالمنا العربي نحن بحاجة أكثر من غيرنا لإزالة الاسوار بين الحاكم وشعبه، ولا يعني ذلك أن ندخل المساحة الخاصة للحاكم بل أن ندمج الصورة الرسمية بالصورة الإنسانية له، خاصة وأنه تجزر في وجداننا هالة للحاكم وإن أبقته في مكانة عالية إلا أنها أفقدته في الوقت ذاته السلوك الانساني الذي يرغب المواطن أن يراه فيه؟، فالحاكم وإن حاولت الصورة التقليدية له على وضعه في مكانة محددة إلا أنها لا يمكن أن تنفي عنه الصفات والمشاعر الانسانية، فالحاكم القديس الذي يستمد حضوره من الإله لم يعد من الممكن تمريره، فهو مجرد إنسان يخطيء ويصيب ومحصلة ذلك هي الصورة الحقيقية التي يحتفظ بها المواطن في ذاكرته له، والصورة هي الأكثر ثباتاً في الذاكرة، وبالتالي ليس من المفيد في شيء أن تقتصر في ذاكرة المواطن فقط الصورة التقليدية للحاكم.

ليس مطلوب أن تنقل الكاميرا صورة المسوؤل وهو يتجول بين المواطنين، ثم لا يلبث أن تنتهي المهمة ويعود الجميع أدراجه دون أن تترك الصورة أثراً لها، فهي لم تنقل لنا سوى الإبتسامة المستطيلة "إبتسامة المجاملة" التي يرسمها البعض على وجوههم ومعالمها تؤكد أنها غير حقيقية، الصورة الصادقة هي تلك التي تبحر في الوجدان وتنقل المشاعر التي غالباً لا تتمكن الكلمات في نقلها، وهي ذاتها التي تختزن في الذاكرة.

شكل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مدرسة في التواصل مع شعبه، رغم أن وسائل التواصل المجتمعي كانت في مجملها بدائية إذا ما قورنت بما نحن عليه اليوم، إلا أنه استطاع التواصل المباشر مع المواطن في جهد ما زال من الصعوبة فهم قوة التحمل التي كان يتمتع بها، ولعل البساطة التي كان يتسم بها هي التي مكنته من اختراق قلوب شعبه، فلا تخلوا ذاكرة المواطن الفلسطيني من صورة منها، صورة تفرض عليك الامعان فيها لما تحمله من مضامين لا تحمل الصورة التقليدية شيئاً منها.