منحت عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الأزهر في مدينة غزة، اليوم، درجة الماجستير للباحث أحمد مصطفى البطران، بعد مناقشة رسالته في الاقتصاد والعلوم الإدارية التي حملت عنوان "العلاقة بين اللامساواة في توزيع الدخل والنمو الاقتصادي- دراسة تطبيقية على مجموعة دول للفترة 1980-2010م"، اليوم الخميس. وتكونت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد الله محمد الهبيل الأزهر مشرفاً ورئيساً، سمير أبو مدللة عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر مشرفاً، الدكتور محمود صبرة مناقشا داخليا والدكتور فاروق دواس مناقشا خارجيا.
وهدفت الدراسة إلى توضيح أثر كل من النمو الاقتصادي واللامساواة في توزيع الدخل على الآخر، والتحقق من وجود علاقة سببية بينهما، والتحقق بين سيادة العلاقة أو عدمها بين الدول بغض النظر عن درجة تقدمها الاقتصادي ومستوى الدخل السائد فيها، إضافة إلى استخلاص النتائج والتوصيات التي تفيد في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة للحد من اللامساواة في توزيع الدخل كشكل من أشكال التفاوت الاقتصادي أو أثارها السلبية في الدول النامية.
وأظهر الباحث أهمية الدراسة والتي تكمن في تناول العلاقة بين اللامساواة والنمو الاقتصادي في اتجاه واحد، أي تأثير أحد المتغيرين على الآخر دون التعرض للتأثير المتبادل بين المتغيرين، إلا أن أهميتها تأتي من كونها تدرس التأثير المتبادل بين المتغيرين على حد السواء. لافتاً إلى أنه عند مقارنة العدد الوفير من الدراسات الأجنبية التي تتعرض للعلاقة بين المتغيرين سواء الأحادية الاتجاه او المتبادلة بمثيلاتها العربية، فإن الباحث يعتقد بأن هذه الدراسة سوف تمثل إضافة جديدة وهامة في مجالها إلى المكتبة العربية.
وبين الباحث أن مشكلة الدراسة تكمن في توضيح العلاقة بين اللامساواة في توزيع الدخل والنمو الاقتصادي، لينبثق منها أسئلة فرعية، وهي مدى تأثير النمو الاقتصادي على اللامساواة في توزيع الدخل، وهل العكس صحيح، وهل يوجد علاقة سببية بين النمو الاقتصادي واللامساواة في توزيع الدخل، وهل تختلف العلاقة بين النمو الاقتصادي واللامساواة في توزيع الدخل بين الدول، وهل الحد من اللامساواة أمر ممكن ومرغوب لأجل تحقيق تنمية اقتصادية شاملة تعمل على تهيئة الأوضاع على طريق التنمية المستدامة.
وافترض الباحث في دراسته، وجود تأثير إيجابي من النمو الاقتصادي على اللامساواة في توزيع الدخل، ووجود تأثير سلبي من اللامساواة في توزيع الدخل على النمو الاقتصادي، ووجود علاقة سببية بين النمو الاقتصادي واللامساواة في توزيع الدخل. منوهاً إلى اختلاف العلاقة بين النمو الاقتصادي واللامساواة في توزيع الدخل بين الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل ومرتفعة الدخل، وإلى أن الحد من اللامساواة أمر ممكن ومرغوب لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة.
واعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي عند التعرض للأطر النظرية للدراسة، فيما استخدم المنهج القياسي لاختبار فرضيات الدراسة. كما استخدم الباحث بيانات السلاسل المقطعية والتي تمثل بيانات مجموعة من الدول خلال فترة زمنية معينة، ولقياس العلاقة والتأثير بين متغيرات الدراسة اتبع الباحث أساليب التقدير الخاصة بنماذج البانل من خلال تقدير النماذج المتجمعة ونماذج التأثيرات الثابتة والتأثيرات العشوائية.
وتوصلت الدراسة إلى أن زيادة معامل جيني بنقطة واحدة تؤدي إلى ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول العينة بحوالي 477 دولار بمعنى وجود تأثير إيجابي من اللامساواة على النمو، في حين أن معامل جيني لا يفسر سوى 9% من التباين في النمو الاقتصادي في الدول فيما يعزى 91% من هذا التباين إلى متغيرات أخرى لم يتم إدراجها في العينة.
وخلص الباحث إلى أن زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1000 دولار تؤدي إلى ارتفاع معامل جيني بمقدار 0.197 نقطة في جميع دول العينة مما يعني وجود تأثير إيجابي من النمو الاقتصادي على اللامساواة. موضحاً وجود 83% من التغير في عدم المساواة في توزيع الدخل بواسطة تأثير النمو الاقتصادي والتأثيرات الثابتة في كل دولة، فيما يعزى 17% لعوامل أخرى لا يتضمنها النموذج، إلا أن التأثيرات الثابتة في دول العينة تختلف من دولة إلى أخرى.
واستنتج الباحث أنه بالرغم من انقسام الدراسات حول الآثار الايجابية والسلبية لعدم المساواة على النمو الاقتصادي إلا أن عدد متنامي من هذه الدراسات يؤكد سلبية هذه الآثار عموماً، وبالتالي فإن الحد من اللامساواة والحد من آثارها من شأنه تعزيز النمو.
وأوصى الباحث في دراسته بضرورة تحقيق الدول والأنظمة التوازن بين هدف النمو الاقتصادي وهدف تخفيض مستوى عدم المساواة في توزيع الدخل باعتبار أن زيادة النمو الاقتصادي لا تؤدي بالضرورة إلى مزيد من المساواة. داعياً الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لوضع خططها الاقتصادية لانجاز تنمية اقتصادية سريعة تتضمن زيادة نصيب الفرد من الدخل الحقيقي مترافقة مع درجة مقبولة من المساواة في توزيع الدخل، كذلك الدول النامية إلى العمل على تطوير القطاع الزراعي وزيادة إنتاجيته والإفادة من التراكم المعرفي والتكنولوجي وخلق قوة عمل مدربة وتوزيعها على القطاعات الاقتصادية بشكل متوازن بما يمكن التوزيع المتساوي للدخل من مواكبة الطفرات الاقتصادية والاجتماعية للتنمية.
وأوصت الدراسة بضرورة عدم تهاون الدول النامية في مسألة توزيع الدخل لإحداث تنمية اقتصادية مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية حتى لا تصبح عملية التنمية الاقتصادية مصدراً لتهميش فئات معينة من المجتمع أو فرصة لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. ودعا الباحث الدول النامية لإتباع أساليب تنموية ملائمة ومناسبة لطبيعة وظروف كل دولة عن الأخرى على أن لا تسعى هذه الدول لتقليد أنماط التنمية في الدول المتقدمة والتي ينتج عنها أثاراً مختلفة في هذه الدول.
وجدد الباحث دعوته للدول النامية والفقيرة إلى التخلص من أثار المحاكاة والتقليد ليس في الأنماط الاستهلاكية فقط بل بالأنماط الإنتاجية الخاصة بهذه الدول. لافتاً إلى أن الاختلافات في نتائج دراسات توزيع الدخل والنمو في كثير من الحالات تأتي لاختلاف قواعد البيانات التي تعتمد عليها الدراسات، لذلك فهناك ضرورة لتوحيد قواعد البيانات في إطار دولي محكم وتطويرها ووضع معايير دقيقة تطبق على بيانات جميع دول العالم.
وفي ذات السياق، أوصى الباحث في دراسته، بضرورة مساهمة الدول الغنية بشكل فعال في تنمية اقتصادات الدول الفقيرة من خلال نقل التكنولوجيا الحديثة وأثار التنمية الايجابية في الدول المتقدمة إلى الدول النامية، والعمل على إنهاء كافة أشكال الاستغلال الذي تمارسه الدول المتقدمة بحق الدول النامية والتي لم تكن تتدهور مستويات معيشتها لولا عوامل الاستعمار والاستغلال لهذه الدول على مدى عقود طويلة.
وأوصى الباحث بإجراء مزيد من الدراسات حول العلاقة في اتجاه واحد وفي اتجاهين والاستفادة من تطور أساليب الاقتصاد السياسي والإحصاء وتوافر قواعد البيانات، والقيام بدراسة علاقة اللامساواة في توزيع الدخل بالنمو الاقتصادي في الإطار الإقليمي العربي والمحلي الفلسطيني، ودراسة اتجاهات هذين المتغيرين وعلاقتهما ببعضهما في هذين الإطارين.
حيث أثنت اللجنة على الرسالة وجهود الباحث ومن ثم منحته درجة الماجستير. وحضر المناقشة لفيف من الطلبة والمهتمين وزملاء الباحث.