ماذا أصابك يا وطني، هل نسيت بأنني خلقت على هذه الأرض ؟ ألم أدافع عنك بروحي ؟ ألا تذكر بأنني أمضيت في سجون الاحتلال ليال طويلة، ألم تُبلغك سجون الاحتلال عن صمتي، عن قهري، عن حرماني الشمس والهواء وحريتي لمدة ثلاثة سنوات ونصف، ألم تهمس لك زنازين الاحتلال حين غنيت من أجلك، ونشدت نشيدك الوطني، كيف لا تعترف بي أبن لك وتحرمني من مأوى لفلذات أكبادي؟
انظر ماذا فعلت بابنتي التي لم تكمل بعد عامها الخامس، كيف تصرخ ليلاً حين يداهمها كابوس جرافتك ليهدم مضجع نومها، تقف كل صباح أمام خيمة من النايلون نصبتها في حضنك، لأحمي أسرتي من أمطار الشتاء والمنخفضات وموجات البرد التي نزلت علينا كالصاعقة، تنظر بعينيها، تترقب، تخاف منك يا وطني، فأنت من هدمت بيتها مرتين ولم تترك لنا لأن نحيى حياة البشر، هل نسيت أم تناسيت أنين زوجتي حين كنت خلف القضبان ؟ كم من الليالي والسنوات انتظرت حريتي لأعيد لهم البسمة، ولكن للآسف ما زال أنينها على حاله، بل صرخت حين رأت الكلاب تصول وتجول في الأراضي من حول خيمتنا ولا أحد يحاول إيذائها، وتساءلت بمرارة هل يمكن لهم أن يعتبروننا، وضعت يدي على فمها لكي تتوقف... كفاك يا وطني، لم يتبقى لنا إلا كرامتنا لنتكئ عليها...
أيا وطني هل يُعقل أن تدوس جرافتك خيمتي وحقيبة ومريول بنتي المدرسي وأنت من اشطات غضباً حين هدم الاحتلال بيوت رفاقي ؟ كيف لك أن تسهم في تجهيل أبنائك ؟ وكيف لنا أن نعلمهم نشيدك الوطني ؟
كم بكت وصرخت أبنتي وأنت تقتلع الخيمة من جذورها وتشاهد مريولها المدرسي عالق في عجل جرافتك، تدرك تماماً بأنني لا أستطيع شراء غيره، وحتى غير قادر على توفير قوتها وقوت أخوتها الصغار، وفي كل مرة تروي لي حكاية جارتنا التي أجهضت عندما اقتلعت جرافتك خيمتهم.
أعيدوني لسجون الاحتلال فهناك كنت أراك يا وطني جميلاً أعيش من أجل تحريرك، وكنت حينها لا تبخل على فلذات أكبادي بتوفير قوتهم اليومي، وبعد خروجي من السجن بستة أشهر قطعت راتبي وأصبحت مع أسرتي في العراء.
هل ما زلت تذكرني ؟ أنا رامي حاتم أبو حجاج رقم زنزانتي 72، أمضيت في سجون الاحتلال ثلاثة سنوات ونصف، وبعد خروجي اشتريت قطع أرض في مدينة رفح أرض البراهمه، ولأنني لا أستطيع دفع أجار البيت الشهري، أقمت عليها خيمة من النايلون، ابلغوني بأنها أرض حكومية وفي نفس الوقت لا مأوى لدي غيرها، لم أترك باباً إلا وطرقته، جمعية الأسرى تحيلك لسلطة الأراضي، وهي بدورها تحيلك لوزارة الإسكان ومن ثم يعيدوك لسلطة الأراضي، نحن أربع عائلات نعيش نفس المعاناة، ونطالب مساواتنا بجيراننا في أرض البراهمه، بل وأننا نقبل حتى لو ب 50 متر نستر فيه عائلاتنا، أو أعيدوني لسجون الاحتلال ليعاد راتبي وتعيش أسرتي حياة كريمة، فأبني عاهد ما زال يحلم بعد أن يكبر ويدخل الجامعة، ودينا وجاكلين ومادلين ورماس ما زالوا أطفالاً، فهذا أهون علي من أن أراهم يتعذبون من حولي وأنا لا استطيع فعل شيء من أجلهم.
د. عزالدين شلح